السيد المنصف المرزوقي (74 عاما) بعد إخفاقه المدو في الانتخابات الرئاسية 2019، وخسارة حزبه في التشريعية، يضع نهاية لحياته السياسية بإعلانه الانسحاب من الساحة السياسية والحزبية، وهو الذي أسس حزبا على أساس فكرة "شعب المواطنين" "peuple citoyen"، وهي فكرة مستوحاة من أفكار الحركة اليسارية الشيوعية، التي ظهرت في فرنسا لتنشط الديمقراطية المحلية، وقد برزت هذه الفكرة لأول مرة عند الأثينيين في القرن 5 ق.م. وعرفوا بها حكم "جمعية المواطنين"... استنسخها السيد المرزوقي في تونس بقواعد "حركة النهضة" المحسوبة على الإنتماء الإسلامي الإخواني، وقد صرّح أثناء إعلان نيته تأسيس هذا الحزب، بأنه سيحارب به الإستبداد السياسي والعقائدي... لو أراد قادة "حركة النهضة" تزكية مرشح للإنتخابات الرئاسية 2014 لرشحوا من أبنائهم من يرون فيه الإلتزام بالإسلام، وله من الحزم والأمانة والهيبة والثقافة ما يقوّي حظوظهم للفوز بمنصب الرئاسة، ولكنهم لم يفعلوا، لوعيهم بدقة المرحلة التي تمر بها الحركة، ولمعاينتهم للموقف الدولي الذي ما لبث يتطور في غير مصلحة "الإسلام السياسي"، وربما أيضا لعدم وجود مواصفات رجل الدولة في صفوف رجالاتها... كما برهنت الأيام أن تحالف الحركة مع المرزوقي وبن جعفر كان خطأ استراتيجيا جلب الكثير من الهزات للحركة، وكبّدها خسائر جسيمة على حساب ثوابتها ومبادئها... المرزوقي علماني المذهب، لا يرى في الإسلام حلا لمشاكل البشرية (حسب كتاباته)، وذرائعي السلوك، فالغاية عنده تبرر الوسيلة، وعليه استعمل شعبية حركة إسلامية ليلج للتأسيسي ومن ثم للرئاسة، بغير انتخابات عامة ومباشرة... "النهضة" التي صنعت منه رئيسا مؤقتا في شكل حصان طروادة، استعملته في بعض معاركها السياسية، ولكنها خسرت به كل المعارك، فلا يمكن لقواعدها أن يراهنوا مرة أخرى على جواد خاسر، جواد أخذه الغرور بما ناله من أصوات الإسلاميين، فطمح لافتكاك زعامة المعارضة من "حركة النهضة" باستثمار قواعدها في حزب ذات مرجعية يسارية... تخلت "النهضة" عن المرزوقي، فخسر الموقف والموقع معا، واستهلك نفسه واستنزف الرصيد الشعبي الذي صنعته له قواعدها... السيد الباجي قايد السبسي (نوفمبر 1926 – جويلية 2019) كان هو العوض عن المرزوقي في تحالفات "النهضة"، إذ بتأسيسه لحزب "نداء تونس" ونجاحه في إحلال حكم توافقي مع "النهضة"، أعطى الأمل للمراقبين الدوليين وكذا للقوى السياسية الداخلية، بتحقيق التوازن السياسي في البلاد بين "الديني والمدني وبين الإعتدال والتطرف"، كما أن الحركة بتحالفها وتوافقها مع الباجي أمنت التصنيفات غير الملائمة لها من قبل الأطراف الدولية... ورحل الباجي، ووجد السيد راشد الغنوشي (78 عاما) نفسه أمام طريق مفتوحة ليكون مايسترو التحالفات السياسية في تونس، وهي طريق محفوفة بالمخاطر، مخاطر تمليها تطورات الموقف الدولي المتجه في غير مصلحة الحركات ذات الأصول الإسلامية الإخوانية، ومخاطر يمليها تسارع الأحداث الإقليمية، وما يحدث بالجوار في الجزائر وليبيا...