لعل قدماء وكبارمتساكني مدينة اريانة يتذكرون الشيخ الامام الخطيب ذا العلم الغزير والعقل الرشيد السديد عم (الطاهر بن سعيد) اما لمن لا يعرفونه منهم ومن غيرهم من التونسيين فاني اقول عنه بايجاز شديد انه قد تولى امامة وخطابة جامع اريانة القديمة في فترة السبعينات من القرن الماضي وقد سمعنا على منبره من فمه ما هو معلوم ومحفوظ لدى العارفين من نافع وجيد النصائح والمعلومات ولكن ما لا يعرفه ولربما نسيه الكثيرون من سكان مدينة اريانة من القدماء والمحدثين ان هذا الرجل كان من النقابيين الناشطين المناضلين وكان ايضا صديقا حميما للزعيم الشهيد فرحات حشاد في تلكم السنين ولما كنت من التلاميذ ومن الأبناء الروحيين المقربين من الشيخ الطاهر بن سعيد رحمه الله وطيب ثراه بحكم قرب الجوار و بحكم التقائنا اليومي تقريبا للصلاة وبحكم متابعتي لدروسه في جامع اريانة في بعض أوقات النهار هذا الجامع وهذا الشيخ الذين لا انسى فضلهما علي ما دمت حيا فلقد تلقيت فيه وعلى يديه اول واحسن وافضل دروسي العلمية الدينية وشيئا لا باس به من الدروس الأخرى في دروب هذه الحياة الدنيوية والتي لم اجدها ولم استفد بمثلها مع الأسف الشديد لا في دروس المدرسة ولا في دروس المعهد ولا في حتى في محاضرات الكلية قلت ولما كنت لهذا الشيخ من المقربين وعلى خطبه ودروسه من المواظبين فقد كنا كثيرا ما نترافق في ذهابه الى الجامع ورجوعه منه وكنت انتهز هذه الفرصة لاستزيد من علمه وثقافته وتجاربه الواسعة في هذه الحياة وما يطرا فيها وعليها من الأحداث ومن التقلبات وفي يوم الخامس من شهر ديسمبر وفي عام نسيت تحديده بين بقية الأعوام رايته متاثرا وحزينا قليل الكلام على غير عادته فسالته مستفسرا عن صحته وحالته فاجابني رحمه الله بانه تذكر صديقه المرحوم فرحات حشاد في ذكرى وفاته وما قاله له قبل فراقه من الكلمات فنظرت اليه نظرة المستزيد من هذا الحديث التاريخي الضروري النافع المفيد ففهم مقصدي بذكائه المعهود ثم قال وهو واقف وقوف المتعب المكدود ( كثيرا ما كان صديقي المرحوم فرحات حشاد يوصلني الى بيتي على متن سيارته الخاصة ويقول لي في اخر الطريق الى اللقاء ايها الصديق ولكنه في ليلة استشهاده ووفاته وعلى غير عادته فارقني وتركني بقوله الوداع يا صديقي ولكنني لم الق بالا لهذه الكلمة فما ان ظهر نور صباح اليوم الموالي وخرج الناس الى ما ينتظرهم من الجهد والكد والعمل وانتشر خبر اغتيال واستشهاد هذا المناضل البطل حتى تذكرت ما قال لي ليلة الواقعة فاثر في ذلك الحدث وذلك الحديث كأثر نزول المصيبة والصاعقة) ثم طفق الشيخ الطاهر رحمه الله يعدد لي صفات واخلاق ومناقب الشهيد البطل بجمل كثيرة نسيت تفاصيلها ولكن ما بقي في ذهني وذاكرتي منها ان الشيخ الطاهربن سعيد قال لي بالحرف الواحد والله على ما قال وما اقول خير شهيد (ان فرحات حشاد اشرف واصدق وأفضل من عرفهم من رجال الاتحاد وانه ناضل بصدق وإخلاص وامانة دون طمع من اجل تحقيق كرامة العمال التونسيين وضمان استقلال وحرية من يعيشون على تراب هذه البلاد) كما لا يفوتني في هذا المقام والشيء بالشيء يذكر ان اقول واذكر لقرائنا الكرام اني قد حدثت صديقا لي كان معتنيا بالبحث والتنقيب في تاريخ اتحاد الشغل بهذا الحديث وهذا الخبر منذ سنوات بعيدة ومنذ اعوام من سنوات الشباب والأحلام والأمل فجاءني بعد ذلك الحديث ذات يوم وهو يقول في لهفة وعلى عجل ( ان شيخك الطاهر بن سعيد يا صديقي قد كان من قدماء المناضلين النقابيين ولقد اثبتت لي ذلك بحوثي ولم يكن قولك فيه مجرد مدح اعتباطي مجاني بل هو قول مبني ومؤسس على معرفة ودراية وخبرة ومؤيد بالحجة والدليل الصادق المتين ) واني ارجو اليوم بعد مروركل هذه السنوات ان يقع هذا المقال بين يدي صديقي القديم واني التمس منه ان استطاع ان يفيد القراء بهذه الصفحة التاريخية من تاريخ الاتحاد لمزيد التعريف والتذكير بنضال المرحوم فرحات حشاد وصديقه الشيخ الطاهر بن سعيد ومن عمل معهما بصدق وتفان في سبيل عزة ومناعة وكرامة هذه البلاد حتى يقتفي اثرهما رجال الاتحاد اليوم في تصحيح المسار وتعديل او تجديد ما بلي من الأوتار وهل يفيد التاريخ و احياء الذكريات في مثل هذه المناسبات بشيء افضل و اكثر واحسن من النظر والتامل والتفكر والتدبر والاعتبار؟؟