سقط كما هو معلوم الفصل 14 من مشروع قانون المالية لسنة 2020 أثناء مناقشته بالجلسة العامة لمجلس النواب ب 93 صوت ضد مقابل 74 صوت معا وتحفظ 17 صوت و هو الفصل الذي أضافته حركة النهضة لقانون الميزانية والمتعلق بإحداث صندوق للزكاة الذي كان يراد له أن يكون وسيلة لعضد جهد الدولة في العمل الاجتماعي الموجه للإفراد والعائلات المعوزة والأيتام وفاقدي السند وتوفير الموارد اللازمة لمحاربة الفقر بكل أشكاله من منطلق أن الدولة لا تتوفر لها الأموال اللازمة للقيام بهذه المهام . لكن عملية اسقاط هذا المشروع من قانون المالية تم تقديمه في وسائل الإعلام وفي المنابر الحوارية على أنه انتصار للدولة المدنية وانتصار للفكر الحداثي وخسارة مدورة لأصحاب مشروع أسلمة المجتمع ولم نر نقاشا ولا تحليلا علميا وموضوعيا لما حصل يوم 9 ديسمبر الجاري في مجلس نواب الشعب حينما رأت الأغلبية أن لا تصوت على مشروع قانون يحدث صندوقا للزكاة رغم مقصده الذي كان نبيلا وغايته التي كانت مشروعة ورغم توفر الحزام الشعبي لضمان نجاحه. ما غاب عن الكثير من الإعلاميين الذين نظروا للموضوع من الزاوية الايديولوجية وتناولوا خبر إسقاط القانون من منطق الصراع الهووي بين الإسلاميين والعلمانيين أن مقترح إحداث صندوق للزكاة يكون من أنظار الدولة ويدار من طرفها وتحت رقابتها لضمان الالتزام بصرف الأموال المخصصة له في اتجاهها الصحيح. وفق الوثيقة المؤطرة للمشروع فإن حركة النهضة قد قدمت له تقديما جيدا حيث اعتبرت أن المسألة الاجتماعية باتت ملحة اليوم وأن محاصرة كل مظاهر الفقر من الأوليات المتأكدة في المرحلة القادمة خاصة وأن الاهتمام بالفئات المعوزة والفقيرة والمحرومة والمهمشة كانت المسألة البارزة في برامج جل الأحزاب في الانتخابات الأخيرة كما ركزت النهضة في تبريرها إحداث صندوق للزكاة هدفه التخفيف من وطأة الفقر حتى لا تكون الشريحة المتضررة منه تحت رحمة من يعمل على ابتزازها وتوظيفها والتلاعب بها مستغلا ضعف الدولة على عدم قدرة هذه الأخيرة على الوقوف إلي جانب أفرادها بسبب عدم امتلاكها للموارد اللازمة لذلك لقد قالت النهضة إن الدولة حاليا غير قادرة على الاعتناء بالفقراء طالما وأن المال يعوزها من أجل ذلك فإن صندوق الزكاة بما يوفره من مداخيل معتبرة يمكن أن يحل بشكل كبير نقص الموارد. لكن إذا كانت حركة النهضة قد وفقت في شرح أسباب إحداث مثل هذا الصندوق في الوقت الحاضر إلا أن الخطأ الكبير الذي وقعت فيه هو تسرعها في هذا الاقتراح وفي عدم الاعداد الجيد له من حيث تشريك الكتل في البرلمان في مناقشته وعدم التحاور معها بخصوص الكثير من تفصيلاته فضلا عن عدم تهيئة الشعب لمثل هذا الإجراء الذي سوف يجعل الدولة هي المسؤولة عن توزيع مال الزكاة والحال أن صورة الدولة ليست على ما يرام عند العامة ويشوبها الكثير من الشكوك فالكثير من الناس ليس لهم اليوم ثقة في الدولة ويحدوهم شك كبير في قدرة الدولة على حسن إدارة المال العام وحسن توزيعه في وجهته الصحيحة والمتفق عليها من دون أن يحصل انحراف في الأموال المجمعة إلى وجهات أخرى. لقد كان على حركة النهضة أن تجري نقاشا مع أهل العلم الشرعي وأن تفتح حوارا موسعا مع أهل الاختصاص في الشريعة الإسلامية وأن تشرك الائمة وخطباء الجمعة في هذا المشروع الذي يلقى اليوم صدى حتى من داخل الدائرة الإسلامية الذين يرون في جعل الدولة هي الجهة الساهرة على جمع الزكاة وتوزيعها في مصارف مخصوصة تم تحديدها هو خروج عن النص الشرعي وإجراء مخالف للدين باعتبار أن القرآن قد حدد الجهات المستفيدة من مال الزكاة وقد وردت على سبيل الحصر لا الذكر وأن توجيهها إلى مشاريع أخرى هو رأي باطل على اعتبار أن الدولة هي المسؤولة على توفير الخدمات للناس أما الزكاة فهي عبادة فردية يؤديها صاحب المال بكامل حريته في مصارفها وحسب إرادته ومعرفته بمن يستحقها. ما غاب عن الكثير من إعلامنا في تناول هذا الموضوع أن أبرز الكتل الحزبية التي صوتت ضد المشروع لم ترفضه من منطلق ايديولوجي ولا من منطلق معارضتها للدين وعدم رغبتها المبدئية أن يحدث صندوق للزكاة وإنما رفضها كان من منطلق تحفظها على عدم تشريكها في صياغته وعدم التشاور معها بخصوص تركيبة الهيئة التي سوف تتولى الاشراف على هذا الصندوق وحول بعض المسائل المتعلقة به كمسألة هل يقبل الصندوق تبرعات من الخارج أم لا ؟. ما أردنا قوله هو أن إسقاط مشروع إحداث صندوق للزكاة تتولى الدولة الاشراف عليه ويستفيد منه الكثير من المستحقين قد تناوله الاعلام بطريقة خاطئة وغير مهنية وأن رفض أبرز الكتل البرلمانية له كان من وازع مزيد توضيح الفكرة ومزيد التنسيق والتشاور حولها ولم يكن من منطلق ايديولوجي كما روج له الاعلام وأن النهضة قد وقعت في خطأ فادح حينما لم تهيئ لهذا القانون الظروف الملائمة للمصادقة عليه وتسرعت في اقتراحه قبل أن تحسم الجدل الديني حوله حتى تكسب ثقة الشعب ومساندته وثقة العاملين في الحقل الديني من أئمة وأهل العلم لذلك فإننا نعتقد أن الرأي السليم في مسألة اسقاط الفصل 14 من قانون المالية لسنة 2020 هو أنه إجراء صحيح ولكنه قد قدم في التوقيت الخاطئ ونحن نعلم أن الفكرة الجيدة والفكرة السليمة والتصور المفيد حينما لا نعلم كيف نقدمه للناس وحينما لا نهيئ له كل ظروف النجاح وحينما يكون التزمين غير مناسب فإنه يفشل ويفقد قيمته وهذا فعلا ما حصل مع صندوق الزكاة الذي اقترحته حركة النهضة.