كلّما تقدّم المدّ الثوري في البلدان العربية نحو مرافئ الحريّة والبناء الديمقراطي ازدادت خشية الغرب الأطلسي من صعود التيارات الاسلامية إلى سدّة الحكم عبر انتخابات حرّة لايمكن التشكيك فيها، فالأمريكيون والأوروبيون عمومًا يريدون ديمقراطية عربية بدون اسلاميين، لأنهم لايفرّقون بين الاسلام والتطرّف، وإن حاولوا الإيهام بخلاف ذلك، فعندما تستمع إلى تصريحات المسؤولين السياسيين، وتطّلع على كتابات النّخب الفكرية والاعلامية في البلدان الغربيّة، يذهب في الظن أن الغرب لا يحارب الاسلام والمسلمين، وانما التطرّف والمتطرّفين، فتهبّ لنُصرة هذا التوجّه والانضمام إلى قافلة رُواده، إذ ان ثقافتنا وتنشئتنا وتعاليم ديننا الحنيف تدعونا إلى نبذ التطرّف وتبنّي الوسطيّة والعقلانيّة والتسامح، فالعقل ذُكر في القرآن الكريم تسع وأربعين مرّة، ولا أعتقد أنه توجد منظومة دينية أخرى تتضمّن تلك النسبة الهائلة من التعامل مع مفردة العقل ودلالاتها ومقاصدها. لكن الوقائع والأحداث التي يشهدها العالم، والمنطقة العربية تحديدًا، هذه الأيام تُبرزُ بشكل جليّ ان هذا الغرب، العائد إلى كوابيسه القديمة، لايفرّق، في تعامله مع الاسلام والمسلمين، بين التطرّف والاعتدال، إذ هو يحاربُ دينا وحضارة وأمّة، ويعتبرها خطرًا على وُجوده ومستقبله، وحاجزًا أمام زحفه وهيمنته ومخططاته الاستغلاليّة. فان تكون عربيا ومسلما، فانك محلّ كلّ الشبهات ومعرّض لكافة المضايقات والتتبعات والتهديدات، حتى وان كنت «لائكيا» ومسكونا بالحداثة الغربية، فيكفي ان تحمل اسما وجنسية عربيين، لتُصنّف ضمن قائمة «الارهابيين المفترضين» أو المطلوبين! أما الأقطار العربية والاسلامية فجميعها مسترابة حتى وإن كان بعضها أكثر «لاَئكيّة» من الولاياتالمتحدة المسيحية اليمينيّة، أو إيطاليا الكاتولوكية الخاضعة، في العديد من المسائل الاجتماعية والثقافية، لسلطة الفاتيكان، أو بريطانيا التي تعيش على ايقاع العداوة المضطرمة باستمرار بين الكاثوليك والبروتستان. ولمّا اندلعت الثورات العربيّة، انطلاقا من تونس، محمّلة بدفق تحرّري مُبهر، تفاعل معها أحرار الغرب، وساندوها، لكنهم سرعان ما خفّضوا من سقف آمالهم، متأثرين بضغط الحملات الاعلامية المكثفة التي تشكّك في مقاصد هذه الثورات وتدعي أنها مطيّة الاسلاميين للوصول إلى الحكم، وارساء جبهة قوية وواسعة لمواجهة الغرب. إنه الخوف الأعمى، والعنصرية الصارخة، والعداوة المعلنة، التي تسكن هذا الغرب الذي لم يتخلص من هاجس الاسلام الزاحف منذ سقوط القسطنطينية على يد السلطان محمد الفاتح، وهو ما أدّى إلى الخلط المقصود بين الاسلام والارهاب، وبين المسلمين والمتطرّفين، وأضرم صدام الحضارات، وغذّى الخشية من الثورات العربية وديمقراطياتها الناشئة.