هذه حكمة تونسية قديمة كنا نسمعها كثيرا من ابائنا واجدادنا قيل انها من اقوال الولي الصالح التونسي محرز بن خلف وقد تربت على تطبيقها اجيال واجيال ماضية نجحت في حياتها وبنت لتونس حضارة عظيمة راقية وها ان جيل اليوم يجنون ثمارها ويتمتعون بقطوفها الدانية ولقد تذكرت تلك الحكمة العظيمة لما سمعت بان بعضا من طلبة هذا الجيل قد سخطوا على نوع من الطعام قدم لهم في احد المطاعم الجامعية التونسية ولما اطلعت على صورة لهذا الطعام رايته ان لم تخني عيناي مكونا من كسكسي وسلطة وبعض الخبز وعلبة من الياغرت فعجبت كيف سخط وكيف سخر هؤلاء الطلبة من هذا الطعام وكيف قالوا فيه ما قالوه وما كتبوه من سيء الكلام؟ وقد تذكرت سريعا صورة من صور الطعام الذي كنت كثيرا ما اكله يوم كنت تلميذا في المرحلة الثانوية وقد كان معهدي بعيدا عن بيتنا فقد كنت اقتصر على قطعة خبز صغيرة وقطعتين صغيرتين من الجبن اتناولهما وانا قابع في زاوية من زوايا الشوارع تحت لفح الشمس او مياه الامطار وقد اشتهي يوما لمجة اخرى فاقصد بائعا من ذوي الدكاكين الشعبية المتواضعة فاشتري منه شيئا من الخبز مطليا بشيء من الهريسة و محشوا بشيء قليل من فتات السردينة ثم احمد الله رب العالمين فايهما افضل ايها الطلبة الساخطون ظروفكم وانتم تاكلون طعاما ساخنا في مطعم نظيف محترم ولا تحسون بما يمكن ان تصيبكم به الأمطار والرياح والشموس من وخز ولفح وشتى انواع الالأم ام ظروفي وظروف الكثيرين من جيلي وهم يتسكعون في الشوارع سيرا على الأقدام مكتفين بالقليل من الطعام؟ ولكن ورغم كل تلك الظروف وتلك الميزيريا كما يقول التونسيون نجح اغلبنا والحمد لله واصبحوا اطارات كفئة بنوا حاضر ومستقبل هذه البلاد ولكن تربيتكم وحياتكم الجديدة العصرية قد جعلتكم تتذمرون من كل شيء وسريعا ما يصيبكم القلق والملل حتى لو اطعموكم كما يقول الاقدمون بقلاوة الباي وحتى لو سقوكم شهد العسل وصدق فيكم والله من قال في اوجز واحسن مقال(ان الدلال يخلف الهبال) ولست ادري هل سمعتم بذلك المثل الذي قيل في سالف العصر(حلو ومر حتى ينقضي العمر)؟ لكن يبدوا انكم غير متعودين على المر ولا على الحنظل ولا على الصبر بل تعودتم على الكرواسون والقاتو من الصباح الى المساء ومن المساء حتى طلوع الفجر ولست ادري والحالة تلك كيف ستقتحمون الصعاب وكيف ستدخلون معترك الحياة اذا فقدتم يوما في طعامكم لحم الدجاج ولحم الضان ولحم العجل وكسروت الاسكالوب و«الصلامي» ولم تتوقعوا تقلبات الظروف ولم تستعدوا لنوائب الدهر بشيء من النقص وشيء من الجوع وشيء من الحرمان وعلى كل حال فاني ادعو الله ان يحفظكم من الجوع ومن سيء الطعام وان يجعل طعامكم كما تشتهون وعلى احسن ما يرام وان لا يريكم تلك الظروف الصعبة التي راها اباؤكم واجدادكم الذين كثيرا ما باتوا الليالي الطوال ولم يذوقوا اللحم ولم يشموا رائحة المرق منبعثا لا من الطنجرة ولا من الطجين بل كثيرا ما كانوا يكتفون ببعض الخبز اليابس وبجرعات من الحليب او اللبن مرديين قول ذلك الحكيم الذي سلاهم بقولة ليتكم تسمعونها وتتمعنون فيها (ما جا فيها ما يفريها)