اليوم الوضع في إيطاليا هو وضع كارثي ومأساوي وأكثر من الخطير بعد أن دخلت كامل مدنها في حجر صحي شامل وبعد أن انتشر فيروس كورونا وتمدد بطريقة افقدت السيطرة عليه حتى قال أحد الإعلاميين الغربيين بأن رائحة الموت تفوح اليوم في شوارع إيطاليا ما جعل رئيس وزرائها يعلن هزيمة بلاده وفشل منظومتها الصحية في احتواء هذه الجائحة التي حصدت أرواحا كثيرة حيث عاش هذا البلد في الأيام الأخيرة على وقع وضع محزن بحصول أكثر من 1000 وفاة ليصل عدد الوفيات فيها إلى أكثر من 10 ألاف وفاة حصلت في 3 أسابيع فقط لكن اللافت في هذا البلد أنه رغم النكبة الكبيرة التي حلت به و رغم إقرار منظمة الصحة العالمية وكل المتتبعين لانتشار هذا الوباء في العالم أن الحكومة الإيطالية ومن ورائها أجهزة الدولة قد ارتكبت أخطاء كبيرة حتى وصل الوضع إلي ما هو عليه اليوم بعد أن انفلت وصعب التحكم فيه وهي أخطاء تتعلق بالاستخفاف والاستهانة بهذا الوباء منذ الأيام الأولى لظهوره في العالم واعتقاد الحكومة أن ايطاليا في مأمن من وصول العدوى إليها ولم تتخذ الاحتياطات والإجراءات اللازمة للتوقي من هذا الوباء قبل أن ينتشر ، اللافت مع النموذج الإيطالي أنه رغم الأخطاء السياسية الكبرى المرتكبة ورغم الكارثة الانسانية التي تسبب فيها تهاون الحكومة ورغم انفلات الوضع وفقدان السيطرة عليه ورغم عدد الوفيات الكبيرة التي حولت ايطاليا إلى مأساة إنسانية بكل المقاييس إلا أننا لم نر أي إعلامي أو مؤسسة إعلامية إيطالية قد تجرأت على الحكومة أو تهجمت على وزير الصحة ولم نر خلال المتابعة للقنوات الإيطالية من استغل الوضع على عكس ما يحصل عندنا في إعلامنا المسيس المسكون بمرض الأدلجة لتسجيل أهداف سياسية أو تصفية حسابات ايديولوجية أو إكمال معركة حزبية لم يكملوها بعد و اضطرهم وباء كورونا على تأخيرها. حينما حاول الخبراء في الصحة العالمية معرفة الأسباب الحقيقية التي أدت إلي حصول هذه الكارثة الإنسانية التي تسبب فيها فيروس كوفيد 19 انتهوا إلى أن هناك أسباب عديدة منها أن السياسيين الإيطاليين قد أظهروا جهلا كبيرا في التعامل مع هذا الوباء مع ظهور خلافات سياسية حادة حول الاجراءات المتخذة ضد هذا الفيروس وهذا يعني أنه في مثل هذه الظروف التي تمر بها الإنسانية فإن المطلوب هو أن يكون هناك إدارة لقيادة الأزمة تشكل عادة من أشخاص مختصين ولهم معرفة ودراية بموضوع الأزمة ويكون الجميع وراءها ويأتمرون بأمرها بحيث تنتقل القيادة في الأزمات إلى من يدير الأزمة مباشرة أما السياسيين وكل القوى الأخرى في البلاد فيكونون في منطقة خلفية لمساندة و عضد جهدها بتوفير كل الإمكانيات المادية والمعنوية لتيسير عملها وهذا يعني أن التجارب العالمية التي عرفت أزمات مشابهة ونجحت في تخطيها قد أوضحت أنه للنجاح في مقاومة الأزمات والتغلب على المصائب والجوائح التي تقع فإنه من الضروري أن لا يتم تعريض القيادة المكلفة بإدارة الأزمة إلى أي تشويش أو إرباك أو تغيير في أولوياتها بفتح محاور جانبية وإلهائها بمواضيع تقلل من تركيزها وتصعب عليها المواجهة الرئيسية و أن يتوفر لها قدر من الاستقرار الاجتماعي والسياسي حتى يتحول الانشغال والتركيز بالكلية على الأزمة وحتى يتمكن من هو منشغل بمعالجتها من السيطرة عليها والتحكم فيها حتى لا يحصل الارباك والتشويش ويجعل إدارة القيادة مجبرة على مواجهة أكثر من مشكلة وأكثر من أزمة في وقت واحد ( أزمة أصلية وأزمات جانبية ) حتى لا تتم الإطاحة أو اضعاف مركز القيادة وإفشال الادارة المتعهدة بالأزمة، وهذا يتطلب وجود ما يسمى بإعلام الأزمات - وهو إعلام ظهر في زمن الحروب والكوارث الكبرى - الذي يلعب في مثل هذه الظروف دورا كبيرا في حل الأزمة من خلال توعية الناس وتبسيط الاجراءات المتخذة ونشرها للعموم وتفسيرها وتقديم أداء إعلامي يتماشى مع الأزمة من خلال الابتعاد عن خطاب الإثارة أو ما يسمى بإعلام التضخيم والتركيز على التهويل لتحقيق نسب عالية من المشاهدة أو الدخول في مهاترات وتجاذبات سياسية أو توظيف الاخلالات التي قد تحصل و حصولها متوقع أثناء تطبيق خطة الأزمة وفي بداية تطبيق إجراءات التوقي أو الشروع في تخويف الناس وتهويل الوضع . وإعلام الأزمة هذا مهمته في الأزمات والجوائح والكوارث الوقوف مع القيادة ومع من يدير الأزمة بالرغم من كل ما يحصل ويعضد جهدها حتى وإن حصلت تحولات متسارعة وتغييرات مفاجأة فإن مهمته في هذه الوضعية تبقى مواصلة المساندة والتعبئة الاعلامية لاحتضان الرأي العام حتى لا يحصل انقسام شعبي ويدخل الشك في الناس وحتى نحافظ على الوحدة الوطنية ونتجنب كل التداعيات السلبية التي قد تحصل لو تخلى الإعلام عن دوره كظهور عوارض اليأس والتوتر والخوف. إن الحرب التي تخوضها تونس اليوم هي حرب متعددة وإن الحكومة اليوم أمام تحديات وصعوبات كثيرة أولها حرب أصلية هي مقاومة جائحة كرونا وثانيها حروب جانبية ولكنها مقلقة افتعلها اللبويات المالية والمافية الاحتكارية التي لا هم لها إلا جني المال واستغلال الظروف من تجار المواد الغذائية واللوبيات الطبية المتخصصة في المتاجرة بالدواء وحرب أخرى اعلامية تعمل اليوم على ارباك المجهود الوطني في التصدي الى هذا الوباء الذي من المفروض أن تتوحد كل الجهود ضده.