عاجل: تونس والسعودية توقّعان 5 اتفاقيات ومذكرات تفاهم في الرياض    ''مقرونة باللحمة'' تُدخل 17 عاملاً مصرياً المستشفى    سوسة: ايقاف صاحب مطعم بعد حجز كميات من الأسماك الفاسدة    النيابة تأذن بإيقاف صاحب مطعم بسوسة يخزّن أسماكا غير صالحة للاستهلاك    الركراكي: "لديا ثقة في مشروعي الفني وأنا الأنسب لقيادة المغرب نحو اللقب القاري"    » أصداء» تفتح ملفات التنمية والحوكمة في عدد استثنائي يواكب رهانات المرحلة    البنك الوطني للجينات يقوم بتركيز ثلاث مدارس حقلية بهذه الولايات    نابل: "العلوم الإنسانية والاجتماعية بين تحديات التحول الرقمي وفرص تحقيق التنمية المستدامة "محور أعمال منتدى تونس الثاني للعلوم الإنسانية والاجتماعية    توزر: إشكاليات تراث جهة الجريد وسبل تثمينه في ندوة فكرية بعنوان "تراث الجريد بين ضرورة المحافظة ورهانات التثمين المستدام"    فيلم "فلسطين 36" في القاعات التونسية بداية من الأربعاء 7 جانفي 2026    علاج للسرطان.. من أمعاء الضفادع...شنيا الحكاية؟    عاجل-فرجاني ساسي: ''نسكروا صفحة نيجيريا والتركيز على مواجهة تنزانيا''    وفاة الممثلة الفرنسية بريجيت باردو عن عمر يناهز 91 عاما    المهدية :انطلاق عملية التصويت على سحب الوكالة من أحد أعضاء المجلس المحلي بشربان عن عمادة الشرف    مصر.. فيديو الهروب الكبير يثير ضجة والأمن يتدخل    احذر.. إشعاع غير مرئي في غرفة النوم!    تونس تودّع سنة 2025 بمؤشّرات تعافٍ ملموسة وتستشرف 2026 برهان النمو الهيكلي    القناة الجزائرية تفتح البث المجاني لبعض مباريات كأس أمم إفريقيا 2025.. تعرّف على التردد    كأس أمم افريقيا: برنامج مباريات اليوم الأحد..    هام/كميات الأمطار المسجلة خلال 24 ساعة الماضية..#خبر_عاجل    اختتام البطولة الوطنية للرياضات الإلكترونية لمؤسسات التكوين المهني    الطقس اليوم..أمطار رعدية..    مدرب منتخب نيجيريا: "نستحق فوزنا على تونس عن جدارة"    غزة: خيام غارقة في الأمطار وعائلات كاملة في العراء    ماسك: «الاستبدال العظيم» حدث في بروكسل    الاحد: أمطار متفرقة بهذه الجهات    جلسة مرتقبة لمجلس الأمن بشأن "أرض الصومال"    مرض الأبطن في تونس: كلفة الحمية الغذائية تثقل كاهل المرضى والعائلات محدودة الدخل    زيلينسكي يصل إلى الولايات المتحدة استعدادا لمحادثات مع ترامب    عبد الستار بن موسى: المنتخب الوطني قدم آداءًا ضعيفا أمام نيجيريا.. وكان عليه اللعب على إمكانياته منذ البداية    علي الزيتوني: بالعناصر الحالية .. المنتخب الوطني قادر على الذهاب بعيدا في الكان    منخفض جوي قوي يضرب غزة.. خيام النازحين تتطاير أمام هبوب الرياح العاتية    تونس تُشارك في الصالون الدولي للفلاحة بباريس    سيدي حسين: المنحرف الخطير المكنّى ب«ب بألو» في قبضة الأمن    لجنة مشتركة تونسية سعودية    قريبا شحن الدفعة الأولى من الحافلات    جهاز استشعار للكشف عن السرطان    تراجع خدمات الدين الخارجي المتراكمة ب 13،8 بالمائة    الرصد الجوي: درجات حرارة أعلى من المعدلات الموسمية متوقعة خلال الثلاثي الأوّل من سنة 2026..    الليلة: الحرارة في انخفاض مع أمطار غزيرة بهذه الجهات    سفيان الداهش للتونسيين: تُشاهدون ''صاحبك راجل 2" في رمضان    نجاح جراحة عالية الدقة لأول مرة وطنيًا بالمستشفى الجامعي بقابس    متابعة مدى تقدم رقمنة مختلف العمليات الإدارية والمينائية المؤمنة بالشباك الموحد بميناء رادس محور جلسة عمل    محرز الغنوشي: طقس ممطر أثناء مباراة تونس ونيجيريا...هذا فال خير    خبايا الخطة..ماذا وراء اعتراف اسرائيل بأرض الصومال..؟!    الكاف: ورشات فنية ومعارض وعروض موسيقية وندوات علمية في اليوم الثاني من مهرجان صليحة    مصادر دبلوماسية: اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية غدا بعد اعتراف إسرائيل بأرض الصومال    رئيس الجمعية التونسية لمرض الابطن: لا علاج دوائي للمرض والحمية الغذائية ضرورة مدى الحياة    المسرح الوطني التونسي ضيف شرف الدورة 18 من المهرجان الوطني للمسرح المحترف بالجزائر    السكك الحديدية تنتدب 575 عونا    حجز 5 أطنان من البطاطا بهذه الجهة ،وتحرير 10 محاضر اقتصادية..    عاجل/ تعطّل أكثر من ألف رحلة جوية بسبب عاصفة ثلجية..    استراحة الويكاند    نصيحة المحامي منير بن صالحة لكلّ تونسية تفكّر في الطلاق    موضة ألوان 2026 مناسبة لكل الفصول..اعرفي أبرز 5 تريندات    أفضل دعاء يقال اخر يوم جمعة لسنة 2025    تونس: مواطنة أوروبية تختار الإسلام رسميًا!    البحث عن الذات والإيمان.. اللغة بوابة الحقيقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصطفى الفقي يكتب لكم : الحزن النبيل
نشر في الصريح يوم 10 - 04 - 2020

قرأت فى مستهل شبابى قصة مترجمة لأديب فرنسى استخدم فيها عبارة لا أنساها عندما أشار إلى ما سماه (شحوب النبلاء)؛ إذ إنهم فى مخيلاتنا جميعًا يتسمون ببياض البشرة واحمرار الوجنتين والعافية الواضحة ولا يصيبهم الشحوب إلا إذا كان ذلك تعبيرًا عن مغزى فلسفى يختفى وراء هذه العبارة الموجزة، وعندما قرأت أكثر فى موضوعات تتصل بأصحاب النفوذ والحظوة فى أوروبا إبان العصور الوسطى، اكتشفت أن ذلك الشحوب الذى تحدث عنه الكاتب الفرنسى لم يكن مصدره ضعفاً فى الصحة أو فقراً فى الدم، ولكن كان مصدره ذلك الحزن الدفين والأسى العميق اللذين يسكنان بعض النفوس نتيجة حدث معين أو فاجعة صعبة هى امتحان للإرادة واكتشاف لحدود الصبر.. وأنا أذكر عندما رحلت أمى عن عالمنا منذ ما يقرب من ربع قرن أن شعرت بزلزال فى داخلي وهزة عنيفة أصابت وجداني، وأتذكر جيدًا وأنا عائد من القاهرة إلى عملي في العاصمة النمساوية بعد أن واريت من أنجبتنى الثرى كيف كانت لوعتي، ورغم أننى إنسان شديد العاطفة إلا أننى عصي الدمع، ومع ذلك لم أتمكن من إيقافه طوال رحلة العودة بالطائرة وشريط الذكريات يمر ليسكننى الحزن عليها حتى اليوم.
وأتذكر أن سيدة فاضلة من قريباتنا قالت لى وقتها: «إن كل شىء يبدأ صغيرًا ثم يكبر إلا الحزن فهو يبدأ كبيرًا ثم يصغر»، وقد يكون ذلك صحيحًا بالنظرة الأولى العابرة، ولكن التعمق فى ظاهرة الحزن يؤكد أنها مرتبطة بألم الفقدان ولوعة الموت، ونحن ننتمى إلى حضارة ملهمة عنيت فى طفولة التاريخ بالخيط الرفيع بين الحياة والموت، ولاتزال مقابر الأجداد شامخة فى أهرامات هى المعجزة الأولى فى تاريخ الإنسان، فقد اكتشف المصرى القديم أن وراء الموت حياة أخرى، ولم ينظر إلى لغز النهاية بالبساطة التى نظرت بها إليها حضارات أخرى، فإذا كان اليونانى القديم مفكرًا سياسيًا، والرومانى القديم فنانًا ماهرًا، فإن المصرى القديم فيلسوف متأمل، وصل إلى قناعات مبكرة لا يزال معظمها محل الاحترام والتقدير، لقد تذكرت هذه المعانى عندما بلغنى أن (غلامًا ذكيًا) سقط فى حمام منزله، لا بفعل غاز تسخين المياه ولكن نتيجة بخار الماء الذى لم نفطن جيدًا لمخاطره حتى الآن، ولأن الفتى الذى رحل شهيدًا للبراءة ولم يكن قد غادر عمر الطفولة هو ابن لسيدة فاضلة أحمل لها ودًّا شديدًا منذ عشرات السنين وأنظر إليها كابنة لى وكنت أقول لها فى مطلع شبابها إننى أتوقع لك مستقبلًا مشرقًا بحكم كفاءتك وخبرتك فلا تضيقى بتصرفات الغير ولا أحقاد المنافسين حتى وصلت الدكتورة مايا مرسى إلى موقع رئيس المجلس القومى للمرأة، حيث يراها الناس دائمًا باسمة الوجه، طيبة القلب، ذكية الفؤاد، وطنية حتى النخاع، مؤمنة بقضايا التحول الاجتماعى والدور المركزى للمرأة فى مستقبل ذلك التحول، ولم أستطع أن أواجه السيدة الفاضلة بالعزاء المباشر.
وحملت عنى أعباء الإحساس بالذنب نوبة برد شديدة أصابتنى بواحدة من أصعب حالات الإنفلونزا التى أصابتنى فى السنوات الأخيرة، فلم ألحق بالجنازة فى مسجد السيدة نفيسة ولا بالعزاء فى السرادق؛ بينما سكننى حزن وألم شديدان وأنا أتصور السيدة الفاضلة التى فقدت هذا الفتى بعد عودتها مباشرة من أداء العمرة وأتساءل: كيف حال زوجها وبقية الأسرة، أخًا أكبر وأختًا أصغر؟.. وتداعت فى ذهنى بقية الفواجع التى عرفتها فى تاريخى بمن هم حولى، وتذكرت إمام مسجد قريتنا وأنا طفل فى العاشرة عندما فقد ابنه الوحيد الذى أكمل تعليمه الراقى وكان مفخرة بين أهل العلم، فإذا به يغادر حياتنا بلا استئذان بعد مرض سريع لساعات قليلة، ويومها أصر الأب - شيخ المسجد - على أن يؤم صلاة الجنازة على جثمان ابنه الوحيد، وحاول البعض إقناعه بأن يترك ذلك لغيره، ولكنه وقف صامتًا صبورًا وأصر على أن يؤم الصلاة وفى وسطها سقط مغشيًا عليه ليلفظ أنفاسه الأخيرة وجثمان ابنه لم يبرح المسجد، فالأصل فى الحياة أن يدفن الابن أباه، أما أن يحدث العكس فتلك لوعة، وذلك حزن، وهذه محنة إنسانية لا يقدر على مواجهتها إلا أولو العزم من الصابرين.
إننى أكتب هذه الكلمات لكى أقول للجميع إن الحزن يطهر النفس وينقي القلب ويدفع بشحنات إيجابية من الصبر والإيمان، ويذكّر إن نفعت الذكرى، فمن لم يتعظ من الموت فلا واعظ له!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.