من البدع التونسية المحمودة في جانب والمرذولة في جوانب اعتماد شخص يحضر في الأستوديو التلفزي او الإذاعي أٌطْلِقَ عليه توصيف"كرونيكور".مهمته في الظاهر الإنارة والتوضيح والتحليل والمساهمة في تناول الموضوع للنقاش من اكثر من زاوية .و يبدو أن لكل تلفاز او إذاعةمقاييس على أساسها يقع الانتداب والاختيار رغم ان عديد المشاتل من هؤلاء الذين ينتخبون للقيام بهذه المهمٌة النبيلة !!!(الإنارة والتوضيح)تطرح أكثر من سؤال عن المبررات و عن دواعي حضورهم اليومي خاصة وان البعض منهم لم يعرف له مقال اوكتاب بل لم يتاكٌد أنٌه أنهى قراءة كتاب واحد في حياته أحيانا.ورفعا للحرج، سعت بعض التلفزات إلى ما أسمته التوازن باعتماد اكثر من كرونيكور فكشفت برغبتها في تنويع المشارب والتوجهات دون قصد أن كل "كرونيكور" في النهاية حاضر ليعبٌر عن مواقف تيار سياسي معين. لا ليوضٌح او لينير الرأي العام !!! على أنٌ هذا لا يعدم وجود أشخاص كان ومازال حضورهم قيمة مضافة لاعتمادهم خطابا هادئا ورصينا يبتعد عن المزايدة او عن استفزاز الضيف . إن "الكرونيكور" الحاضر كالنقطة الكيلومتريٌة يملك قدرات خارقة ينهض بالكلٌ الذي عجز غيره على النهوض ببعضه .فهو يفهم في الاقتصاد وفي السياسة وفي القانون وفي الأدب وفي التاريخ وفي الموضة وفي الرواية وفي العنوسة وفي الزواج المبكٌر... وفي الأرحام ،وفي اسباب الطلاق.، وإذا كان دور هذا الحاضر في "المحفل"كشقيق العروسة الغاضب في الغالب، التمهيد للموضوع والتركيز على جوانب لم تضئها الأسئلة وتقديم طرح مغاير للذي يقدمه الضيف فإن ذلك يكون محمودا ويكون تأكيدا للتعدٌد وفرصة للنقاش الخصب الذي يقطع مع الفكرة الواحدة الصائبة .أما إذا تحوٌل إلى فهٌامه يفوق الضيف المختصٌ إدراكا وإحاطة بالمسألة وعارفا بكلٌ شيء دون تواضع يفرضه المقام فإنٌه يصبح نشازا وعنصر اضطراب.وكثيرا ما كان حضور الكرونيكور مجلبة للسجال العقيم والحديث السفسطائي ما يدفع منشٌط الحصة إلى الضبط فيفشل في غالب الأحيان على إحدى القنوات شاهدت على عجل ،وانا اعبث بآلة التحكٌم في التلفاز،كرونيكورا يخوض في موضوع يجهله بصلف وادٌعاء وحتى عندما حاول زميله تعديل الفكرة ، وتوضيح جوانب أخرى غابت عنه مستندا إلى وثائق موجودة ومنشورة،اصرٌ إصرار الماضي في غيٌه على رأيه كاشفا عن عدم إلمام وعدم إعداد للموضوع المطروح.ما يطرح عديد الأسئلة عن اهمية الحضور دون إعداد جيٌد لأهم النقاط التي ستطرح للنقاش. ...من هنا يتوضٌح ،او هكذا ما يتراءى للمشاهد، أنٌ البعض ياتي إلى بلاتو التلفزة او الإذاعة مفوٌضا غير رسمي عن حزب متخفٌ ، ليقول كلاما هراء حفظه وطلب منه حسب شرط التوظيف ان يقوله وان يشوٌش على الرأي المخالف كي لا يصل إلى عموم المشاهدين... لقد انقسم المشاهد او المستمع بعد تخمة البرامج السياسيٌة إلى جمهورين:جمهور عارف ومدرك لحقيقة هذا الذي يتوارى وراء الموضوعية والتحليل العلمي الرصين ليدس السمٌ في الدٌسم. وهذا الصنف من الجمهور هجر هذا النوع من البرامج مكتفيا بابتسامة سخرية واحيانا ابتسامة شفقة على "كرونيكور" يبحث عن "خبز حزبي" مغمٌس في الذلٌ.وجمهور آخر أرهقته الحياة حتى أصابه الكسل الجسدي والفكري، يقبل كل ما يعرض عليه ويؤمن به.وهو الجمهور المستهدف من هذه البرامج لأنه العدد الذي يتحوٌل إلى ورقات انتخابية في صناديق الاقتراع ... وقد لا تلام وسائل الإعلام كثيرا في هذا لأن مصادر تمويلها هي السيف المسلٌط على الرقاب الذي يوجٌه ويحدٌد المسارات من وراء ستار .وللإنصاف،هذا الوضع الذي ترزح تحته وسائل الإعلام متشابه في كل أرجاء المعمورة لا تسلم منه دول ذات قدم راسخة في الديمقراطية او تلك التي تحاول الوقوف على قدميها.فمنذ وجدت كانت وسائل الإعلام الآلة التي بها يحاول الساسة بسط نفوذهم وتعزيز سلطتهم بالحضور المباشر أو غير المباشر . ومن الطرائف التي يتناقلها بعض الأشرار في دولة صديقة او شقيقة ، ان وزيرا متحمٌسا بالغ في شكوى غياب الوعي الشعبي بخطورة عدم التقيٌد بالحجر الصحٌي العام فما كان من زميل له إلٌا ان همس في أذنه على هامش مجلس وزاري مضيٌق او موسٌع: لا تبالغ في الشكوى لو كان وعي هذا الشعب كما تطلب لما كنٌا هنا اصلا فاحترس ان يظهر للوعي عسس ...