لا أدري لماذا كلما شاهدت القنوات الفرنسية وبعض القنوات العربية وخصوصا المصرية المبعوثة حديثا، أشعر بنوع من الحزن على حال الاعلام التلفزيوني التونسي والمشاهد بدرجة أكبر، حتى انني أتساءل أحيانا: كيف يقبل المشاهد التونسي على البرامج والمنوعات التلفزيونية التي تقدمها قنواتنا، عمومية كانت أو خاصة ! بغض النظر عن المسائل الفنية، من تقنيات بث وإضاءة وتصميم ديكور، تكاد البرامج التلفزيونية التونسية تكون نسخا مزيفة عن البرامج الفرنسية والأجنبية عموما تشبه الى حد كبير السلع الصينية الرديئة التي تروج عادة في الاسواق الشعبية. ويظهر ذلك في التصور العام للبرامج الذي يوحي بالبهرج في الظاهر ولكنه فارغ من الداخل لانه يقوم أساسا على المواضيع الرخيصة، أضف اليها طريقة التناول السطحي والساذج ثم الاسلوب الركيك الذي يعتمده المنشط أو المنتج في تقديم وطرح القضايا. وتعود هذه السلبيات في الحقيقة إلى جهل المنتجين والمنشطين واستسهالهم للعمل التلفزيوني حتى انهم لا يخجلون عندما تتم مواجهتهم من قبل بعض الضيوف الذين يستدعونهم ويكونون في العادة اكثر منهم ثقافة ومعرفة، بل انهم يعمدون الى تتفيههم والتقليل من شأنهم لإخفاء جهلهم أمام المشاهد. شاهدت منذ ايّام مثلا برنامجا على قناة France 3 يشبه الى حد كبير برنامج «عندي ما نقلك»، وخصوصا من حيث التصور واختيار القضايا التي عادة ما تكون مثيرة. وكان الموضوع المختار «الأطفال غير الشرعيين» ( né sous x ). واستضاف البرنامج خلال الحصة حالات أو أمثلة على ذلك تحدثوا بكل عفوية عن تجاربهم ولكن بلا إثارة أو تعمد من المقدمة لاستفزاز الضيوف أو حتى إثارة المشاهد. وكان من بين الضيوف أخصائيون في الموضوع ساهموا حتى في توجيه المقدمة حتى لا تحيد عن بعض الاخلاقيات في تناول مثل هذه المواضيع. وبقدر ما كان الحديث مثيرا ومشوقا وخصوصا لدى الحالات المذكورة، لم يقع البرنامج في مطب الإثارة الرخيصة. بمعنى انه يمكن طرح قضايا مثيرة ولكن دون المس من سمعة الضيوف وانتظارات المشاهدين. وكان الحديث على امتداد البرنامج رصينا وجادا ومفيدا. وهنا يطرح السؤال لماذا يسعى المنشطون عندنا الى البحث عن الإثارة الرخيصة والحال أن الإثارة متوفرة بطبعها في الموضوع وخصوصا في الحالات المدعوة ؟ إنه الجهل وقلة المعرفة وغياب الوعي !