كتب المبدع الامريكي العظيم «جون شتاينبك» (1902 1968) مسرحيته الشهيرة «أفول القمر» للارتقاء بدلالات المقاومة الشعبية المشروعة الى أعلى درجات الواجب الانساني، والتأكيد على أن إرادة الانسان لا تقهر، فقد يكسب الطغاة معركة أو أكثر، ولكن الاحرار هم الذين يحسمون الامر في نهاية المطاف. يسأل الكولونيل «لانسر»: عمّ تتحدث، يا سيدي الرئيس؟ عن أكثر المهام استحالة!! وما هي؟! تحطيم روح الانسان الى الأبد! يقول الكاتب الانڤليزي «جورج أورويل» واسمه الحقيقي «ايريك بلير»، وهو صاحب رائعة «ألف وتسعمائة وأربع وثمانون»: «هناك عقيدة بسيطة وواضحة أؤمن بها وهي أن المظلومين دوما على حق، والظالمين دوما على باطل. وقد تكون هذه نظرة خاطئة اذا أخذناها بدقائقها ولكنها عندي عقيدة ثابتة نمت وترعرعت في نفسي منذ زمن طويل. وهذا الاحساس لم يجعلني أكره الظلم والاستبداد فقط، بل أي نوع من أنواع السيطرة التي يمكن أن يمارسها اي انسان على إنسان آخر». ويذهب الشاعر الألماني «يوهان ڤوت»، الذي دافع عن الاسلام بعبقرية المبدع الانساني، الى حد القول، وهو في أوج ثورته ضد الاستبداد: «انني ألقي بنفسي في خضم الحياة ومعاركها التي لا تنتهي، كموج البحر الهائج الذي يلقي بنفسه على الصخور بعنف»، ويستدرك بقلب المؤمن «إن آلهة الحظ تسير في ركابي ولن تتخلى عنّي»! تلك هي، حتما، الارادة الانسانية التي جسّمها «برومثيوس» في أسطورته الخالدة، ونثرها «أندريه مالرو» في روائعه: «الغزاة»، و«غواية الغرب» و«قدر الانسان» وهو يردد دون كلل: «فليربط الانسان نفسه بفعل عظيم، وليتشبّث به، وليصبح له مطاردا وبه منتشيا». إن كل هذه القيم التي روّج لها كبار المبدعين في التاريخ الانساني تمثل في ما يسمّى ب: «الفعل العظيم»، أي الدفاع عن الحرية والعدالة والكرامة الانسانية. ولكن الطغاة في كل زمان ومكان، لم يدركوا هذه الحقيقة، ولم يستوعبوا الدرس من التجارب المتراكمة. فتاريخ البشرية قُدّ، في جانب طويل منه، من الثورات ضد الظلم والعسف والتسلّط، لكن الاستبداد لم ينقطع نهائيا، فكلّما اندحر تحت ضربات عشاق الحرية والعدالة، إلا وعاد من بين ثنايا النفس الأمّارة بالسوء. فكل طاغية جديد يعتقد أن ما حصل لأسلافه لا يعنيه مطلقا، ولن يحصل له أبدا! وتُبرز الثورات العربية المضطرمة، حاليا، بضراوة في العديد من اقطار المنطقة، هذه الحقيقة بكل عرائها، فهي، كما كتبنا سابقا، امتداد لتاريخ عربي زاخر بالمواجهات البطولية للظلم والقهر، كان فيها الانتصار دوما للإرادة الانسانية المجبولة على الانعتاق والتحرر، ولكن الطغاة العرب لا يقرؤون التاريخ بل هم لا يقرؤون شيئا، باستثناء تقارير زبانيتهم والجلاّدين الذين يأتمرون بأوامرهم العلية.