أصبحت ثورات الحرية والعدالة والكرامة، المتأجّجة، لهيبًا، أو المُتّقدة جمرًا، في العالم العربي، مادّة إنتخابيّة أساسيّة، ومصدرَ أكثر المزايدات الشعبوية انحدارًا، في أمريكا وأوروبا. ففي فرنسا، التي تعيش على ايقاع المدّ المحموم للمتطرّفين، يشتدّ التنافس بين اليمين واليسار لاستغلال الثورات العربيّة لصالح أجندات انتخابية داخلية، لا علاقة لها، من قريب أو بعيد بمصالح الشعوب العربية ومطالبها في الانعتاق والنماء والرّفاه،. فبعد الهجوم الشرس الذي شنّته أحزاب اليسار، مدعومة باليمين المتطرّف، (ايد نعم) على نيكولا سركوزي وأعضاء حكومته وحزبه لتباطئهم في دعم ثورتي تونس ومصر، استعاد هؤلاء المبادرة بسرعة، مستغلّين اندلاع الثورة الليبيّة، لتصبح فرنسا السركوزية في مقدّمة البلدان التي أعلنت الحرب على طرابلس، بعد أن سارعت بإعداد مشروع القرار، الذي تبنّاه مجلس الأمن، وشرّع، من خلاله، التدخّل العسكري في القطر الليبي بذريعة «حماية المدنيين» كسب سركوزي وجماعته الرهان، وارتفعت أسهمهم في استطلاعات الرأي، فكثّفوا، أخيرًا، من مساعيهم للضغط على سوريا، دون إغفال عن هشاشة الوضع في المنطقة، وتداعيات انهياره الكامل على أمن اسرائيل العزيزة على قلب سركوزي. أمّا برطانيا المُلْتحفة برداء اليمين، فتحاول، من جهتها، إثارة الهواجس الاستعمارية القديمة لدى شريحة هامة من سكّانها، الحالمين بعودة المجد العسكري للامبراطوريّة، التي لم تكن تغيب عنها الشمس! والمتمعّن، في المواقف البريطانية تجاه الوضع في ليبيا وسوريا، يلاحظ بيُسر، انها ذات نزعة حربية «تشرشلية» (نسبة إلى تشرشل)، وفي ذلك إثارة متعمّدة للرأي العام البريطاني قصد استقطابه لأجندات انتخابية داخلية، على خلفيّة «نُوستالجيّة» متجذّرة لدى الأنڤليز بالخصوص. وكان «الهيجان الدعائي» منتظرًا من قِبل رئيس الحكومة الايطالية، سيلفيو برلسكوني، الغارق، حتى أذنيه في مستنقعات الفساد، والمهدّد بالمحاكمات القضائية والسياسيّة، فارتمى على الفرصة الثمينة، التي وفّرتها له الثورة اللّيبية، للتخلّص من بعض أدران ممارساته المسترابة، سياسيّا واقتصاديا وأخلاقيّا، وتحوّل بسرعة المراوغ المحترف، من نصير معلن للقذافي، لايتوانى في تقبيل يده على مرأى ومسمع من العالم كلّه، إلى قائد عسكري يساهم في الحملة الحربية على المستعمرة الايطالية القديمة!! ويبدو أن هذا «الانقلاب» الاضافي لسلسلة انقلاباته العديدة قد مكّنه، ولو ظرفيّا، من ترميم صورته المتداعية، لدى الرأي العام الايطالي. بقيت المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل، التي تعاني من صعوبات سياسية، وانحدار لشعبيتها في استطلاعات الرأي، زادها تنصّلها من التحالف الحربي ضدّ ليبيا، إرباكًا، ممّا أعطى الفرصة لخصومها السياسيين لتكثيف الضغط عليها، فما كان منها إلاّ أن سارعت بالانضمام إلى التحالف، الذي بدأ يتشكل ضدّ سوريا، أملاً في استعادة توازنها وتدعيم موقعها السياسي في الجبهة الألمانية الداخليّة. وفي الولاياتالمتحدة، وكما كان منتظرًا، استغلّ اليمين الانجيلي الثورات العربية للمزايدة على باراك أوباما والديمقراطيين، وتصدّر جون ماكين، تتبعه سارة بالين، قيادة المواجهة، ممّا دفع بالديمقراطيين إلى ردّ الفعل والترفيع في سقف المزايدات، كلّ ذلك على حساب الثورات العربية وأهدافها الأساسيّة.