2-الزكاة ليست تصدّق بل هي حقّ الزكاة ليست فعل خير وتنازل بتعالي .ففي المسيحيّة مثلا فعل الخير هو سخاء مناسباتي كلّه ينبض شفقة وهذه خصوصيّة تنفرد بها المسيحيّة ولها علاقة بصبر المسيح الذي طالما عذّب من أجل حبّه للإنسانيّة كما يعتقدون. فالمسيحي الذي يفعل الخير يفعله وهو يتألّم مثلما كان المسيح يتألّم.ففعل الخير يُؤَدّى بالحبّ مثلما كان المسيح يتألّم من أجل الحبّ .إنّ" بول" الذي أسقط-بكلّ سخريّة- القانون الذي هو إلزام ليعوّضه بقانون الحبّ.لكن الحبّ ليس له أي ثمن فيكفي أن تحبّ ومن منّا لا يحبّ؟ فنحن نحبّ دائما ولكلّ منّا طريقته في الحبّ.وهذا مريح جدّا فنستطيع أن نحبّ بدون مصاريف زائدة. الزكاة في الإسلام ليست مجرّد فعل خير ويجب أن لا يكون وراء أدائها تحقيق أي مصلحة فهي تُعْطى كحَقّ- بدون أن تكون فعل خير ورحمة وتباكي للتظاهر- للإنسان الذي ليس عنده بدون أن يُحَطّ من كرامته. فالزكاة وضعها الله في القرآن في نفس المرتبة مع الصلاة التي نقوم بها تجاه الله فهي أي الزكاة واجب عبادي فواجب القيام بالزكاة هم مثل الصلاة وقد ذكرى هذا في القرآن في 30 سورة نذكر منها ثلاث آيات في سورة البقرة فالله يقول في الآية 43:"وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين" وكذلك الآية 83 من نفس السورة حيث يقول :" وإذ أخدنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدوا إلّا الله و بالوالدين إحسان وذوي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثمّ توليتم إلّا قليلا منكم وأنتم معرضون " وكذلك الآية 110من نفس السورة حيث يقول :"وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدّموا لأنفسكم من خير تجدوه عبد الله إنّ الله بما تعملون بصير" فالزكاة في الإسلام هي تزكيّة الممتلكات فالقرآن لا يقول مثل "ماركس" الملكيّة سرقة لكن يقول الملكيّة غير نظيفة إذا لم تستفيد منها كلّ الأمّة وكلّ الناس بل يقول كلّ الممتلكات لتكون قانونيّة يجب أن تطهّر بالزكاة . وهذا التطهير يُفْرض على كلّ مسلم حسب ضميره لأنّ الزكاة تتعلّق بالعبادة "افْعَل الخير كما فعل الله الخير معك :"وابتغي فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إنّ الله لا يحبّ المفسدين."(سورة القصص الآية 77) الزكاة هي مساهمة في التضامن الإنساني ويمكن أن يستفيد منها غير المسلم وأوّل من وسّع توزيع الزكاة لغير المسلمين- و هذا يحسب له- هو عمر بن الخطّاب. رغم أنّ دفع الزكاة لا يلزم إلّا المسلمين من منطلق أنّها عبادة. فهي موجّهة لاقتلاع الفقر وخلق نوع من التوازن الاجتماعي بين من عندهم وبين من ليس عندهم لأنّ كلّ خلل في التوازن وخاصة عندما يبلغ عتبة الفقر يخلق –ولا مفرّ من ذلك –فوضى لا نعرف إلى ما ستُؤدّي وقد يَتأذّى منها الجميع -أغنياء وفقراء- الذين عندهم والذين ليس عندهم .فالزكاة ليست صدقة تَحُطّ من قيمة مستحقيها بل هي وظيفة اجتماعيّة. و في القرآن الزكاة تسمّى كذلك صدقة وهو لفظ نُسيء فهمه عندما نخلطه بالتسوّل ففي القرآن ليس هنالك تسوّل فلفظ متسوّل لا يوجد في القرآن وعلينا أن لا نخلط بين "سائل" و"متسوّل" سائل هو اسم فاعل من الفعل سأل ومعناه طلب والسائل هو كلّ إنسان يطلب أي شيء من أي كان والسِيَاق هو الذي يحدّد الشيء المطلوب والسائل يمكن أن يعنيّ الشخص الذي بكلّ بساطة يلقي سؤال.ويمكن أن يعنيّ أي شخص يطلب الإعانة أي الإحاطة وهذا يحدّده السياق فمن الممكن أن نطلب إعانة وقتيّة من شخص أو من مجموعة تضامن عموميّة أو اجتماعيّة وكانت هذه العمليّة تغطّى بالصدقة في عهد الرسول فالصدقة لعبتْ دور الصندوق الاجتماعي لتقدّم المساعدة للذين هم في حاجة إليها . فالصدقة ليست التصدّق الذي يعطى للمتسوّلين الذين يجعلون من التسوّل مهنة وقد يكون بعض هؤلاء المتسوّلين من الأغنياء. فلم يُقْصَدْ في القرآن أن نجعل المتسوّلين يستفيدون من الزكاة التي تسمّى كذلك صدقة. لذلك فاللفظان زكاة وصدقة لا يحيلان إطلاقا على التسوّل . كما أنّ الزكاة ليست ضريبة تجبى من الدولة ومتروكة تقديرها للدولة فليس لزكاة أي علاقة بميزانيّة الدولة فعلاقة الزكاة تقتصر على العبادة وهي ليست تكرّما أو تصدّق تلقائي يحطّ من قيمة من يأخذها فهي مساهمة واجبة وتُأخَذ من الثروة لا من الدخل وحسب مقادير تتغيّر تبعا لحجم الثروة فهي تضامن اجتماعي يفرضه الضمير على المسلم لصالح كلّ أعضاء المجموعة الإنسانيّة ضدّ الجوع. فهي فرض عبادة فردي أي فرض عيّن فهي نفس فرْضيّة الصلاة إذ تَجِب على كلّ من هو قادر على أدائها فهي حقّ للإنسان فرضه الله, إذنْ هو فرض لا يمحى بالزمن فهو حقّ لمن ليس لهم على الذين عندهم مثل كلّ فرض ديني فهي لا تأخذ بالقوّة بل لا بدّ أن تكون هنالك نيّة وأن تكون هنالك حريّة القيام بهذا الفرض الديني بدون أي مسيطر على المؤمن ماعدا ضميره. يتبع....