القرآن حدّد مستحقي الزكاة وكيفيّة التصرّف فيها ولكي لا تخرج الزكاة عن ما وضعتْ له –مثلما تفعل الشريعة-وتبقى كما أرادها الله تعديلا للتوزيع العادل للثروة وأنّ وظيفتها هي أن تكون أوّل حقّ للإنسان في حياة ذات قيمة و محترمة بدون تسوّل ولا جوع.فالقرآن هو الذي حدّد مستحقي الزكاة بكثير من الدقّة مع كثير من المرونة التي تمكّن من التكيّف مع كلّ الظروف والحالات بدون أن تُضِيع وظيفتها الأساسيّة . يقول تعالى في سورة التوبة الآية 60 :" إنّما الصّدقات للْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ"هذه الآية أدرجتْ في السورة التاسعة من القرآن وبذلك يمكن التأريخ لها أنّها نزلت في آخر الفترة النبويّة وهي تحمل لنا قرارا من الله لتنظيم و التصرّف في كلّ مجتمع متماسك عضويّا بطريقة عادلة وحكيمة وهذا القرار أُخِذَ فعلا من الذي يَعْلم علم اليقين ومن الحكيم والذي حِكمته أعطته بعدا حكيما لتسيّر مجتمعاتنا الإنسانيّة كأحسن ما يكون والتي بالسلم الاجتماعيّة سنكون متضامنين ونقدّم الإعانة للفقراء والمحتاجين لتفادي المظالم الإنسانيّة الغير مقبولة والتي ستكون عامل فوضى ترجع بالمضرّة على الجميع فقراء وأغنياء هذا هو الاستنتاج الأوّل. والملاحظة الثانيّة لها علاقة بالتصرّف في الزكاة فهي لا تسند للسلطة التي تسمّى دائما في القرآن ب »ألي الأمر" وهذا له دلالات كبيرة لأنّ السلطة بطبعها مثلما يقول ابن خلدون محمولة على أنّها غير عادلة في غياب ما يعدّل حدود التجاوزات والمبالغات.وكان من المفروض أن تكون الشريعة هي المعدّلة لكن الأئمّة المنتمين للحكّام الفاسدين لم يقوموا بهذا لذلك نجد أنّ الشريعة فعلتْ عكس ما أمر به القرآن. فالقرآن أسند التصرّف في الصدقة إلى الذين هم قادرين على التصرّف فيها كأن تكون ما نسمّيها اليوم منظّمات المجتمع المدني التي لها مجلس إدارة. والتاريخ أتبث أنّ هذه الإحتياطات التي أوصى بها القرآن و التي لم تتبعها الشريعة ولم تعمل بها كانت ضروريّة وأساسيّة فالشريعة جعلتْ من الزكاة ميزانيّة وأسندتْ التصرّف فيها للسلطة.وكان هذا إجرام في حقّ الزكاة رغم التحذير المنصوص عليه بألفاظ الواضح في القرآن جعلت-الشريعة -من الزكاة آليّة للظلم الاجتماعي واستغلال الفقراء والمحتاجين من طرف الأغنياء ولصالحهم وإنّي لا أعرف في تاريخ الإسلام أكبر جريمة تجاه الله والإنسان من إخراج الزكاة عن وظيفتها وهدفها الحقيقي.ولِمَنْ يستغرب من قولي هذا أقول له هذا ما سأوضّحه لك لاحقا. وسبب هذا(منع إسناد التصرّف في الزكاة للسلطة) أنّ الإنسان مُتحَكّم فيه بغريزة الجَشَع فالقرآن يذكر النفس كمكان للغرائز والروح كوعاء للعقل فالنفس تدفع للسوء إذ يقول تعالى في سورة يوسف الآية 53:" وَمَا أبَرِّئُ نَفْسِي إنَّ النَفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ. فالرسائل الإلاهيّة هي هِبَة من الرحمان الرحيم لتحفيز النفس إذ الإنسان عندما يُتْرك لنفسه سوف لا يتّبع طريق العقبة وهي طريق صعبة لأنّها طريق العفّة والتضحيّة وأن يعطيّ الإنسان من نفسه بدون حساب وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه بعدل وإنصاف لذلك لا بدّ من إعانة الإنسان لاجتياز العقبة وإن لزم الأمر دفعه نحو هذه الطريق لكنّ الشريعة حادت عن هذه المهمّة التي كان من المفروض أن تكون مهمّتها. يتبع.....