الأصول الجامعة للدين الإسلامي كما جاءت في الكتاب والسنة هي القاسم المشترك للمذاهب الفقهية السنية وإن اختلفت في الفروع, وهي خمسة : ° توحيد الله تعالى بذاته المقدسة وأسمائه الحسنى وصفاته السامية, °عصمة القرآن العظيم من التحريف والتبديل, °عصمة النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم في البلاغ, °أركا ن الإيمان الستة ( الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ), °أركان الإسلام الخمسة ( شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا ) . والأصول الجامعة هي المرجع الشرعي الذي يحتكم إليه عند الاختلاف الاجتهادي , إذ يقول الله تعالى : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) س النساء 59 , ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ) س الشورى 10 , وفي نفس السياق يقول الرسول صلى الله عليه وسلم محفزا القادرين على الاجتهاد بالمثوبة والأجر في صورة الخطأ " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر " ( رواه البخاري ), وفيه معنى أن الإجماع على الأصول الجامعة لم يغلق الباب أمام الاجتهاد على النهج الشرعي لإدارة شؤون العباد وإيجاد الحلول الملائمة لقضاياهم الدينية ولمعاملاتهم . أما المذاهب الفقهية فقد تميزت بالتعددية وخاصة مذاهب أهل السنة التي عرفت بعض التطورات التي آلت إلى اندثار العديد منها مثل مذهب الأوزاغي في الشام والأندلس ومذهب الليث بن سعد في مصر مع بروز مذهبي الشافعي ومالك, كما اندثر مذهبا الحسن البصري وابن جرير الطبري, وبقي المذهب الأباضي للخوارج في مناطق محدودة مثل عمان , وفي الشيعة اندثرت مذاهب فرق الغلاة باندثار فرقها, أما المذاهب التي لا تزال قائمة في العصر الحالي فهي المذاهب الأربعة عند أهل السنة ( الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية ) والمذهب الجعفري عند الشيعة . لقد وجد المسلمون السنة في المذاهب سعة فقهية وهامشا من المرونة في أداء عباداتهم وفي القيام بمعاملاتهم في إطار الاجتهاد دون المساس بوحدة الدين وثوابته, وذلك بفضل منهج السماحة والتيسير كما جاء في الكتاب والسنة وبفضل إجماع المذاهب الأربعة على الأصول الجامعة, وتعايش المسلمون السنة على نهج التيسير والتسامح بتوخي الاجتهاد واللجوء إلى مقاصد الشريعة عند الاختلاف . غير أن الخلاف مع الشيعة بقي قائما إلى اليوم بما في ذلك حول الأصول الجامعة حيث ينكر الفقهاء الشيعة هذه الأصول على السنة ويعتبرونها من أهل البيت ولم ترد في الكتاب بتلك الصيغة , وفي المقابل يروجون إلى صيغة شيعية تقوم أساسا على " الإمامة " و "الزيدية" , وهكذا لم يسلم منحى التعايش بين أتباع المذاهب من نزعة الخلافات الإيديولوجية والعقائدية التي تطورت إلى صراعات أدت إلى التفتيت الفكري, واستمر الخلاف إلى العصر الحاضر وازداد استفحالا وتطور إلى خلاف سياسي إقليمي ودولي بتدخل القوى الدولية الكبرى في الصراع الدائر في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي ليتحول إلى صراع من أجل الهيمنة والنفوذ وتأمين مصالح الدول العظمى في المنطقة, وربما تحول الصراع إلى منحى للتصدي للدين الإسلامي تحت غطاء مقاومة التطرف الديني والإرهاب والإسلام براء من ذلك. فعسى أن يهدي الله جل وعلا الأمة جمعاء إلى سبيل الرشاد ويجمعها على كلمة سواء هي الكتاب والسنة فلا فرق بين سنة وشيعة وبين مسلم ومسلم إلا بالتقوي, ولا تنازع ولا تنافر بل أخوة في الدين الإسلامي وألفة وتضامن على مقصد الآية الكريمة ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) س آل عمران 103, ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) س الأنفال 46 , وعلى معنى وصية الرسول صلى الله عليه وسلم " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا, كتاب الله وسنتي " . وتنفيذا لأمر الله تعالى وعملا بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم فالأمة الإسلامية اليوم وهي تواجه ما تواجه من التحديات والمخاطر في أمس الحاجة إلى التمسك بما جاء في الكتاب والسنة في التعايش مع بعضهم بعضا وفي التعامل مع الآخر بلغة الحوار والمجادلة الحسنة دون التفريط في استقلاليتها وتصديها للهيمنة ولإرادة المس من الدين الإسلامي الحنيف، نسأل الله السداد والتوفيق.