لن أنسى أبدا أوّل مرّة قابلتها فيها...كان ذلك في أواسط السّبعينات ب"عاصمة الأنوار " باريس ، أثناء حفل خاصّ كان المكان رائقا و الجلسة مصغّرة و الحضور من السمّيعين ، و ممّا زاد الأجواء رونقا وبهجة و متعة ، وجود الفنّان الرّائع "رضا القلعي" رحمه الله، بيننا ببشاشته المعهودة و تدخّلاته الظّريفة "العسلة" الطّريفة ، و"كمنجته" الأنيقة المُطيعة له كلّما غازلها بأطراف أنامله المخمليةالمبدعة "الرّهيفة" . عندما حان دوري للغناء ، طلبت منّي السيّدة عليّة أداء إحدى روائع " أمّ كلثوم " تاركة لي الإختيار . مسكت "عودي" و غنيّت " الأمل" كما لم أغنّيها من قبل و من تلك اللّحظة أصبحنا أصدقاء ، في تناغم فنّي و إنسانيّ خالص.. كلّ ورق الدنيا و حبرها لن يكفياني لأُتِمّ الحديث عن مشوار "عُليّة" الإبداعي و مكانتها الفنّية المرموقة في كامل البلاد العربية..أعمالها الموثّقة و حدها و شهادات من صاحبوها و كتبوا عنها و أحبّوها قد تلخّص مسيرة العزيزة الغالية في جملة : " سيّدة في فنّها و أخلاقها و حبّها الصّادق النّقيّ الفيّاض لتونس الحبيبة و شعبها الأصيل الوفيّ" ، أعيدوا الإنصات لرائعة الشّاعر الفذّ الكبير " عبد المجيد بن جدّو ، رحمه الله و طيّب ثراه، "بني وطني" التي كتبها و صرخ بها لحظة بدئ العدوان الإستعماري الغاشم على الحبيبة المناضلة والأصيلة الصّامدة "بنزت" العزيزة الغالية ، و لحّنها الفنّان الكبير سيّدي و أستاذي "الشّادلي أنور"، رحمه الله ، و غنّتها الرّائعة "عليّة" كما لم و لن يغنّيها أحد مثلها أنصتوا لتلك الأغنية الوطنية "بالفعل" و سوف تقتنعون بأنّ شعلة الفنّ الصّادق الملتزم النّظيف قد بدأت تذبل و تحتضر منذ اللّحظة التي بدأنا نفقد فيها مثل هذه القامات الكبيرة المُعتَّقة المُعطَّرة النّادرة رحمكم الله جميعا يا أسيادنا و سيّداتنا و منارات طموحنا و منابع أزواد إبداعنا...