كل يوم يطل علينا وزير الصحة ومساعدته في مختلف وسائل الاعلام لبث الرعب في القلوب، واحباط العزائم، حتى ان المشاهد كره الاخبار، وطريقة أدائها لغياب الحرفية فيها، وفي ما تحمله من تشاؤم على الكورونا التي اصبحت موضوع الساعة، وغاب المختصون في طرح اشكاليات هذا الوباء، واغلب من تطرق للحديث عن خطورته تنقصهم الخبرة، والتجربة الميدانية، لا يعرفون مآله، ولا كيفية انتشاره، ولم يجمع على معرفيه بدقة العلماء في العالم، و شكلت دراسته ظهور فرق متعدد الاختصاصات، وليس لتونس القدرة على المنافسة في هذا الميدان الموكول لمن لهم الجاه والتمويل، والغاية في بلادنا هي بعث الطمأنينة ونقل الحقيقة كما هي، برصانة وفاعلية، والخطر كل الخطر ان يغتنم الفرصة السياسيون، ويخربون بيوتهم بأيديهم، كما فعلوا منذ الثورة المباركة، لقد تكفل الوزير الاول بالمتابعة الشخصية، ثم غاب عن الساحة، لأمر في نقس يعقوب، وترك وزيره الممثل في الحكومة لحزب النهضة، يتصرف كما يشاء، وهو مع الاسف ابعد ما يكون ان يدير الوباء بنزاهة، بل اصبح من نجيمات الاذاعات والشاشات التلفزية يجوبها ليلا نهارا، فلا احد اذا يعرف حقيقة الوضع الصحي في بلادنا، ولا كيف يتطور من يوم الى آخر، ومن ولاية الى اخرى، وكان بالإمكان التعرف على تسربه من معتمدية الى اخرى، استنادا الى خريطة صحية انجزها فريقنا عند توليه ادارة الوزارة، وكان بالإمكان تحيينها ان لم يغبرها من تداول بعدنا على المسؤولية، ولو كان الوزير وفريقه واضحي الرؤيا، لاتبعوا ما يجري حولنا، خاصة في فرنسا، حيث اشرف الوزير الاول بنفسه على المتابعة مع وزير الصحة على قيادة ما اسماه رئيسهم بالحرب، والمهمة ترجع اساسا للمدير العام للصحة، وهو اختصاصي في الميدان، يجمع كل يوم المعطيات ويقدمها في خرائط واضحة المرامي، مما يجعل المشاهد على يقين بما يجري من الواقع على الارضٍ ويتابع عن كثب البحوث والاجراءات المقترحة، للحد من انتشاره، فلنتطرق ولو بنظرة خاطفة للفوضى العارمة في بلادنا وللهياكل المسيرة، التي هي تحت اشراف الوزير مباشرة، وما تشكوه من قلة اعتبار، وقلة موارد، ومن حاجات ملحة من كمامات، ودواء الى غير ذلك من طلبات المرضى - عفاهم الله وآزرهم على تعدي الصعاب والرجوع الى اهلهم في عافية- ولا فائدة اذا في بكاء المديرة العامة او استعطافها للمشاهد، لأنها تؤدي دورها وتقوم بواجبها، ولتترك النجومية لغيرها، الذي يركض وراء الاعلام، وحذاري في بلادنا من الاجانب الذين يتخذون بلادنا مطية لتنوير ادائهم، ولا حاجة لنا لوكالة «الأناضول التركية» او موقع «عربي 21» او "قناة فرانس 24" او "فيسبوك" لإعادة اشعاع مسارنا نحو الافضل، و الخوف كل الخوف يهددنا من الذين فشلوا في تأدية الواجب، ويعيدون الكرة بأخطر منها، اذ منهم من خالف في ادائه واجب التحفظ، واعتمد الخلط بين السياسة والميدان الصحي، لأنه في الظاهر محمي من حزبه، وفي الحقيقة مرفوض من المشتركين فيه، التجأ لتغطية العجز الى التسميات في المناصب العليا، والى قلة الخبرة والتطرف في اختيار ديوانه، وهو يعرف جيدا "لو دامت لغيره لما آلت اليه"، والتاريخ يزيل يوما بعد يوم القناع على من لم يؤدي الامانة، والمطلوب اتقاء الله في تونس، و لو شدوا ديارهم وسكتوا عن افعالهم لكان الافضل، عوض بعث الرعب في البلاد والتبجح بالقضاء على جرثومة قلة في العالم يعرفها، "حتى ان وزيرة التعليم والابحاث العلمية الألمانية اكدت ان العالم لن يجد لقاحا ناجعا ضد فيروس كورونا قبل اواسط عام 2021، معتبرة أن اللقاح ربما لن يلبي الآمال المعقودة عليه"، و الفريق الحالي اظهر انه غير مؤهل للإقناع، ولم يختاره الشعب للظهور كل يوم في وسائل الاعلام بدون فائدة تذكر، ولا تؤدي ممارسات كهذه الا الى مواصلة سوء التصرف، فالشعب لا يغنيه ظاهر الكلام المعسول المحسوم على المبادئ، ويترقب بفارغ الصبر اين ذهبت الاموال التي تبرع بها، عن طواعية لتعزيز ميدان الصحة المنهار، اظهر الكورونا النقائص، وكشف حقائق الاوضاع، ولو حاول بعضهم التهرب من المسؤولية في الاداء، والتقصي من تحمل توابعها، وكان من الاجدر ترك النجومية لمن له مسيرة ذاتية مثالية، فالبلاد لما هي عليه اليوم تحتاج الى أكسجين، لان القوم تناسوا ان العمل السياسي والاجتماعي المثمر، يكون في اعطاء المثل في السلوك، والتضحية في سبيل الغير، وما احوجها الى هذه القيم اليوم، حتى تبعث من جديد روح المسؤولية، والامل في العيش الافضل، فلا يزيد الاطراء او الدفاع عن موقع السلطة، الا غلوا في النفس، وامتدادا لأليات مكرسة للفساد، تجد فيها سياسة الزور ملجا، والبهتان والتهريج مسرحا، وغاب عن الاعين من وعد ولم ينجز، ومن راهن على دفع البلاد الى الامام، وحدثوا عن التحولات الرقمية والتطورات التكنولوجية وكل ذلك مجرد هُراء سياسي، اذ لم يظهر، كما هو موكول له، في مواجهة الآفة والبقية آتية، وما يعلم الا الله اين المصير وقد بدت المجموعات في التفكك، و نال رئيس الحزب الثاني في الائتلاف مرماه، اذ ان صلاحياته تكاد تكون صلاحيات الوزير الاول، زيادة انه مدعم في المجلس بزوجته النائبة، والحالة التي عليها الاقتصاد تبعث على الحيرة، اقتصاد منكمش، واموال تهدر في الجرايات، و مديونية تغرق البلاد، وترمي بها الى الحضيض، وبلبلة في التفويض، وطي صفحة الحرب عن الفساد في خانة المهملات، ومن الأرجح أنّ التعديلات والتعيينات التي تظهر اليوم، تمّ الاتفاق عليها في السابق، عند تشكيل الحكومة، وبمرور الزمن سيكشف على المزيد، من ما وراء الستار، فهل البلاد الى حاجة لهيكلة جديدة للدولة في الكتمان، حتى يبلغ عدد المستشارين 52، لا يعرف مهامهم الا الذين اختاروهم للمنصب، والشعب يدفع الفدية بدون هوادة، وتبرعاته تعود ايضا لصحافة فقدت اوجها، وتدهورت همتها، وحتى اللوبيات لها نصيبها، لكن لن يمر الشعب بين المسامير ثانية، والدرس يأتي من الرئيس الجزائري الذي يقول علانية "لن نذهب إلى المديونية، لن نذهب لا إلى صندوق النقد الدولي ولا إلى البنك الدولي، لأن المديونية تمس بالسيادة الوطنية وهي تجربة عشناها بداية التسعينيات"، حينما اقترضت الجزائر بشكل كبير من صندوق النقد"، ويواصل: "أفضّل الاقتراض من المواطنين الجزائريين على الاقتراض من صندوق النقد الدولي أو بنوك أجنبية، وأوضح كذلك " أن دولاً صديقة عرضت منح بلاده قروضاً وهو أمر قوبل بالرفض في الوقت الحالي..." ، ويذكرني هذا الموقف الشريف بمواقف رجالات تونس واختياراتهم الهادفة و بالنسبة الى الكورونا، مع الأسف الشديد، غاب التطلع والتفكير في ما بعده، وهو الذي ادى الى اختيار طريقة فرض اجراءات عزل عام، اوقفت الانشطة الاقتصادية بالكامل، وابقت التونسيون في منازلهم طيلة عشرة اسابيع طوالا، وحتى الذين وضعوا في صالة انتظار الرحيل، لم يعترف لهم بانهم بناة دولة حديثة، وشملتهم موجة التضامن "الغير مشروع"، مما يؤيد حجم فشل الطبقة السياسية وحكام مرحلة ما بعد الثورة، وما ارتكبوه من تقصير في حق الدولة، بشكل جعلها عاجزة عن اداء دورها، واجبارها على دعم أحقية مؤسسات الاعلام الخاصة من اموال دافعي الضرائب، وهو ما لم يتجرأ عليه حكام الانقلاب الطبي، لكن الدولة أصبحت تحت سيطرة الاقربون اولى بالمعروف ومشتقاتها، فهل من منقذ لهذا الوطن من هذه الجائحة التي هي بدون دواء رجب حاجي : دكتور في الاحصائيات- دكتور في الاقتصاد- شهادة تكوين مستمر بجامعة هارفارد الأمريكية - ألف أربع كتب في علم الاحصاء في المستوى الجامعي- اول رئيس بلدية ملولش- شغل رئيس ديوان المرحوم محمد الصياح عشرات السنين و رئيس ديوان وزيرة الصحة ومكلف بمهمة في اختصاصاته التصرف والاقتصاد والاحصائيات لدى رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر اطال الله عمره الى غيرها من المسؤوليات الوطنية.