الحمد لله رب العالمين تكرم جل جلاله على عباده فدعاهم إلى سؤاله في السر والعلن ليستجيب لهم ثم دعاهم للاستجابة له والإيمان به لعلهم يرشدون , فقد قال سبحانه وتعالى مخاطبا نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ) س البقرة 186 , وإذا كانت الدعوة لسؤاله واضحة وجلية فالاستجابة تستدعي العمل على نيلها إيمانا واحتسابا لثواب الله تعالى واستجابة لدعوته , فهو يدعو سبحانه وتعالى عباده إلى الإيمان به بما في الإيمان من استحقاقات كالطاعة والعبادة والتقوى وفعل الخيرات وكل الأعمال الصالحة حتى يفوزوا بالاستجابة وبالرشاد, إنه قريب حليم كريم رحمان رحيم سميع مجيب . وفي السنة جاء عن أنس رضي الله عنه أن إعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله علمني خيرا فأخذ النبي بيده وقال له : " قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر, (...) , إذا قلت سبحان الله قال الله صدقت, وإذا قلت الحمد لله قال الله صدقت, وإذا قلت لا إله إلا الله قال الله صدقت, وإذا قلت الله أكبر قال الله صدقت, وإذا قلت اللهم اغفر لي قال الله قد فعلت, وإذا قلت اللهم ارحمني قال الله قد فعلت, وإذا قلت اللهم ارزقني قال الله قد فعلت " ( رواه البيهقي ), وفيه تأكيد على حلم الله وكرمه وعلى أنه قريب يسمع الدعاء ويستجيب له, على أن يستجيب له عبده وأن يلتزم الإيمان والطاعات والعبادات والتقوى والعمل الصالح من فعل الحسنات والبذل في الخيرات . وفي نفس السياق كانت قصص استجابة المولى عز وجل لدعاء أنبيائه وعباده الصالحين متعددة نورد منها على سبيل المثال ما جاء في سورة الأنبياء رحمة وتكريما لهم ولحظوتهم عنده : ° كان النبي نوح عليه السلام يدع ربه تعالى أن ينجيه من ظلم قومه فاستجاب له ونصره على القوم الظالمين كما جاء في الآية الكريمة ( ونوحا إذ نادى ربه من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم ) الآية 76 . ° كان سيدنا أيوب قد أنهكه المرض بعد صبر طويل فدعا الله تعالى أن يشفيه فاستجاب له وكشف عنه ما أصابه من ضر ( فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وأتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين) الآية 84 . ° أما النبي يونس عليه السلام فكان في أشد محنة إذ ذهب مغاضبا في البحر فابتلعه الحوت ولو لا تسبيحه لربه تعالى لكان من الهالكين, فتضرع له بدعائه القرآني من الآية 87 ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) وهو في بطن الحوت في ظلمات البحر فاستجاب له ونجاه من الغم ( فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين ) الآية 88 . ° وجاء سؤال النبي زكرياء عليه السلام لربه جل وعلا مختلفا إذ لم يكن يشكو من ظلم ولا من مرض أو شدة, ولكن كان يبغي ولدا تقر به عينه وهو في سن متقدمة وكانت امرأته عاقرا, فناجى ربه وناداه نداء خفيا ( وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين ) الآية 89 وهو موقن بأنه عز وجل لا يعجزه شيء وهو خير الرازقين فاستجاب له سبحانه وتعالى ( فاستجبنا له ووهبنا له يحي وأصلحنا له زوجه ... ) الآية 90 , فكانت الاستجابة في وقتها جزاء من الله تعالى لنبيه وكان من العابدين المخلصين له وكان وامرأته يسارعون إلى الطاعات وفعل الخيرات, فسبحان الخلاق العليم الذي بيده ملكوت كل شيء وهو على كل شيء قدير . ° وفي السورة الكريمة سرد لما حبا الله جل وعلا به أنبياءه من رعاية وحماية ونصر على ظلامهم وأعدائهم من المشركين والكفار, فأنجى سيدنا إبراهيم عليه السلام من النار التي أعدت لحرقه فكانت بردا وسلاما عليه كما جاء في الآية الكريمة ( قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ) الآية 69 . هذا ومن تأشيرات استجابة الدعاء الإكثار من الطاعات والعبادات وخاصة قراءة القرآن والذكر بأنواعه والباقيات الصالحات والاستغفار والصلاة والسلام على النبي المختار, والمثابرة على التضرع والدعاء بأدب وخشوع ( وكانوا لنا خاشعين ) مع عقد النية وحسن الظن بالله تعالى واليقين بالاستجابة, وفطنة القلب وعدم الغفلة عند الدعاء واستشعار الضعف والافتقار لله عز وجل ( ويدعوننا رغبا ورهبا ), والمسارعة في عمل الصالحات وفعل الخيرات ( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ), والطعم الحلال "أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة" ( حديث ) , كل ذلك دون استعجال الاستجابة التي ستأتي لا محالة إن عاجلا أو آجلا في الدنيا أو في الآخرة إنه سبحانه وتعالى سميع مجيب ( ادعوني أستجب لكم ) . اللهم تقبل دعاءنا وارحم تضرعنا وتقبل طاعاتنا وعباداتنا وصالح أعمالنا واصلح بالنا واجعل بطاعتك انشغالنا وإلى الخير مآلنا وحقق بالزيادة أعمالنا واختم بالسعادة أيامنا واعف عنا فلا يسعنا إلا عفوك يا خير مأمول وأكرم مسؤول, إنك عفو حليم كريم عظيم رؤوف رحمان رحيم تحب العفو فاعف عنا في العشر الأواخر وأدركنا ليلة القدر واجعل ثوابها العتق من النار وجنة الفردوس مع الأبرار وارحمنا ليلة العتق بجزيل الجزاء ووافي الأجر والثواب يا عزيز يا وهاب, الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه والصلاة السلام على النبي المصطفى وآله وصحبه أجمعين .