تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صالح الحامدي يكتب لكم: للذكرى: في بعثة الرسول المشرفة صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة
نشر في الصريح يوم 01 - 06 - 2020

ولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بمكة المكرمة يوم الاثنين 12 ربيع الأول من (عام الفيل) ( 571 ميلادي ), بعد ان توفى أبوه عبد الله بن عبد المطلب وهو في بطن أمه آمنة بنت وهب, ويرجع نسبه إلى النبي إسماعيل بن النبي إبراهيم عليهما السلام, وكان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم منذ مقتبل العمر محل ثقة من أهل مكة وقد أنبته الله تعالى نباتا حسنا وأدبه فأحسن تأديبه حتى كان أحسن قومه خلقا وخلقا وأصدقهم حديثا وأحفظهم أمانة, فاتمنته خديجة بنت خويلد على تجارة لها بالشام وربحت التجارة, وأعجبت خديجة بخلقه وصدقه وأمانته, فتزوج منها في الخامس والعشرين من عمره وهي في الأربعين, فأنجبت له... ولم يتزوج عليها حتى توفيت رحمها الله.
ولما كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم منذ حداثة سنه محل ثقة وتقدير من قومه إلى أن عرف بالصادق الأمين, احتكمت إليه قبائل قريش عند إعادة بناء الكعبة المشرفة عندما اختلفوا حول وضع الحجر الأسود في مكانه, فبسط رداءه صلى الله عليه وسلم ووضع الحجر وسطه وطلب أن تحمل كل قبيلة طرفا من أطراف الرداء, ثم رفعوه حتى إذا بلغ الموضع أخذه بيده الكريمة ووضعه مكانه, فاستحسن القوم تحكيمه وقبلوا به وانتهى الخلاف.
وفي كمال الأربعين من عمره أنزل الله سبحانه وتعالى رسالته المكرمة عليه وبعثه نبيا ورسولا صلى الله عليه وسلم بعقيدة التوحيد, فجاء الحق وزهق الباطل بنزول رسالة الإسلام, وكانت بعثة الحق والنور, فكانت خديجة رضي الله عنها أول من آمنت به من النساء, وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أول من آمن به من الرجال, وكان علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أول من آمن به من الشباب.
وبدأت الرسالة المشرفة بنزول القرآن العظيم وحيا على النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم فكان أول ما نزل عليه الوحي بغار حراء الذي كان يتعبد فيه, إذ جاءه جبريل عليه السلام وأمره أن يقرأ, فقال الرسول "ما أنا بقارئ", فكرر عليه وفي المرة الثالثة قال له ( اقرأ باسم ربك الذي خلق, خلق الإنسان من علق, اقرأ وربك الكرم, الذي علم بالقلم, علم الإنسان مالم يعلم ) س العلق, فقرأ الرسول صلى الله عليه وسلم. وكان نزول القرآن في شهر رمضان وبالذات في ليلة القدر كما ذكر في بداية سورة الدخان وكما جاء في سورة القدر, وتواتر نزول القرآن بحسب الوقائع والأحداث على مدى ثلاث وعشرين سنة, قضى منها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة بمكة المكرمة, ثم كانت الهجرة إلى المدينة المنورة فقضى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم عشر سنوات حتى نهاية البعثة, وقد أخذ جمهور العلماء في هذا السياق بحديث لابن عباس قال فيه " أنزل الله القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا وكان بمواقع النجوم, وكان الله ينزله (بواسطة جبريل) على محمد بعضه إثر بعض " (رواه الحاكم).
وجاء القرآن العظيم وهو كلام الله جل وعلا لنبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم متميزا بإعجازه وبنظمه البديع الذي يرقى فوق كل نظم معهود في لسان العرب, وهو ليس من نظم الشعر في شيء كما قال رب العزة الذي تولى نظمه ( وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين ) س يس 69 , فهو المعجزة الخالدة للرسول صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة, وهو المعجز بمحكمه ومتشابهه وبألفاظه ومعانيه لأن فصاحته وبلاغته من خوارق العادات, وبقدر كثافة أحكامه وحكمه وتنوعها وتشعبها بما لم تجر العادة عل أن تصدر من بشر, فقد تميز النص القرآني عند التدبر فيه بالتناسب والتناسق في كل ما تضمنه ظاهرا وباطنا من دون اختلاف مصداقا لقوله تعالى ( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) س النساء 82 , صدق الله العظيم وبلغ رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم .
لقد بعث الله تعالى نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى العالمين أي إلى الناس كافة وأنزل عليه القرآن العظيم وأمره بالدعوة إلى الله ( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) س سبأ 28, ( وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ) س الأحزاب 46, وأكرمه وأثنى عليه بأخلاق عظيمة ( وإنك لعلى خلق عظيم ) س القلم 4, وقال الرسول صلى الله عليه وسلم " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " ( عن مالك ), وجعل الله جل وعلا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والرسل واختصه بفضائل وصفات وبركات وكرامات ميزه بها عن غيره من الأنبياء وأخذ منهم ميثاقا للإيمان به ولنصرته في قوله تعالى ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ) س آل عمران 81.
ومن كرامات الله جل وعلا على نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم أن قرن اسمه (الله) باسمه في الشهادة والذكر إذ ليس من مسلم أو مؤمن يذكر الله أو يصلي أو يتشهد إلا ويقول " أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ", وأن قرن حبه بحبه ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ), وطاعته بطاعته ( قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين ) س آل عمران 31-32, وأن جمع بين الإيمان به وبرسوله ( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله ... ) س النساء 136 .
ومن أجل فضائل الله تعالى على نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم ما حباه به من أعظم درجات المبرة في سورة الضحى وما تضمنته من تكريم له وتنويه به وتعظيم لقدره عنده وإرضائه له في الدنيا والآخرة (ولسوف يعطيك ربك فترضى ), وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيها " ليس آية في القرآن أرجى منها " (ذكره السيوطي).
في مكة المكرمة قضى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة يدعو إلى توحيد الله عز وجل وعبادته سرا في البداية ضمن حلقات محدودة ممن آمنوا به من الأغنياء والأشراف والضعفاء والفقراء والعبيد, من الرجال والنساء, فأوذوا من قريش وأوذي الرسول صلى الله عليه وسلم معهم فجابه الأذى بالصبر والاحتساب, واشتد به البلاء بوفاة عمه أبو طالب وزوجته خديجة, وهو صابر محتسب صلوات الله وسلامه عليه, ولما أمره الله تعالى بأن يصدع بالحق ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ) س الحجر 94, ( وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ) س الإسراء81 , جهر الرسول صلى الله عليه وسلم برسالته وراح يدعو إلى الله بطيب الكلام ولين الخطاب وبدون عنف ولا قتال, فأنذر الأقربين من عشيرته (وأنذر عشيرتك الأقربين) س الشعراء 214, ثم أنذر قوم قريش في مكة ومن حولها من القرى ( وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها ... ) س الشورى 7, فالتف عدد من المسلمين والمؤمنين من حوله بتسخير من الله عز وجل ليناصروه في نشر دعوته في ربوع مكة ومن حولها وحتى في المدينة المنورة (قبل الهجرة).
وفي الأثناء جاءت آية الإسراء والمعراج من الله سبحانه وتعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم حيث أسرى به ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير ) س الإسراء 1, وكان على البراق بمعية جبريل عليه السلام, فنزل به وصلى بالأنبياء, ثم عرج به إلى السماوات السبع تباعا فرأى فيها من الأنبياء والرسل والآيات, وانتهى به الأمر ( عند سدرة المنتهى ), ( عندها جنة المأوى ), ( لقد رأى من آيات ربه الكبرى ) س النجم 14-15-18 , فكلمه رب العزة إيحاء وإيماء وأكرمه بما يحظى به عنده من قدر ومنزلة, فكانت التزكية البليغة والفضيلة الحليمة والميزة الكبرى من لدن المولى جل وعلا لنبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم , ولما رجع عليه الصلاة والسلام قبل الفجر إلى مكة المكرمة قص ما جرى فصدقه المؤمنون, الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه على آيته الكبرى لنبيه ولأمته والحمد لله على نعمة الإسلام وعلى نعمة الإيمان.
الهجرة إلى المدينة المنورة :
استعدادا للهجرة إلى المدينة التقى الرسول صلى الله عليه وسلم في إحدى ليالي التشريق عند العقبة جمعا من الأوس والخزرج وبايعهم على أن يهاجر إليهم في المدينة فبايعوه وانصرفوا, وشرع النبي صلى الله عليه وسلم في التخطيط للهجرة فأمر أصحابه بالهجرة إلى المدينة فهاجروا أفواجا إلا من حبسه المشركون, ولما أحس الكفار بذلك توجسوا خيفة من أن يلحق بهم فيشتد أمره فتآمروا على قتله, ولم يبقى في مكة من المؤمنين إلا هو صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب, ولكن الله الخبير العليم أوحى إلى رسوله الكريم بذلك فأمر علي بن أبي طالب أن يبيت في فراشه وخرج من بيته دون أن يتفطنوا إليه وهم يراقبونه, فذهب إلى بيت أبي بكر الصديق بعد أن نجاه الله تعالى من مكرهم ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) س الأنفال 30.
وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر الصديق إلى غار ثور ومكثا فيه ثلاث ليال مختفين, واستأجرا عبد الله بن أبي أريقط (وكان مشركا) ليدلهما على الطريق وسلماه راحلتهما, وإذ هما في الغار نزلت الآية 40 من سورة التوبة بالتبشير بالنصر من عند الله تعالى وبإنزال السكينة على الرسول وعلى من معه ( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني إثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده ... ) وفيها إعلام من الله عز وجل أنه المتكفل بنصر رسوله وإعزاز دينه وفيها طمأنة على حفظ الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه وعلى تأمين الر حلة إلى المدينة, ولم تفلح قريش في طلبهما, وفي الطريق إلى المدينة وعندما بلغ الجحفة شعر الرسول صلى الله عليه وسلم بالاشتياق إلى مكة فأنزل الله سبحانه وتعالى الآية 85 من سورة القصص ( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد قل ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين ) وفيها أن الله جل وعلا الذي أنزل القرآن على نبيه الكريم يبشره ويعده بالعودة إلى مكة منتصرا وفاتحا.
وعند وصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى مشارف المدينة المنورة كانت البشرى والفرحة الكبرى, ونزل بمنطقة قباء وأقام فيها حوالي عشر ليالي وبنى فيها أول مسجد, ثم انتقل إلى المدينة يوم الجمعة فصلاها في بني سالم, وبعدها دخل المدينة وسارت به راحلته حتى بركت في الموضع الذي اتخذه موقعا لبناء مسجده الذي يعرف اليوم بالحرم النبوي الشريف, وكان من أول عمل الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة أن آخى بين المهاجرين والأنصار ووادع اليهود على السلم, وتزوج عليه الصلاة والسلام من عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها, وفي السنة الثانية للهجرة شرع الأذان للصلاة, وحول الله سبحانه وتعالى القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة, وفرض صوم رمضان.
استقر الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة وواصل العمل على ترسيخ الدعوة الإسلامية وأيده رب العزة بنصره فالتف المهاجرون والأنصار حوله واجتمعت القلوب عليه, ولكن المشركين واليهود والمنافقين اجتمعوا على إيذائه والافتراء عليه وتمادوا في ظلمهم وهو يعاملهم بالصبر والصفح والعفو, حتى جاء أمر الله على مراحل فأذن للمسلمين بقتالهم ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير) س الحج 39, ثم فرض على المسلمين قتال من يقاتلهم ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ) س البقرة 190, ثم فرض عليهم قتال المشركين كافة ( وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ) س التوبة 36, واستمر الرسول صلى الله عليه وسلم في نشر الدعوة الإسلامية فقاد الجهاد في سبيل الله ورد كيد المعتدين في كل الغزوات والمعارك ضد المشركين واليهود وأيده الله بنصره المبين.
وفي السنة السادسة للهجرة عزم الرسول صلى الله عليه وسلم على زيارة البيت الحرام والطواف به فصده المشركون عنه, وبمفاوضتهم عقد معهم صلحا ( صلح الحديبية ) على وقف القتال عشر سنين يأمن فيها الناس ويختارون ما يريدون فدخل الناس في دين الله أفواجا, وفي السنة الثامنة للهجرة نقض كفار مكة العهد فتوجه إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم على رأس جيش عظيم وفتح مكة المكرمة وطهر بيته الحرام من ولاية المشركين بدون قتال محققا بذلك وعد ربه عز وجل برده إلى مكة فاتحا, وقال لقريش قولته المشهورة: "ما تقولون إني فاعل بكم, فقالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم", فعفا عنهم وقال لهم " اذهبوا فأنتم الطلقاء " ( رواه البيهقي ).
وكانت الهجرة إلى المدينة مرحلة مفصلية في مسار البعثة النبوية المشرفة للتوسع في نشر الدعوة الإسلامية في بلاد العرب وخارجها باعتبار الطبيعة العالمية لرسالة الإسلام ( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) س سبأ 28, فعرفت الدعوة الإسلامية انتشارا واسعا في أصقاع العالم حتى بلغت آسيا والصين شرقا و أوروبا ( الأندلس ) وإفريقيا غربا, الحمد لله على نعمة الإسلام والصلاة والسلام على رسول الإسلام.
وفي السنة العاشرة للهجرة كانت حجة الوداع, حج فيها الرسول صلى الله عليه وسلم وحج معه خلق كثير, أحرم الرسول من ذي الحليفة وبلغ مكة فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة, وعلم الناس مناسكهم, وفي عرفات نزلت عليه الآية ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) س المائدة 3, فخطب في الناس خطبة جامعة استعرض فيها الأحكام الإسلامية العادلة وختمها قائلا: " وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به لن تضلوا بعده أبدا كتاب الله وسنتي, وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون, قالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت, فقال وهو يرفع بإصبعه السبابة إلى السماء وينكتها إلى الناس اللهم اشهد (ثلاث مرات), وبذلك عرفت هذه الحجة بحجة الوداع لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ودع فيها الناس ولم يحج بعدها .
في شهر صفر من السنة الحادية عشر للهجرة ألم المرض بالنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى أن وافاه الأجل المحتوم صباح يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول فغسل وصلى عليه المسلمون وتم دفنه في بيت عائشة رضي الله عنها, وكان حزن المسلمين لمصابهم الجلل حزنا شديدا, ومن كرامات الله جل وعلا على أمته أن توفى الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن أكمل الله سبحانه وتعالى على يديه الدين وثبت أصوله وهو باق إلى يوم القيامة بإذن الله تعالى وحفظه ورعايته ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )س الحجر9 .
نسأل الله التوفيق والسداد والأجر والثواب, الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه وصلى الله على سيدنا وحبيبنا ومعلمنا محمد وآله وصحابته أجمعين وسلم تسليما كثيرا, سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.