كنا خصصنا هذه الصفحة يوم السبت 30 أفريل الماضي للحديث عن مدينة الثقافة تحت عنوان "هل تكون مدينة الثقافة إحدى ضحايا الثورة؟" وقد كتبنا ما كتبنا لأنه بين أيدينا معطيات دقيقة لا يرقى إليها الشك حول تعمد وزير الثقافة المؤقت تهميش سير العمل بوحدة التصرف حسب الأهداف لمدينة الثقافة التي يشرف عليها الدكتور محمد زين العابدين، الذي لا يمكن أن نقول بشأنه سوى كل خير فالرجل كفاءة علمية وفنية من أعلى طراز ولم يترك سوى الأثر الطيب حيثما مر في المعهد العالي للموسيقى بسوسة أو بتونس أو في وزارة الثقافة التي ألحق بها في سبتمبر 2008 ليشرف على وحدة التصرف حسب الأهداف لمدينة الثقافة وتؤكد مصادرنا المطلعة في وزارة الثقافة أن محمد زين العابدين واحد من قلة من المسؤولين الذين لم تصدر تجاههم العبارة الثورية في البداية والفوضوية لاحقا لتصفية الحسابات الضيقة "ديقاج" بحكم التزام الرجل بخط عمل واضح بعيد عن التوظيف السياسي لمشاريع مدينة الثقافة، في المقابل عمت الفوضى جملة من هياكل الوزارة فقد بادر الوزير المؤقت فور تعيينه بعزل محمد إدريس مدير عام المسرح الوطني في بلاتو برنامج تلفزي والشأن ذاته مع رئيس ديوانه بوبكر بن فرج، ليعين لاحقا عبد الحي المزوغي ثم تراجع في قراره تحت ضغط "ديقاج" ليلجأ إلى عبد العزيز الزياني مدير عام المصالح المشتركة بالوزارة... وفي الأثناء عين وزير الثقافة محمد محجوب على رأس بيت الحكمة ثم تراجع في تعيينه، كما عزل مدير مركز الفنون الدرامية بالكاف معز حمزة على الرغم من إقرارالوزير في حوار صحافي بأن "حمزة" نظيف اليدين ولكنه لا يحظى بإجماع مسرحيي الكاف... وفي زحمة احتجاجات المسرحيين واعتصام عدد منهم بفضاء الحمراء لعز الدين قنون والموسيقيين وتململ السينمائيين خاصة أمام بطء الوزارة في حسم مشاركة تونس من عدمها في مهرجان "كان" قبل أن تتدارك الوزارة أمرها بعد إعلان المهرجان اختيار فيلم "لا خوف بعد اليوم" لمراد بالشيخ في قسم "حصص خاصة" بل أعلنت الوزارة في بيان لها أن الوزير ذاته سيتحول إلى "كان" وستعقد ندوة صحافية في الغرض... سبحان مغير الأحوال؟ شغورات دون تعويض وتعيينات يليها تراجع في هذا الخضم نسيت الوزارة تعيين مديرين لأيام قرطاج المسرحية ولمعرض تونس الدولي للكتاب ولمهرجان قرطاج الدولي، وغفلت الوزارة عن تثبيت الأسعد بن عبد الله مديرا لمهرجان الحمامات أو إعفائه من هذه المهام التي حقق فيها نجاحا لا بأس به مقارنة بما كان يحدث في مهرجاناتنا... وفي المقابل لم تنس الوزارة المؤقتة إعفاء سمير بلحاج يحي من مهامه ككاتب عام للجنة الثقافية الوطنية دون تأكيد بقائه من عدمه مديرا عاما للعمل الثقافي بالوزارة وإلى اليوم لم تعين الوزارة معوضا لبلحاج يحي مما يعني أن اللجنة الثقافية الوطنية في حالة بطالة "فنية" في غياب رئيس (لم يعين لها رئيس منذ إعفاء محمد الطالبي) وكاتب عام لها... ولعل التعيين الوحيد الذي لم تتراجع فيه الوزارة يتعلق بأنس غراب (ابن الجامعي الراحل سعد غراب) على رأس النجمة الزهراء، وهو تعيين احتج عليه كثيرون لا قدحا في السيد غراب بل لأنه لا يجوز قانونا إلحاقه من وزارة التعليم العالي إلى وزارة الثقافة لأسباب يعلمها أهل الحل والعقد في هذه الوزارة... نعود إلى مدينة الثقافة، إذ يبدو أن الوزير المؤقت قد راق له توجيه الاتهامات في عدد من تصريحاته الدورية فهو يؤكد أن "مسرح الأوبرا كارثة ب1700 مقعدا وأنه مخالف للمعايير الدولية" ويشير إلى فساد مالي في المشروع ثم يقول إن هذا الأمر لا يخصه بل من مشمولات لجنة مكافحة الفساد... وقد علمنا أن هذه التصريحات أثارت استياء الجهة المشرفة على مشروع بناء مدينة الثقافة وتجهيزه وهي وحدة التصرف حسب الأهداف بوزارة النقل والتجهيز التي رفعت تقريرا لوزير النقل والتجهيز بخصوص سير العمل في مشروع مدينة الثقافة الذي كان يخضع لإشراف مباشر من الرئيس السابق وهو الذي اختار الشركة التشيكية "جيوسان" لتنفيذ المشروع بتوصية من صخر الماطري... لماذا رفض الوزير المؤقت مشروع أوبرا الثورة؟ علمنا أن وزير الثقافة المؤقت لم يتفاعل مع أي مقترح صادر عن وحدة التصرف لمدينة الثقافة وآخرها مقترح إنجاز أول أوبرا وطنية حول الثورة يسهم فيها شعراء وملحنون وموسيقيون ومسرحيون وممثلون وراقصون لتخليد ثورة 14 جانفي وأمام هذا الصمت المطبق خير محمد زين العابدين -في موقف غير مألوف لدى مسؤولينا الكبار الممسكين بالنواجذ بكراسيهم- تقديم استقالته احتجاجا على أسلوب اللامبالاة وحتى يترك للوزير حرية إدارة المشروع حسب رغبته هو، علما وأن ما يدور في الكواليس ينبئ بعودة الحرس القديم الذي كان يهيمن على مشروع مدينة الثقافة طيلة سنوات، هيمنة أدت إلى تأخير تدشين المدينة من سنة إلى أخرى... هل يقبل الوزير المؤقت الاستقالة ؟ ومن هو المعوض؟ المرجح أن يرحب وزير الثقافة المؤقت باستقالة –لم ينتظرها– لمحمد زين العابدين ولعل السؤال من هو معوض "زين العابدين" على رأس مدينة الثقافة؟ لئن تحدث البعض عن عودة وشيكة لرجاء فرحات –المنسق السابق للجنة الإشراف على المشروع– المستشار بوزارة الثقافة المقرب من الوزير المؤقت، فإن مصادر عليمة ترجح أن تسند المهمة -مؤقتا- لسامي القاسمي مدير الشؤون الإدارية بوحدة التصرف حسب الأهداف لمدينة الثقافة المعين حديثا في هذه الخطة... مهما كان المعوض فإنه من المثير للدهشة أن تتعطل المشاريع بتعطل الكفاءات بعد ثورة 14 جانفي ليطل الانتهازيون برؤوسهم من جديد ولن نستغرب إن أوكلت مهمة تنسيق "أفراح الثورة"-سلسلة عروض فنية بمختلف الجهات إحتفالا بالثورة بتكلفة 500 ألف دينار- إلى أولئك الذين نظموا حفلات الحملة الرئاسية البنفسجية من قاعة العمليات بنهج روما... ولن يكون مفاجئا أن تكرم من كانت تحتمي بمهندس الإعلام في القصر... وبالمناسبة نسأل وزارة الثقافة الموقرة من يشرف على إدارة الموسيقى بعد تقاعد فتحي زغندة؟ وما هو حال الفرقة الوطنية للموسيقى وفرقة الفنون الشعبية؟ وأي مآل لمركز الترجمة بعد خروج مديره محمد محجوب؟ وحتى متى سيتواصل العمل في المركز الوطني لفن العرائس بعد تقاعد "محمد العوني"؟ ولماذا يجمد بيت الشعر؟ وهل سمعت مجلة الوزارة "الحياة الثقافية" بوقوع ثورة في تونس أو أن صداها لم يبلغها بعد؟ على خلفية الأغنية التي تهدده بالتصفية الجسدية:النوري بوزيد يقاضي بسيكوم أم وحزب النهضة لم يصمت المخرج النوري بوزيد هذه المرة على الإهانة التي تعرض لها من قبل أحد فناني الراب اسمه "بسيكو أم" في أغنية رددها في إطار اجتماع حزب النهضة يوم 17 أفريل في قصر المؤتمرات وأهان "بوزيد" بأوصاف غير لائقة وهدده بالتصفية الجسدية احتجاجا على فكرة "اللائكية" التي دافع عنها مخرجنا في فيلمه "ماكينغ أوف"...حسب ما قال بوزيد نفسه ... لم يصمت "النوري بوزيد" هذه المرة وأصدر بيانا وزعه على الحاضرين في ندوة صحفية انتظمت يوم أمس في قاعة الفن السابع وجمعت الأسرة السينمائية لغايات مختلفة أولها التنديد بما حدث لبوزيد والإعلان عن برنامج عمل جمعية السينمائيين بهيئتها المؤقتة، والإعلان عن تأسيس جمعية المخرجين في انتظار الترخيص من وزارة الداخلية كما عرض خلال هذه الندوة فيلم وثائقي للمخرج "الحبيب المستيري" من إنتاجه مع "راضي تريمش"... وقد أعلن "النوري بوزيد" خلال الندوة الصحفية أنه سيقاضي "بسيكو أم" على إهانته ومعه حركة النهضة التي لم تبد أي اعتراض على التهديد بتصفيته في أغنية "بسيكو أم" وقال أيضا إنه حان الوقت لبعث ما سماه بالجبهة الثقافية تكون بمثابة الحصن لأهل الفن والثقافة دفاعا عن حرية التعبير والحق في الثقافة... تفاصيل الندوة الصحفية نختصرها في عدد العدد وفي ما يلي نص بيان المخرج النوري بوزيد: "في تونس الثورة التي هرمت أجيال من أجل تحقيقها، نظم حزب النهضة اجتماعا بقصر المؤتمرات يوم 17 أفريل 2011 قدم فيه "بسيكو أم" محمد الجندوبي أغنية تتضمن الدعوة إلى القتل والتصفية باستعمال الكلاشينكوف على مخرج فيلم "ماكينغ أوف"، وعندما ذكر اسمي بالكامل هب الحاضرون في موجة من التصفيق مرفوقة بعبارة "الله أكبر"... إني النوري بوزيد المواطن التونسي الذي لم يرتض لنفسه بلدا غير هذه الأرض فيها ولد ودرس وسجن من أجل دفاعه عن حياة سياسية تعددية حرة وعن مجتمع تحفظ فيه كرامة الإنسان قبل الفنان وتصان فيه حرية المرأة دون تمييز أو إقصاء، أتوجه ببياني هذا أمام الرأي العام إلى قيادي حركة النهضة وفي مقدمتهم راشد الغنوشي مطالبا بتقديم موقف صريح وعلني بالتنديد بالمغني الذي خان الأمانة فجعل من الفن وسيلة لبث الكراهية والدعوة إلى القتل تحت رعاية النهضة بعد أن أصبح ينتمي إليها كما أدعوهم بأن يقدموا اعتذاراتهم للفنانين والمبدعين التونسيين... وفي حالة رفضهم أو سكوتهم على هذه الحادثة فعليهم أن يتحملوا مسؤولية وقوعها كاملة أمام القضاء، وسيكون التونسيون على بينة من أمر هذا الحزب الذي خرج إلى النور بفضل ثورة الاحرار، ثورة الشباب التي لم تطلق شعارا واحدا يطالب بمجتمع سلفي متطرف مثل الذي تنادي به الأغنية المرددة من طرف مناضل النهضة... لعل هذا يفسر عدم قبول النهضة أي عهد جمهوري يحمي المجتمع من تجاوزات الأحزاب ويحمي المواطنة والديمقراطية... كما أن هذا الحدث يعتبر خرقا لقانون الأحزاب الذي يدعون الالتزام به... وفي الختام أدعو كافة الأطراف السياسية في البلاد لحماية الإبداع من كل تطرف والمبدعين من كل ترهيب وتهديد، ودعم الثقافة المستقلة..."