«والدى لم يستحق أن يموت هكذا..نريد العدالة..» (إبن القتيل جورج فلويد) في تحليلها للعنصرية في الولاياتالمتحدة،تقول صحيفة الغارديان إن أفضل السبل لمواجهتها هو التعلم من تجربة داعية الحقوق المدنية الراحل مارتن لوثر كينغ. وتصف الصحيفة،في مقال افتتاحي تعليقا على الاحتجاجات وأعمال الشغب التي وقعت بعد مقتل جورج فلويد، بأنها "لغة غير مسموعي الصوت". وتحذر من أنه "بدون تحقيق العدالة والتقدم للأمريكيين الأفارقة، ستعاني البلاد من موجات غضب متجددة مرارًا وتكرارًا" وتشير الصحيفة إلى أن مارتن لوثر كينغ قتل في أفريل/نيسان عام 1968 قبل أن يلقي خطبة الأحد في إبراشية في أتلانتا بعنوان: "لماذا قد تذهب أمريكا إلى الجحيم". وخلال الأسابيع القليلة التالية،وجدت الولاياتالمتحدة نفسها على طريق الهلاك. وبمقتل كينغ شهدت البلاد أكبر موجة من الاضطرابات الاجتماعية منذ الحرب الأهلية رافقتها أعمال شغب في 130 مدينة. وتضيف الغارديان أنه نوفمبر/ تشرين الثاني من ذلك العام،فاز ريتشارد نيكسون بانتخابات الرئاسة واعدا باستعادة القانون والنظام من خلال تأجيج التعصب غير المعلن مروجا لفكرة أن عنف الشارع فعل الكثير مما يصعب علاجه. الرئيس دونالد ترامب يعتقد أنه يستطيع أن يفعل الشيء نفسه مع الاحتجاجات في أنحاء البلاد على وحشية الشرطة تجاه الأمريكيين الأفارقة في أعقاب وفاة جورج فلويد. لكن التاريخ لا يعيد نفسه ،كما يفعل الناس. ما أريد أن أقول؟ أردت القول أنه إذا قرر أحد كتابة تاريخ المجتمع الأمريكي وكيف تطورت صفاته وسلوكه الاجتماعي،سوف يقر بأن "الرجل الأبيض"عرف العنصرية ضد أصحاب البشرة السوداء من أصحاب الأصول الأفريقية قبل معرفته بالإنسانية،ورغم أنه من الكوميديا السوداءأن يكون قد مر ما يقرب من 200 عام منذ أن حرر أبراهام لنكولن العبيد في أمريكا،مازال أصحاب البشرة السوداء يعانون من كل أشكال العنصرية في العديد من الولاياتالأمريكية،وموت جورج فلويد هو صرخة جديدة في وجه عنصرية الرجل الأبيض الأمريكي.. قتل جورج فلويد لم يكن حادثا غريبا على المجتمع الأمريكي الذي يتفنن في إظهار العنصرية والكراهية للمواطنين الأمريكيين أصحاب الأصول الإفريقية،فكل عام يسقط عشرات الأشخاص ضحايا الحوادث العنصرية التي تطول كل الفئات المجتمعية والثقافية.. ولكن الشيء الذي يمثل كوميديا سوداء حقيقية فيما يخص عنصرية المواطنين الأمريكيين،أن أمريكا في الأساس بلد مهاجرين فحتى رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية نفسة أصوله ليست أمريكية..! وإذن؟ لا الموسيقى إذا،ولا الروايات ولا الشعر ولا السينما..استطاعت أن تجعلَ أمريكا تتوب عن خطيئتها الكبرى «العنصرية».. هذا ما شعرنا به إزاء متابعة رياح التغيير التى تعصف بالولاياتالمتحدةالأمريكية جراء جريمة القتل الشنيعة بحق جورج فلويد. قبل أيام وقفت مذيعة شبكة CNN أمام ابن جورج فلويد ومحامى الأسرة،والابن في حالة صدمة وحزن رهيب معلقا بجملة واحدة «والدى لم يستحق أن يموت هكذا.. نريد العدالة».. صدمة ابن فلويد تمثل صدمة كبرى للكثير من الأمريكيين الذين اعتبروا أن لقطات موت فلويد تمثل موت الحلم الأمريكى الذى كافح الكثيرون لتحقيقه «مالكوم إكس»،و«روزا باركس»،«مارتن لوثر كينج» و«محمد على كلاي»،والشاعر لانجستون هيوز والروائية «تونى موريسون»..،حتى ما أسموه إنجازا بوصول باراك أوباما البيت الأبيض،كان يطلق عليه «أول رئيس أمريكى من أصل أفريقي» فتحليل الخطاب الأمريكى دائما يفضى إلى ذلك التمييز العنصري. يقول أوباما في كتابه «أحلام من أبي» وهو يروى فيه سيرته الذاتية إنه دائما كان يشعر بوجود عالمين عالم البيض وعالم السود،ويتحدّث بألم عن تجارب مريرة عايشها في طفولته وشبابه بسبب التمييز العنصري. وأنا أقول: قد بلغت-أمريكا-حدّا من الغرور تصوّرت معه أنّها ملكت مفتاح الحقيقة المطلقة،ولم تعد بحاجة إلي الجديد أو التجديد،نسيت تماما ونهائيا أنّ ما تملكه ليس أكثر من إحدي جزئيات الحقيقة،وأنّ الحقيقة الكلية المطلقة ليست بمتناول أحد أو بلد أو حقبة من التاريخ،ولكنّها قدّست الحقيقة الجزئية النسبية وحوّلتها إلي فكرة جنونية. لقد كانت ولاياتكم المتحدة في بداية الستينيات تمثّل أقوي دولة في العالم وفي التاريخ،رمزا ديناميكيا للحرية والديمقراطية.. واليوم.. صارت هيبتها تتلقّي الصفعات من كلّ جانب وأضحت رمزا للإمبريالية والاستعمار الجديد،فضلا عن العنصرية العمياء والمتوحشة أحيانا (مقتل جورج فلويد نموذجا)،مما أضاف أزمة أخلاقية عميقة داخل الضمير الأمريكي العام. لقد كان جونسون مصابا بجنون العظمة،واقتنع بأنّه أقوي رجل في العالم،وأنّه يستطيع شراء فيتنام كما اشتري مساعديه في واشنطن،باعتبار الدولار سيّد الأحكام هناك..لا في كل مكان.. وّكان نيكسون أكبر مدلّس في تاريخ الرئاسة الأمريكية وكانت ووترغيت عنوانا كبيرا للانحطاط.. وإذن؟ هل ستقرؤون التاريخ إذا-يا دولاند ترامب-لتتعلّموا من خبرات الذين سبقوكم..ولتعتبروا بتجاربهم وأخطائهم إذا كنتم فعلا تحبّون الحياة وتعتقدون بأنّكم تستحقون هذه الحياة..؟ لتعي-يا ترامب-أننا في لبّ المسألة،استيحاء التمييز بين الحضارة و الوحشية،بين ذبح النّاس الأبرياءأو،إذا شئتم صدام الحضارات و الضرر المجاور أمام تعقيد العدالة اللامحدودة وجبرها الحرون. والأسئلة التي تنبت على حواشي الواقع: كم نحتاج من الموتي العراقيين قبل أن يصبح العالم مكانا أفضل؟ كم نحتاج من الموتي الأفغان مقابل كل قتيل أمريكي؟ كم من القتلي الأطفال والنساء الفلسطينيين مقابل كل قتيل إسرائيلي؟ كم من -القتلي المجاهدين-مقابل استثمار مصرفي نهم؟ كم الضحايا الأمريكيين من ذوي البشرة السوداء،مقابل أن "ينعمَ" الأمريكي الأبيض"بمقعد وثير تحت شعاع الشمس..؟ النّاس هنا..أو هناك..ليسوا من حجر،ولا هم أغبياء،إنّهم يرون استقلالهم مُصادرا،وثرواتهم وأرضهم وحياة أبنائهم مستلبة،وأصابع الاتهام التي يرفعونها تتوجّه إلي الشمال:إلي المواطن الكبري للنهب والإمتياز.ولا مناص للترهيب من أن يستولد الترهيب. إنّ الأمريكيين السود،المضطهَدين في أمريكا (بلد الحريات..!!) وحدهم يستطيعون أن يتحدثوا عن أمل ممكن أن ينبثق من دفقات الدّم ووضوح الموت،المواجهةعندهم تعني الفعل الذي لا يقف عند حدود الكلام والنوايا،وإنّما هي فعل وجود يصرخ أمام العالم بأنّ -العنصرية العمياء والمتوحشة-غير مقبولة وبأنّ الحرية والسيادة مبدآن لا يمكن التخلي عنهما مهما كانت سطوة -الطغاة-وعمى الولاياتالمتحدةالأمريكية.. ولكن.. مجادلة-إدارة عنصرية-مثل إدارتكم-يا دونالد ترامب-بالحقائق،والعقل،والأدلة المنطقية،مثل القول بأن أمريكا لم تتعرض لأي عمل إرهابي شارك فيه مهاجرون،أو التذكير بالدستور الأمريكي،وعلمانية الدولة،وقيم العدالة والمساواة،يعتبر مضيعة للوقت والجهد،ولا طائل منها،تماما مثل مجادلة-الجاهل الأحمق-.. وأرجو أن تستوعبوا رسالتي جيدا..وأنا المقيم في الشمال الإفريقي..!