الخروج الإعلامي الجديد لرئيس الحكومة إلياس الفخفاخ في الحوار الذي أجرته معه قناة التاسعة ليلة الأحد 14 جوان الجاري كان خروجا خلف الكثير من الضجة وردود فعل متباينة بين من اعتبر حوار الفخفاخ مع الإعلامي بو بكر بن عكاشة على قناة التاسعة كان مهما وناجحا واستطاع من خلاله رئيس الحكومة إرسال العديد من الرسائل لجهات عدة كان أبرزها رسالة إلى الطرف الاجتماعي لدفع الاتحاد العام التونسي للشغل إلى تعديل أوتاره في عدد من القضايا ومراجعة موقفه في عدد من الملفات في علاقة بالمالية العمومية التي تمر بصعوبات كبيرة تجعلها غير قادرة على تحمل كلفة السلم الاجتماعي ورسالة أخرى إلى حزب تحيا تونس ورئيسه يوسف الشاهد الذي وجه إليه رسالة ضمنية حمله فيها كل المسؤولية فيما تعيشه البلاد من صعوبات مالية واقتصادية واجتماعية كان من تداعياتها عجز الدولة عن تسديد مستحقات المزودين العموميين ممّا أكد حقيقة إفلاس الدولة وإعلان عدم قدرتها على الإيفاء بالتزاماتها. وبين من ذهب إلى أن رئيس الحكومة في هذا الحوار الذي تجاوز الحيز الزمني المتعارف عليه في الحوارات مع المسؤولين الحكوميين لم يكن موفقا وارتكبت فيه عدة أخطاء اتصالية في علاقة بجملة من القضايا التي كان من الأجدى على الفخفاخ أن لا يخوض فيها كمسألة التنصت على الشعب ومراقبته إلكترونيا خلال فترة الحجر الصحي ومسألة الاجراءات التي يعتزم اتخاذها بالنسبة للأموال التي في حوزة البنوك ولا يستفيد منها الاستثمار وتوجد خارج الدورة الاقتصادية وهي مسألة قد تعرض المؤسسات المالية إلى صعوبات في توفير السيولة المالية اللازمة. إلى جانب كل هذه القضايا وغيرها التي تم تناولها في هذا الحوار وكانت مادة إعلامية اختلف في تقييمها التونسيون واختلافا آخر في نسبة الرضا وعدم الرضا عن مضمون الحوار ، فإن اللافت في الحديث الذي جاء على لسان رئيس الحكومة تبريره أخطاء وزرائه ودفاعه المستميت عنهم وإيجاد الاعذار لهم وغياب أي برنامج واضح لإنقاذ الاقتصاد بعد الضربة التي تلقاها بسبب انتشار فيروس كورونا وتجاوز صعوبات المالية العمومية وأية استراتيجية لتحقيق انطلاقة جديدة للاقتصاد بعد الجائحة الوبائية وعدم الإعلان عن برنامج لمرحلة ما بعد الكورونا وفي المقابل وجدنا خطابا مركزا بالكلية على فئة الموظفين وطبقة الشغالين الذين كالعادة تتوجه إليهم الحكومة ليتحملوا من جديد بمفردهم ولوحدهم صعوبات المالية العمومية فمرة يطلب منهم دفع المزيد من الضرائب وتحمل المزيد من الاقتطاعات مما أضر بمقدرتهم الشرائية وحوّل الطبقة الوسطى إلى فئة قريبة من الفئات الفقيرة واليوم يتم تهديدهم بالتقليص في أجور الموظفين والتقليص من رواتب المتقاعدين إذا لم تتحسن المالية العمومية وإيقاف النزيف الذي يرهقها بما يعني أن رؤية رئيس الحكومة في المرحلة المقبلة هي التعويل على الأجراء والذهاب إلى الموظفين والعمال والمتقاعدين لحل المشاكل المالية للدولة في الوقت الذي لا نجد فيه حديثا عن العدالة الجبائية ولا خطابا عن التهرّب الضريبي أو اجراءات بحق أصحاب الثروة من الذين لا يدفعون مستحقات الدولة عليهم. ما يمكن ملاحظته في الاستراتيجية الاتصالية التي اعتمد عليها الفخفاخ في الإجابة على أسئلة محاوره هو استعماله أسلوب المناورة وإعداد الطرف الاجتماعي لحوار مقبل يكون في صالح الحكومة من خلال مساومة الاتحاد وتخييره بين القبول بإصلاح المؤسسات العمومية في اتجاه إعادة هيكلتها بما يعني تفويت وخصخصة مقننة وغير معلنة والقبول بالتوقف عن الانتدابات في الوظيفة العمومية بدعوى أن كتلة الأجور مرتفعة جدا ولم تعد تتحملها الميزانية وإصلاح الصناديق الاجتماعية بالصيغة التي تريدها الحكومة وفق مقاربة تم جلبها من فكر نظام بن علي. إما القبول بكل هذا وإما التقليص في أجور الموظفين ورواتب المتقاعدين وتخلي الدولة عن التدخل في الكثير من القطاعات العمومية. ما أردنا قوله هو أن الحديث الذي قاله رئيس الحكومة حول عدم استعداد الحكومة مواصلة سياسة الزيادة في الأجور بداعي عدم قدرة الميزانية على تحمل مفاوضات اجتماعية تزيد من إرهاق الموازنة العامة وحديثه عن صعوبات مالية تحول دون قدرة الدولة على خلاص مزوديها وحديثه عن توقف الدولة عن السير في الطريق الخطأ في إشارة إلى ما اعتبره نزيفا ماليا ينخر الدولة وحديثه حالة من التسيب العام يحكم البلاد وحديثه عن ضرورة الشروع في برنامج انقاذ مالي واقتصادي من خلال التحكم في نفقات الدولة والتوقف عن التداين الخارجي والتعويل عن الموارد الذاتية هو كله حديث موجه إلى الطرف الاجتماعي ورسالة واضحة تقول للإتحاد العام التونسي للشغل إما أن تقبل برؤيتي هذه وإما الذهاب نحو التضحيات المؤلمة والتوجه نحو الموظفين والعمال والمتقاعدين واتخاذ اجراءات تقلص وتنقص من أجورهم الشهرية ورواتبهم. هذه هي المعركة الحقيقية المقبلة التي سيشهدها المجتمع التونسي وهذه هي التحديات التي سوف يواجهها الاتحاد العام التونسي للشغل في قادم الأيام وهذه هي معركة الطبقة الوسطى القادمة تجاه ما يمكن أن تتخذه الحكومة من إجراءات في مواجهة مطالب الاتحاد وفي سبيل أن تجد الحكومة الموارد المالية لتعبئة ميزانية الدولة .. إنها معركة اجتماعية بامتياز ومعركة من أجل ضمان الحياة وتأمين العيش ومن أجل البقاء والتواجد.