أدلى رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ مساء أمس الأحد 14 جوان 2020 بحوار تلفزي وإذاعي (قناة التاسعة وإذاعة موزايك) قدم خلاله تقييما للوضع الصحي والإجتماعي والإقتصادي العام بالبلاد وأهم ملامح خطة الإنعاش الاقتصادي التي تعدها الحكومة. وأكد رئيس الحكومة أن تونس إنتصرت على إنتشار الكورونا وانه يحق للشعب التونسي أن يعتز بما أنجز و بمساهمته في هذا النجاح من خلال احترام الاجراءات الاستثنائية التي أقرتها مختلف اجهزة الدولة، مضيفا أن هدف الحكومة كان اساسا المحافظة على صحة كل التونسيات والتونسيين وتجنيب البلاد السيناريو الأسوء.
وأضاف أنه منذ إقرار الحجر الصحي الشامل، تم اجلاء أكثر من 25 ألف تونسية وتونسي، تكفلت الدولة بأعباء إقامتهم في النزل خلال فترة الحجر الصحي الإجباري، مؤكدا في ذات السياق أن السياح الوافدين على تونس سيخضعون بدورهم للإجراءات الصحية المضمنة في البروتوكول الصحي.
وأكد الفخفاخ، أنه تم إعتماد شرائح الهواتف الجوالة من خلال "قاعة العمليات"، خلال فترة الحجر الصحي الشامل، لمراقبة ومتابعة تجمعات المواطنين في صورة وجودها ومدى التزامهم بالحجر الصحي، وذلك في إطار اجراءات الحماية والتوقي من إنتشار عدوى الفيروس، حسب قوله.
وبين أن "هيئة النفاذ إلى المعلومة صادقت على إجراء مراقبة أماكن تجمع التونسيين عبر شرائح الهاتف الجوال خلال فترة الحجر الصحي الشامل، ولم نفعل أي شيء خارج القانون وقمنا بهذا الإجراء تحت إشراف هيئة حماية المعطيات الشخصية".
و في ما يتعلق بالتداعيات المادية للكورونا أكد رئيس الحكومة ان الدولة رصدت 550 مليون دينارا إضافية للاعانات الاجتماعية لفائدة الفئات الهشة وفاقدي السند وضعاف الحال، بالاضافة الى كل الاعباء المالية التي تقتضيها اجراءات البطالة الفنية للمحافظة على مواطن الشغل ودعم المؤسسات وحمايتها، كما ابرز ان نسبة النمو بنهاية السنة الحالية ستتراجع و تقدر وفق اخر تقييم ب 4،3- بالمائة وهي نسبة مرجّحة لمزيد التفاقم بالنظر لتراجع النمو لدى كل شركائنا.
وشدد إلياس الفخفاخ على أن نسبة المديونية تجاوزت اليوم كل المؤشرات المسموح بها دوليا و أصبحت تهدد سيادتنا الوطنية، لذلك اتخذت الحكومة قرارا بعدم اللجوء للتداين الخارجي والتعويل على موارد الدولة الخاصة وان كلّ ما سيطرأ من مصاريف جديدة لن يتمّ تمويله عبر القروض الخارجية، مضيفا ان الدولة ستفي بالتزاماتها تجاه الشركات والمؤسسات وسيتم تسديد مبلغ 2500 مليون دينار هذه السنة من مجمل ديونها تجاهها و المقدرة 8500 مليون دينار.
واوضح أن الدولة قامت بتعبئة حاجيات لميزانية 2020، مشيرا إلى أن الوضعية الحالية للمالية العمومية تقتضي الإسراع بإيجاد حلول عاجلة بالتشاور مع كل الشركاء والمنظمات الاجتماعية وعلى رأسهم الاتحاد العام التونسي للشغل، وذلك عبر طرح كل الملفات الحارقة على طاولة الحوار في كنف الشفافية والوضوح والمصارحة مع ضرورة الالتزام بكل الاتفاقيات السابقة وتبويب أولويات البلاد العاجلة.
من جهة أخرى، اعتبر الفخفاخ أن مسار العدالة الإنتقالية لم يحقق الهدف الذي بعث من اجله، لا سيما فيما يتعلق بملفّ الأملاك المصادرة، مبرزا في هذا الإطار أن رئيس الجمهورية، وبالتشاور مع رئاسة الحكومة سيطرح تصوّرا في هذا الشأن في شكل مبادرة تشريعية، مؤكدا ضرورة إنهاء الإفلات من العقاب وإغلاق ملف العدالة الانتقالية للتفرغ للقضايا الاقتصادية والاجتماعية الحارقة.
وحول العلاقة داخل الائتلاف الحكومي، أوضح رئيس الحكومة انه يستثمر في بناء الثقة بين مختلف مكوناته، وانه في تنسيق وتشاور دوري مع أحزاب الإئتلاف، وان اختلفت وجهات النظر حول بعض المسائل، فان الحوار بين مؤسسات الدولة والانسجام فيما بينها هو الخيار الذي يمكن الجميع من إيجاد صيغ توافقية وقانونية كفيلة بتجاوز الاختلافات والبناء على المشترك الذي ينفع الناس. مذكرا أن الحكومة نالت التفويض في إصدار مراسيم وهذه سابقة ودليل قطعي على الثقة المتبادلة بين مؤسسات الدولة.
وبخصوص علاقته براشد الغنوشي قال الفخفاخ، إن هناك إختلاف في وجهات النظر بينه وبين رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، مشدداً على على عدم وجود قطيعة بينهما.
وقال الفخفاخ إن النهضة شريك في الحكم رغم أنها لم ترشحه لرئاسة الحكومة، مشيرا إلى أنه يسعى لإيجاد توافقات وتعزيز الإنسجام داخل الإئتلاف الحكومي من أجل مصلحة تونس والتونسيين، وفق تعبيره.
وبين الفخفاخ أن الإئتلاف الحكومي يحقق حالياً نجاحاً وهو ما لا يتطلب القيام بأية تحويرات خلال الفترة القادمة، في إشارة إلى دعوة النهضة إلى توسيع الإئتلاف بوزراء عن حزب قلب تونس.
في سياق متصل أكد الفخفاخ أن رئيس الجمهورية قيس سعيد لم يطلب منه اي طلب منذ تكليفه برئاسة الحكومة وقيادة مشاورات تشكيلها، وأشار في رده على إمكانية تقديم لائحة سحب ثقة في صورة عدم قبوله بضم حزب قلب تونس إلى الحكومة، إلى أن مشاركة الحزب الثانى في الانتخابات في الحكومة بدعة سياسية.
وأفاد بأن لديه حاليا ائتلاف يمثل كل العائلات السياسية على اختلاف مشاربها ولا يرغب في توسيع قاعدته البرلمانية اذا كانت هذه الغاية من إلحاق قلب تونس.
في سياق آخر أكد الفخفاخ أنه أبلغ الإتحاد العام التونسي للشغل بأن وضعية المالية العمومية للبلاد حرجة جدا وأن الوضع الإقتصادي صعب جدا، محذرا من أنه في حال عدم التراجع عن ما وصفه بالطريق الخاطئ وإيقاف النزيف، قد يتم التقليص في أجور الوظيفة العمومية وقد تعجز الصناديق عن دفع جرايات المتقاعدين أو التقليص منها.
وفي سياق متصل، أكد رئيس الحكومة أنه لا مجال للحديث عن زيادات في الأجور خلال الفترة القادمة نظراً للصعوبات الإقتصادية التي تمر بها البلاد.
وأبرز الفخفاخ ان الحكومة نجحت في الصمود في مواجهة الكورونا وحافظت على أكثر من 500 ألف موطن شغل ورافقت حوالي 11 ألف مؤسسة تضررت جراء الوباء، مؤكدا ان المرحلة القادمة سيكون عنوانها الابرز هو الشروع في إصلاحات جوهرية خاصة فيما يتعلق بإصلاح المؤسسات العمومية الاستراتيجية، على غرار الخطوط التونسية والشركة التونسية للكهرباء والغاز والشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه وغيرها، مشددا على انه لن يتم اللجوء الى الخوصصة بل ان الدولة ستلعب دورها خاصة في مراجعة طريقة حوكمة وادارة هذه المؤسسات وتخليصها من البيروقراطية التي تقتل روح الاجتهاد والمبادرة.
وتطرق رئيس الحكومة في ختام الحوار إلى أولويات الحكومة، والمتمثلة في مواصلة الحرب على الإرهاب ومكافحة الفساد خاصة منه الفساد السياسي، مضيفا ان الحكومة تضع كل الإمكانيات على ذمة القضاء الذي لن يجد من الحكومة إلا الدعم في فتح كل ملفات الفساد، ضدّ أيّ طرف كان.