تفاعلا مع مقال الصديق الشيخ صلاح الدين المستاوي الذي نشر مقالا في "الصريح أون لاين" تساءل فيه عن أسباب غياب رؤية المرحوم الشاذلي القليبي للإسلام التنوير في الأربعينّة. وبعد أن تصفحتُ الكتيّب الأنيق في إخراجه الدسم في محتواه الذي أعِدّ بمناسبة أربعينيّته ما عدا بعض النشاز الذي لا يخلو منه عمل بشري والذي لا يرجع للمشرفين على الأربعينيّة الذين أعدّوا لها وقدّموها باقتدار وأخص بالذكر الأستاذ" الشاذلي بن يونس" الذي كان حضوره الركحي ممتازا مع انسجام تام مع المنشّطة الإذاعيّة. أمّا في ما يخصّ المرحوم الشاذلي القليبي ورؤيته للإسلام فإنّي أقول لصديقي "صلاح الدين" أنّ الأربعينيّة ليس نهاية الحديث عن الشاذلي القليبي ومآثره بل هي بداية يجب أن تتواصل بأقلام الباحثين و الدارسين المطّلعين على ما تركه لنا المرحوم الشادلي القليبي من تراث شخصي لا المتطفّلين والذين لا يغيبون عن مناسبة. وإنّي بكلّ تواضع سأقف عند جانب هام من رؤية الشاذلي القليبي للإسلام وأرجو أن ينسج غيري على هذا المنوال عسى أن نجمع حصيلة نستطيع من خلالها أن نبرز رؤية متكاملة لآراء القلبي في الإسلام كان الشاذلي القليبي مسكون بوضع الأمّة العربيّة قبل تقلّده الأمانة العامة لجامعتها وقد عبّر عن هذا الانشغال في مقال له بعنوان هل نحن أمّة ذكّر فيه بما آلت إليه أوضاع الأمّة العربيّة من فرقة وتشتّت وتأخّر في جميع الميادين وخاصة في التنميّة الضرورّة لكلّ تقدّم وبعد أن عدد الأسس الصحيحة لتنميّة شعوبنا وفسّر أنّ فشل التنميّة في دولنا العربيّة سببه أنّها تنميّة مستوردة ولا تنسجم مع عاداتنا وتقاليدنا .أكّد على أنّ الإسلام يجب أن يعدّ من الأسس التي يجب أن لا تغيب عند التفكير في إنماء هذه الأمّة لكن أيّ إسلام يراه الشاذلي القليبي قادر على المساهمة في النهوض بالأمّة؟ ويأتينا الجواب الذي يبرز رؤية القليبي للإسلام. يرى القليبي أنّنا لسنا بحاجة إلى استيراد قيم ومبادئ لنغيّر ما بأنفسنا وما بمجتمعاتنا فتراثنا الأخلاق والحضاري كفيل بذلك لكن ليتسنّى لحضارتنا أن تستعيد إشعاعها لابدّ أن يكتمل اجتهاد أبنائها بصحيح الفقه لدينهم وما جاء به ليتمّم "مكارم الأخلاق" ولا تكون حضارتنا على هذا النحو من الإشراق حتّى ينظر أبناؤها إلى الإسلام نظرات متآلفة غير متنافرة حتى يجتمعوا على كلمة سواء بينهم وهذا يستلزم حركيّة فكريّة وأريحيّة أخلاقيّة وسماحة سلوك هي من لبّ الإسلام كما نهج له القرآن والسنّة واجتهاد ألي الفضل والعزم وإنّما بذلك ندحض عن ديننا الحنيف ما يتوجّه إليه من تهم هو منها براء :من أنّ الإسلام دين جمود بينما القرآن يدعو للتدبّر وإعمال العقل في شؤون الدنيا وفي أمور الدين ومن أنّ الإسلام دين شطط في حين أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يخيّر بين أمرين إلّا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما ومن أنّ الإسلام دين تزمّت تمسّك بالشكليات ويهمل اللبّ الروحاني بينما القرآن والسنّة يحلّان النيّة المحلّ الأوّل في تقيّم أعمال البشر ويجعل النبّي تزكية النفوس وتطهيرها من كلّ الأحقاد والأهواء الجهاد الأكبر ومن أنّ الإسلام دين عنف بينما القرآن يؤكّد أن لا إكراه في الدين ومن أنّ الإسلام معطّل للحركة العلميّة بينما الأحاديث النبويّة تشدّد على ضرورة طلب العلم –ولو في الصين- ومن أنّ الإسلام دين يُعرض على شؤون الدنيا بينما هو يدعو المؤمن إلى العمل لدنياه كأنّه يعيش أبدا ويجعل الكدّ فوق نوافل العبادات. هذه حقيقة الإسلام التي يجب أن يعمل بها كلّ المسلمين ولن يفلحوا في تغيّر صورة الإسلام لدى الأمم بمجرّد الكلام والحجّة ولكن بتغيّر ما بأنفسهم وما بمجتمعاتهم حتّى تكون صورة الإسلام مشرقة حقّا بإشراق صورة المجتمع الإسلام فعلا. هذه الرهانات العظمى التي تُدْعى إليها أمّتنا ومن أهمّ تلك الرهانات ما يتعلّق بالإسلام وحسن الاجتهاد في الملاءمة بين قيمه ونواهيه وبين أوضاع المجتمع لأنّ ما يهمّ الإسلام هو إعلاء شأن يعني أمّتنا بالدرجة الأولى لأنّ أمّتنا تستشعر بذلك عزّ الحقّ وتنبذ عن أبنائها ذلّ اليأس وما في الباطل من ذلّة وما في الجهل من قلّة ولأنّها بالسعيّ لما هو أفضل وبالاجتهاد في أمور الدنيا نكون بحقّ خير أمّة أخْرِجَتْ للناس . وفي هذا فليتنافس المتنافسون