وصل الأمريكيون بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 الى مرحلة متقدّمة جدا من الشك القاتل، فسقطوا في دهاليز الشعوذة، وعادوا الى اجترار أمثلة طوطمية قديمة، وأكثر اثارة ذاك المثل القديم القائل «ان الربّ، يحفظ السكارى والأطفال والولايات المتحدة» وان المتابع للجدال المضطرم في الأوساط السياسية والفكرية والإعلامية الأمريكية، يتأكد بيسر من عودة بلد العم سام الى هواجسه القديمة، الموغلة في اللاعقلانية، نتيجة سيطرة الانجيليين، والمحافظين المتطوفين على معاقل الفكر والدين في المجتمع الأمريكي، فقد استنجد العديد من أفراد هذا المجتمع ببعض المعتقدات القديمة، ومن أهمها انهم كانوا محظوظين في اختيار القيادات التي تولت الحكم في الفترات الحرجة من تاريخ بلادهم، فالحظ كان قد حالفهم عندما أعلن المؤسسون الاستقلال في مدينة فيلادلفيا سنة 1776، ويوم أصبح جورج واشنطن أول رئيس للولايات المتحدة، بعد أن رفض السلطات الملكية التي عرضت عليه ليختار النظام الجمهوري، كذلك الشأن يوم تم انتخاب ابراهام لنكولن، والبلاد قد أوشكت على التفكك، فتوصل بحكمته وشجاعته الى انقاذها من أزمة خطيرة، نفس الحظ رافقهم يوم واجه فرانكلين روزفلت تحديات الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي برباطة جأش، ثم جاء هاري ترومان ليدير الحرب الباردة بكفاءة عالية، حتى حلّ ركب الممثل السينمائي رونالدريغن لإنهاء تلك الحرب واسقاط المعسكر الاشتراكي. لكن هذا الحظ توقف فجأة يوم صعد جورج بوش الصغير الى سدة الحكم بفارق خمس مائة وسبعة وثلاثين صوتا فقط على منافسه آل غور في واقعة فلوريدا المشبوهة! يقول الكاتب مايكل هيرش عن سوء الحظ الذي حلّ بأمريكا في عهد بوش الصغير:«عندما كانت حاجتنا لاتقتصر فقط على الرغبة في استخدام القوة العسكرية بل كنا بحاجة الى قائد يتمتع بذكاء حقيقي، قائد يدرس بعناية عدوا لانعرف عنه الكثير، كان جورج بوش الصغير يتباهى بأنه تلميذ رديء في دراسته إبان الصبا» ويضيف: «ليس من المستغرب انه لم يترأس ابدا جلسة لفهم طبيعة تنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن، وانتهى به الأمر الى أن وضع صدام حسين وجميع المسلحين الإسلاميين و الجماعات الارهابية في سلّة واحدة، ونتيجة لتلك السياسة الرعناء غدت مجموعة هامشية صغيرة كان بالإمكان محوها من الوجود لو تم التركيز عليها، منتشرة في جميع أنحاء العالم. وفي ذلك الوقت عندما كنا بحاجة الى قائد عالمي يتفهم مسألة تقاسم الأعباء في النظام العالمي الجديد، رمانا سوء الحظ برئيس يتصرف كرعاة البقر ولكنه يمتلك قبعة الرعاة ويفتقد لقطعانهم»!!! مع رحيل جورج بوش الصغير وحلول الفتى الأسمر باراك أوباما تجدد الحلم الأمريكي في عودة الحظ الذي كان لهم نصيرا في العديد من حالات الشدّة، وقد يكون الرب قد استجاب الى تضرعاتهم فألهمهم القدرة على التخلص من عدوّهم الأكبر اسامة بن لادن! لكن هل هي ضربة حظ عابرة أم ستتالى مثيلاتها بعد أن هدّد تنظيم القاعدة بالثأر لدم زعيمه؟