اتحاد الفلاحين.. أضاحي العيد متوفرة والأسعار رغم ارتفاعها تبقى " معقولة "    انتشال 4 جثث آدمية واحباط عمليتي "حرقة" من صفاقس..    ذهاب نهائي ابطال افريقيا.. التشكيلة الاساسية للترجي والاهلي    عاجل/ ضبط 6 عناصر تكفيرية مفتّش عنهم في 4 ولايات    منوبة: الاحتفاظ بصاحب كشك ومزوّده من أجل بيع حلوى تسبّبت في تسمم 11 تلميذا    قريبا: اقتناء 18 عربة قطار جديدة لشبكة تونس البحرية    النجم الساحلي يمرّ بصعوبة الى الدور ربع النهائي    مديرو بنوك تونسية يعربون عن استعدادهم للمساهمة في تمويل المبادرات التعليمية في تونس    الهيئة الإدارية للاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس تدعو إلى عقد مجلس وطني للمنظمة خلال سبتمبر القادم    قريبا.. الحلويات الشعبية بأسعار اقل    الوطن القبلي.. صابة الحبوب تقدر ب 685 ألف قنطار    تسمّم تلاميذ بالحلوى: الإحتفاظ ببائع فواكه جافّة    افتتاح معرض «تونس الأعماق» للفنان عزالدين البراري...لوحات عن المشاهد والأحياء التونسية والعادات والمناسبات    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    عاجل : مسيرة للمطالبة بإيجاد حلول نهائية للمهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء    شبهات فساد: الاحتفاظ بمعتمد وموظف سابق بالستاغ وإطار بنكي في الكاف    سبيطلة : القبض على مجرمين خطيرين    قابس: نقل 15 من تلاميذ المدرسة الاعدادية ابن رشد بغنوش بعد شعورهم بالاختناق والإغماء    المهرجان الدولي للمشمش بحاجب العيون في دورته الثانية ...مسابقات وندوات وعروض فروسية وفنون شعبية    قراءة في أعمال ومحامل تشكيلية على هامش معرض «عوالم فنون» بصالون الرواق .. لوحات من ارهاصات الروح وفنطازيا الأنامل الساخنة    مصر: رفع اسم أبوتريكة من قائمات الإرهاب والمنع من السفر    كرة اليد: الاصابة تحرم النادي الإفريقي من خدمات ركائز الفريق في مواجهة مكارم المهدية    صفاقس اليوم بيع تذاكر لقاء كأس تونس بين ساقية الداير والبنزرتي    عاجل/ القصرين: توقف الدروس بهذا المعهد بعد طعن موظّف بسكّين امام المؤسسة    تحذير: عواصف شمسية قوية قد تضرب الأرض قريبا    محيط قرقنة مستقبل المرسى (0 2) قرقنة تغادر و«القناوية» باقتدار    وزارة الصناعة : ضرورة النهوض بالتكنولوجيات المبتكرة لتنويع المزيج الطاقي    بنزرت: جلسة عمل حول الاستعدادات للامتحانات الوطنية بأوتيك    مدير عام الغابات: إستراتيجيتنا متكاملة للتّوقي من الحرائق    تضم منظمات وجمعيات: نحو تأسيس 'جبهة للدفاع عن الديمقراطية' في تونس    الحماية المدنية: 8 وفيّات و 411 مصاب خلال ال 24 ساعة الفارطة    ليبيا: إختفاء نائب بالبرلمان.. والسلطات تحقّق    هذه القنوات التي ستبث مباراة الترجي الرياضي التونسي و الأهلي المصري    والدان يرميان أبنائهما في الشارع!!    ضمّت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرا في السينما العربية في 2023    طقس اليوم: أمطار و الحرارة تصل إلى 41 درجة    ألمانيا: إجلاء المئات في الجنوب الغربي بسبب الفيضانات (فيديو)    قانون الشيك دون رصيد: رئيس الدولة يتّخذ قرارا هاما    إنقاذ طفل من والدته بعد ان كانت تعتزم تخديره لاستخراج أعضاءه وبيعها!!    جرجيس: العثور على سلاح "كلاشنيكوف" وذخيرة بغابة زياتين    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    مدرب الاهلي المصري: الترجي تطور كثيرا وننتظر مباراة مثيرة في ظل تقارب مستوى الفريقين    الكاف: انطلاق فعاليات الدورة 34 لمهرجان ميو السنوي    منوبة: إصدار بطاقتي إيداع في حق صاحب مجزرة ومساعده من أجل مخالفة التراتيب الصحية    كاس تونس لكرة القدم - نتائج الدفعة الاولى لمباريات الدور ثمن النهائي    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    نحو 20 بالمائة من المصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم يمكنهم العلاج دون الحاجة الى أدوية    تضمّنت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرًا في صناعة السينما العربية    القدرة الشرائية للمواكن محور لقاء وزير الداخلية برئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    معلم تاريخي يتحول إلى وكر للمنحرفين ما القصة ؟    غدا..دخول المتاحف سيكون مجانا..    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يدعم انتاج الطاقة الشمسية في تونس    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بول ماري دي لاغورس ل «الشروق»: الأسباب التي فسّرت الحرب هي نفسها التي تفسّر بقاء القوات الأمريكية في العراق
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005


تونس «الشروق»
في حديثه مع «الشروق» تناول المؤرخ الفرنسي بول ماري دي لاغورس اوضاع العرب والعالم بعد العدوان على العراق واحتلاله... تحدّث عن المقاومة العراقية وعن الاوضاع الاستراتيجية المحيطة بالعراق، وهو الذي زار العراق ودول المنطقة وكذلك الولايات المتحدة الامريكية... والتقى المسؤولين في هذه الدول.. تحدّث ايضا عن صراع العرب مجددا من أجل الحرية والانعتاق الوطني...
بول ماري دي لاغورس، هو ايضا مؤلف عدة كتب في التاريخ والعلاقات الدولية، تناول الحرب العالمية الثانية والمقاومة الفرنسية ومؤخرا العلاقات بين ضفتي الأطلسي وهيمنة القطب الواحد... دي لاغورس من الأعلام الغربية المتعاطفة مع العرب وقضاياهم، وهو المقاوم الديغولي التوجه...
* لننطلق من الأحداث الآنية، فكيف ترون اعتقال الرئىس صدام حسين؟
نعم لقد كان من الصعب جدا عليه ان يظل في الخفاء لقد كانت لنا تجربة مماثلة في فرنسا، اذ ان العديد من اهم قيادات المقاومة الفرنسية، تم اعتقالها مثل جان مولان (Jean moulin) ، ممثل الجنرال ديغول في فرنسا والمسؤول بعده مباشرة عن تنسيق المقاومة فالمقاومة الفرنسية كانت تتشكل في خلايا وتنظيمات متعددة في كامل انحاء بلد ممتد الارجاء مثل فرنسا. بالعكس فإن الرئيس صدام حسين، ظل كما رأينا جميعا بعد توقف الحرب في المنطقة التي تنحدر منها عائلته، وكان من الواضح ان الاستخبارات الامريكية ركّزت جهودها في هذه المنطقة حيث الامكانيات الواسعة للتخفي واعتقد ان ذلك له مدلول هام جدا، وهو انه على المقاومة العراقية ان تتوسع لتشمل كامل البلاد وان على قاعدتها ان تكون اوسع حتى يكون بإمكان قادة المقاومة ان يجدوا الدعم اللوجستي بمختلف انواعه في كامل البلاد وليس في منطقة محدودة. ولكني اعتقد ان اعتقال الرئىس العراقي لن يغيّر بصفة جذرية من وضعية المقاومة العراقية، ففي الحقيقة المقاومة التي ظهرت في هذه المنطقة وهي هامة جدا ونشيطة جدا ايضا ولكنها ليست سوى مكوّن من مكوّنات المقاومة العراقية، التي تتشكل من مجموعات وتوجهات عديدة ومنقسمة هناك المقاومة السنية وخاصة في المنطقة التي ينتمي اليها الرئىس العراقي وهي هامة وترتكز على التركيبة القديمة لحزب البعث ولكن المهم من المقاومة العراقية هو خارج تلك المنطقة وهي الممثلة في الجيش العراقي المنحلّ، فعندما توقفت العمليات العسكرية لم يقع عسكريون في الاسر، بل ان الجنود وصغار الضباط عادوا الى بيوتهم وتمكنوا من اطلاق المقاومة. لقد حملوا معهم اسلحتهم الخفيفة والبعض من الاسلحة الجماعية التي تستعمل في المدفعية مثل القذائف المدفعية والآر.بي.جي والصواريخ المحمولة على الكتف والصواريخ المضادة للمروحيات. ويمكن ان نضيف الى هؤلاء المجموعات القادمة من الخارج ويتشكلون من جنسيات عديدة، وهم عادة من انصار التيار الذي ينتمي اليه تنظيم القاعدة وهذه المجموعات ناشطة ولكنها ليست مؤثرة في المقاومة العراقية وهناك ايضا ما يحدث في صفوف الشيعة وهم منقسمون حسب تنظيمات مختلفة، وفي البداية كانوا منخرطين في المقاومة السياسية لتجسيم حقوق الشيعة باعتبار تفوقهم العددي في العراق ولكن تنظيمات هذه الطائفة بدأت بعد ذلك بالانخراط في المقاومة العسكرية مثل تنظيم الإمام مقتدى الصدر، وايضا التنظيمات التي تدعمها ايران، وهي حساسة للسياسات الايرانية الحذرة إزاء العراق. هذه التنظيمات ادركت اليوم ان المقاومة انطلقت وانه اذا كانت لا تريد ان تكون هامشية فإنه عليها ان تساهم في المقاومة. وفي المحصلة فإن الجيش العراقي هو اساس المقاومة الحالية في العراق.
* لماذا لا ينخرط الشيعة تماما في المقاومة العسكرية حتى الآن حسب رأيكم؟
هذه الطائفة، ومنذ 1991 حين وقع صِدَام بينها وبين حكومة الرئيس صدام حسين هي معادية له اما وقد تم اعتقال الرئيس صدام حسين فاعتقد ان وحدة المقاومة العراقية سوف تحصل ولكن لا ينبغي ان نعتقد ان ذلك سيتم بصفة آلية. فالمقاومة تشقها خلافات عديدة، وهي خلافات يصعب تجاوزها بسهولة، ولكن اعتقد انه في محنة التخفي والعمل السري، فإنه سيحدث تقارب بين ممثلي كل هذه الطوائف والجماعات، واعتقد ايضا انه سيكون بالامكان تقييم اهمية ونوعية تنظيمات المقاومة العراقية، انطلاقا مما تقوم به من عمليات وأنشطة فعندما تتم مهاجمة مدرعات عسكرية او آليات وخاصة المروحيات وعندما يتم نصب كمائن او الهجوم على مقرات او قوافل عسكرية فإننا سندرك ان الجيش العراقي هو وراء هذه العمليات فعناصره مدربة على ذلك...
اما عندما يتعلق الامر بعمليات استعراضية مثل تلك التي استهدفت مقر الصليب الاحمر او منظمة الأمم المتحدة وهي تؤدي الى سقوط ضحايا مدنيين فإن ذلك هو من عمل المجموعات القادمة من الخارج والتي لا تتردد في اسقاط ضحايا وإحلال الخسائر الواسعة، كما رأينا في تفجيرات نيروبي ودار السلام، وغيرها من الاعتداءات.
* الا تعتقدون انه بحديثكم عن مجموعات مقاتلين قادمة من الخارج انّما تدعمون وجهة النظر الامريكية القائلة بأن المقاومة هي صنيعة القادمين من الخارج، اي «الارهابيين» وليست متأتية من العراقيين وهل تعتقدون انه لو امكن للامركيين اعتقال اي من هؤلاء المقاتلين، لفعلت ولبنت عليه دعاية واسعة، ولكن ذلك لم يحدث بما يؤكد اذن خلوّ العراق من هؤلاء فما هو رأيكم؟
مصالح الاستخبارات الامريكية في العراق تدّعي ان النسبة الأهم ضمن المقاومة العراقية هي لأنصار الرئىس العراقي صدّام حسين، والاعضاء القدامى لحزب البعث، والمجموعات القادمة من الخارج واذا كانت هذه النظرة صحيحة فإن اسر الرئيس صدام حسين سيوجه ضربة قاضية للمقاومة العراقية التي ستنتهي ولكني اعتقد ان هذه النظرة خاطئة انطلاقا مما نراه من مقاومة.
* ماهي الرسائل التي حملها حسب رأيكم بث صور معيّنة للرئىس صدام حسين، وهو في الاسر؟ ماذا اراد الامريكيون ان يبلغوا؟
لم افاجأ ببث صور الاسر تلك ففي الحقيقة الامريكيون ارادوا من خلال ذلك ان يظهروا قوتهم التامة وانتصارهم الساحق. وان «عدوهم» قد تم سحقه تماما، وانه ليس سوى «شيئا» بين يديهم، وان كل ما يرتبط بهم ليس سوى اسطورة انتهت وان الصفحة قد انطوت تماما انهم يأملون ذلك من خلال بث تلك الصور. وفي حقيقة الامر فتلك هي ممارسات الامريكيين على مر العصور، انها حركة دعاية تم التفكير مليا في تفاصيلها قبل القيام بها. فقد كان الخيار هو محاولة الحط من غريمهم وتصويره من زاوية تكون نتيجتها توجيه الاهانة اليه والى ما يرمز له كما تبعث اليأس في قلوب كل من قد يأمل في امكانية ان يعود للعب دوره كما في السابق... وخاصة انهم يريدون ان يقولوا للعالم ان اعداء امريكا ينتهون بهذه الطريقة.
* الا تعتقدون ان الامريكيين بتقديمهم المسألة من هذه الزاوية انما يخطئون لأنه لا يمكن اختصار العراق والمقاومة في اسر رئيسه؟
طبعا، واعتقد ان المصالح الامريكية المختلفة، وعلى رأسها اعلى المسؤولين الامريكيين، يرتكبون خطأ كبيرا في أحكامهم حول طبيعة «أعدائهم» والظاهر انهم قد تجاهلوا في العراق بالذات الحسّ الوطني.
وقد لاحظت ذلك بنفسي في الولايات المتحدة الامريكية خلال زيارة هامة قمت بها الى هذا البلد قبل اندلاع الحرب ضد العراق وقابلت فيها عدة شخصيات بما في ذلك البعض ممن كانوا يعدون لتلك الحرب سواء سياسيا او عسكريا وقد كانوا يراهنون على دعم العراقيين كما كانوا يتحدثون صراحة عن الدعم الذي سيقدمه الشيعة للامريكيين، بل ان البعض منهم تحدث امامي عن «الحماس» المنتظر من قبل بعض الشيعة، ولم يكن هؤلاء يرغبون في اي لحظة من اللحظات الاستماع الى ما كنت اقوله لهم بشأن «الحقيقة الوطنية» في العراق. كنت اقول لهم ان العراق له تقاليد وطنية عميقة جدا ولكنهم كانوا يرفضون ذلك ولم يكونوا راغبين اصلا في تناول الموضوع من هذه الناحية. واعتقد انه في موضوع الرسائل التي وجهوها بصور الاعتقال انما بالغوا، في تصوير النتائج المحبطة لهذه الصور وهذه فرضية قائمة بدون شكّ بالنسبة لبعض العراقيين ولكن الامريكيين قد تجاهلوا بدون شك ردود الفعل الغاضبة والعنيفة والرافضة للامريكيين وهي مواقف اغلب العراقيين، والعرب في كل المنطقة...
* عند اسر الرئىس العراقي جدد الفاتيكان موقف البابا من الحرب ضد العراق والتي اعتبرها غير اخلاقية حتى واذ تم اعتقال الرئىس العراقي فإن هذه الحرب تظل ايضا غير اخلاقية فكيف ترون انتم كمؤرخ محاولات شيطنة الرئىس العراقي وتقديمه الى محاكمة بالضرورة ستكون غير عادلة، في اطار اعتبرت فيه كل المرجعيات المحترمة في العالم، ان تلك الحرب هي غير اخلاقية؟
ان الامر يتعلق من وجهة النظر الامريكية بإبراز كل ما هو سيء في فترة حكم الرئىس صدام حسين وهم يعملون على تجميع وتأكيد نتائج «ديكتاتوريته» على العراقيين لتكون اساس تلك المحاكمة ولا اعتقد انه ينبغي اعطاء المسألة ابعادا اخرى على المستوى القضائي او الاخلاقي. المسألة سياسية ولا اعتقد انها ستقع اصلا سواء في محكمة وطنية بالعراق او محكمة دولية خارج العراق. الرئىس الامريكي جورج بوش هو الذي سيقرر!
* خلال المحاضرة التي القيتموها في الندوة الفكرية لهيئة المحامين قلتم ان ميزانية الدفاع الامريكية ما فتئت تتصاعد وانها ستبلغ 450 مليار دولار سنة 2005، فمن هم أعداء الامريكيين مستقبلا ولماذا ترتفع ميزانية الحرب؟
الرئىس الامريكي بوش عرّف بوضوح الحرب التي انخرطت فيها الولايات المتحدة الامريكية في خطابه مباشرة بعد الحادي عشر من سبتمبر ولعله من مزايا الرئىس الامريكي الحالي، انه يقول ما يفكّر فيه دون ادنى تردد وقد اوضح ان الحرب ستكون بدون نهاية وانه سوف تكون فيها مراحل مظلمة ومراحل ساطعة، وسوف تكون فيها نجاحات وصعوبات. ولم يقدم الرئيس الامريكي هذه الحرب على انها سلسلة من الانجازات والنجاحات السهلة. كما انه قد حدد خصوم الولايات المتحدة الامريكية حسب ثلاث طرق، الارهاب والدول التي تدعمه او تستضيف منظماته، وعلى نفس المستوى بعد ذلك، الدول التي تمتلك اسلحة الدمار الشامل او تنوي امتلاكها وكما نرى فإن هذه المسألة لا علاقة لها بحوادث الحادي عشر من سبتمبر. وثالثا، ينبغي ان نذكر ما قاله مباشرة بعد تلك الاحداث عندما اشار الى انه من ليس معنا فهو ضدّنا وذلك لا يعني بطبيعة الحال ان الولايات المتحدة الامريكية ستشن الحرب على كل الدول، ولكن من الواضح ان الرئىس الامريكي مصمم على القيام بتلك الحرب، على مختلف ابعادها السياسية والديبلوماسية والاعلامية والعسكرية والاقتصادية طبقا للحاجة في كل مرحلة وخاصة طبقا لمسارح العمليات واعتقد انها مسألة هامة جدا وقد اشرت الى المأزق الذي تردت فيه حرب الولايات المتحدة في أفغانستان، نعم أفغانستان كانت تستقبل مجموعة القاعدة، وهي بشكل ما مسؤولة عما حدث في سبتمبر 2001، وبالتالي فإن قرار التدخل في أفغانستان هو قرار معقول إلى حد ما، ولكن ذلك القرار وذلك المبرّر، لا يبرر تدمير المدن الأفغانية... ولكن هذه الحرب وما أثارته على الحدود بين أفغانستان وباكستان، ونشر قوات أمريكية بصفة دائمة في آسيا الوسطى، البعض منها بصفة علنية والبعض الآخر بصفة سرية، وقد رأيناهم بعد ذلك يرسلون قوات إلى اليمن وجيبوتي لحماية الطرق البحرية والجوية التي تؤدي إلى مسارح العلميات الأمريكية في الخليج ثم جورجيا حيث أن المصالح الأمريكية في القوقاز تفترض لحمايتها وجودا عسكريا اضافة الى الفلبين حيث هناك مخاطر لحركات متطرفة... اذن هناك اتساع مقصود لمسارح العمليات الأمريكية في مناطق مختلفة تماما، وليس بينها كما هو واضح رابط معيّن مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر لذلك نحن ازاء مأزق حرب، تواجهه الولايات المتحدة نتيجة لمنطق الحرب الذي أطلقته.
* وإزاء كل هذه التطورات، أين تضعون أوروبا؟
أوروبا، ترتبط على مستوى أغلب دولها مع الولايات المتحدة الأمريكية، بالحلف الأطلسي، وقد كانت لها مواقف مختلفة ازاء أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وبطبيعة الحال فقد عبرت كل هذه الدول عن تضامنها مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد تلك الأحداث... خلال حرب أفغانستان فإن كل الدول الأوروبية داخل الحلف الأطلسي أو خارجه قدمت دعمها العسكري للولايات المتحدة الأمريكية ولكن الأمريكيين لم يقبلوا بهذه المساعدة إلا من قبل بعض الحلفاء وليس كلهم. ثم بعد ذلك، وبشأن الأزمة الكبرى حول العراق، كان الموقف الأوروبي منقسما، فأغلبية الدول الأوروبية، دعمت الموقف الأمريكي، وفي طليعة هذه الدول بريطانيا، اضافة الى بعض دول جنوب أوروبا، وهي على الرغم من ذلك كانت متفهمة جدا للعلاقات مع الدول العربية وجنوب المتوسط... ثم الأعضاء الجدد في الاتحاد الأوروبي وهم أيضا أعضاء جدد في الحلف الأطلسي (دول شرق ووسط أوروبا) وبطبيعة الحال، فإن ذلك شيئا ينبغي الانتباه له، لأن هذه الدول تعتبر أن الحماية الأمريكية السياسية والاقتصادية والعسكرية ضرورية جدا. وهذا الوضع لن يتغير، وسوف يكون علينا أن نتأقلم مع هذا الوضع في أوروبا، السياسات الفرنسية تجاه هذه التطورات تأكدت يوما بعد يوم. وقد تدعمت بموقف المانيا وبالتفاف الشعب الألماني حول الآراء التي عبر عنها المستشار شرويدر، من هذه الحرب ثم بلجيكا التي كان لها موقف شديد، ثم اليونان، وقد قامت الدبلوماسية الفرنسية بجهد كبير من أجل اقناع روسيا وخاصة على مستوى التهديد باستعمال الفيتو، وكان الأمر صعبا بالنسبة الى الرئيس بوتين، لأنه لأسباب اقتصادية وسياسية (الشيشان) فإن روسيا تعرض نفسها الى مخاطر عديدة في اعتراضها على السياسات الأمريكية، ولكن ما قررته روسيا، كان انعكاسا للمبررات التي قدمتها الدبلوماسية الفرنسية، وهي أننا جميعا أمام فرصة نحتج فيها ونرفض فيها وجود قطب وحيد على الساحة الدولية، وهي فرصة للتقدم باتجاه ساحة متعددة الأقطاب الموقف الفرنسي الروسي أثّر في الموقف الصيني وقد دأبت الصين، عند طرح احتمال استعمال حق الفيتو على الامتناع عن التصويت. وهي لأول مرة تؤكد أنها ستستعمل الفيتو إذا ما طرحت الولايات المتحدة قرارها بشأن حرب العراق على المجلس.
* الموقف الفرنسي والذي تم التعبير عنه في كل المستويات باستقلالية كبيرة، ألا تعتقدون أنه يعكس خشية فرنسية من هيمنة أمريكية سياسية واقتصادية وعسكرية أيضا؟
فرنسا في وضعية معقدة جدا في علاقاتها إزاء الولايات المتحدة الأمريكية، وهي بلد قريب جدا من فرنسا. نتقاسم معه العديد من المبادىء، ومن ناحية أخرى هناك تداخل كبير بين الاقتصاديات الأوروبية والأمريكية، وبالتالي فإنه ليس من السهل على بلد أوروبي أن يعارض السياسات الأمريكية وحتما بالنسبة لفرنسا، باعتبارها بلدا قويا هي أيضا. وفي حقيقة الأمر فإن ذلك لم يحدث إلا بعد مرحلة طويلة جدا، حتى يكون بامكان الرأي العام الفرنسي أن يقتنع، بأنه لا مفر وإننا أمام قوة دولية وحيدة تؤثّر في العلاقات الدولية، وقد نشرت كتابا حول هذا الوضع الدولي الجديد يتسم بهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية عليه، وذلك سنة 1996. وكان ينبغي انتظار وقت طويل حتى يتم الاعتراف بهذه الفكرة من قبل الملاحظين أو رجال ا لسياسة. ومن ناحية أخرى ليس هناك مشكلة سباق تسلح بين فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، ففرنسا تمتلك ردعا نوويا ضد أي معتدي وبطبيعة الحال لن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بمهاجمة فرنسا البلد الأوروبي... أما في المجال الاقتصادي فإننا ننتمي إلى عالم، ترتبط فيه مصلحة هذا الطرف بمصلحة الطرف الآخر... إذن هذه العوامل لا يمكن القول إنها مساعدة أو معارضة لسياسة استقلال ازاء الولايات المتحدة سياسة الاستقلال هذه كانت دائما صعبة التنفيذ وهي هكذا الآن، كان الأمر كذلك في عهد الجنرال ديغول الذي أسسها، وكذلك بالنسبة لخلفائه وأريد أن أقول للأصدقاء في تونس، أن هناك تيارا واسعا في فرنسا ينتقد سياسة الاستقلال هذه، وهم يدعون إلى ضرورة التأقلم مع السياسات الأمريكية الدولية... وهذه المعارضة لا ترتبط بتيار سياسي معين.
* وحسب رأيكم لماذا يتعامل الأمريكيون بحساسية قوية ازاء رغبة الاستقلال الفرنسية هذه؟
إن ذلك من طبيعة القوى الكبرى، أو القوى الإمبرايالية وعموما فإن ذلك هو أيضا «دوار القوة والعظمة» (Le vertige de la puissance) أنا معجب بالأدب الأمريكي، وبطريقة الحياة الأمريكية،... ولكني أصاب بالدهشة كلما زرت هذا البلد، ازاء ما قلت إنه «دوار القوة»، أعتقد أن المواقف والتصرفات الأمريكية الحالية، يمكن أن تلخص في جملة قصيرة جدا وهي «لدي القوة، وهي ليست لديكم، وبالتالي سوف أستعملها»!
* تحدثنا عن بؤر توتر عديدة في العالم وفي كل هذه البؤر والأزمات تستعمل الولايات المتحدة الأمريكية، الخيار العسكري، بدون استثناء، متجاهلة الأسباب الحقيقية، الكامنة وراء أي بؤرة أو أي أزمة، فما هو رأيكم؟
نعم، هناك توجه لاستعمال القوة، كخيار وحيد من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وأعتقد أن ذلك يعود لسبب رئيسي، وهو امتلاكهم لكل عناصر القوة، ليس فقط على المستوى العسكري، بل أيضا الاقتصادي والمالي والسياسي والديبلوماسي... وحتى الغذائي... ولكن أعتقد أنه لا ينبغي علينا أن نقلل من تعقيد المشاكل التي تواجهها الولايات المتحدة وتتدخل فيها، هناك أبعاد سياسية لكل قضية، ينبغي أخذها في الاعتبار، ففي بعض القضايا مثلا، هناك خيط رفيع يفصلها عن الإرهاب وحتى بعض ردود الفعل العنيفة جدا من الولايات المتحدة الأمريكية، قد تكون عامل انقسام للمواقف على المستوى الدولي، كذلك عاملا يمس من مصداقية معارضة الهيمنة الأمريكية في العالم عموما، وهذا خطر كبير يواجه الذين يعتقدون بصدق في ضرورة تغيير موازين القوى على الساحة الدولية والإبتعاد عن الهيمنة الأمريكية.
* إذا ما عدنا إلى العراق ما هي الحلول التي قد تختارها واشنطن للخروج من المأزق العراقي والظاهر أن الانسحاب الأمريكي، لن يكون قريبا؟
الأسباب التي تفسر الحرب، هي نفسها التي تفسر بقاء القوات الأمريكية في العراق واحتلاله وهي السيطرة السياسية على هذا البلد، التي ينبغي أن تقنع من وجهة النظر الأمريكية كل الدول المجاورة للعراق، بأن واشنطن قادرة على تدمير أي نظام معاد لها، أما الأسباب الاستراتيجية، أي محاصرة ايران، ومحاصرة مجموعة سوريا لبنان وفلسطين... وكذلك السيطرة المباشرة للولايات المتحدة الأمريكية على مصادر الطاقة، التي تظل وسيلة ضغط أساسية على الآخرين، وخاصة المنتجين الكبار مثل المملكة السعودية وأعتقد أنه لفهم التمشي الأمريكي في العراق، ينبغي العودة الى ما حدث مباشرة اثر وقف العمليات العسكرية في العراق. لقد كان واضحا النية الأمريكية في تدمير مقومات الدولة العراقية الموحدة فقد كان بامكان الأمريكيين الحفاظ على الجيش العراقي مثلا، وايجاد مخاطبين أو شركاء في صفوفه... وكذلك الحفاظ على استمرار عمل الادارات الكبرى، واستقدام مجموعات جديدة فيها، ولكن كان تدمير واضح، ومادي لمقومات الدولة العراقية... والنتيجة هي وجود وضعية جديدة بصفة جذرية، وأعتقد أن الأمر لم يكن صدفة! ففي الحقيقة إن أغلب المسؤولين الأمريكيين يرفضون اقامة دولة عراقية موحدة مجددا، يرغبون في تقسيم البلاد على ثلاث مناطق على الأقل، واحدة للأكراد وأخرى للسنة وأخرى للشيعة، دون الأخذ في الاعتبار التداخل الحاصل في هذه المناطق بين مختلف هذه الطوائف والقوميات، وصعوبة تقسيم بلد اختلط فيه السكان، لعصور طويلة جدا. والنتيجة هي جعل العراق بدون دولة، انما تحرم الأمريكيين من السيطرة فعليا على هذا البلد...
ما الذي يمكنهم القيام به الآن، أعتقد انه بامكانهم ان يغيّروا سياساتهم، والتخاطب مع التيارات الفكرية والسياسية العراقية الحقيقية، وهؤلاء مشبعون بمشاعر الوطنية والقومية ولا اعرف مدى استعداد الامريكيين لاحداث مثل هذا الانقلاب في سياستهم. أما اذا لم يحدث ذلك، فانهم سيواصلون الاعتماد على الأكراد وعلى أجزاء من الشيعة، ولكن اعتقد ان ذلك لن يكفي للقضاء على المقاومة العراقية.
* هل تعتقدون انه سيكون هناك حضور عسكري امريكي في شكل قواعد في العراق، حتى اذا تم تسليم السلطة صوريا الى العراقيين؟
أعتقد ذلك، نعم اعتقد فعلا ان الامريكيين سيسعون الى ذلك، الولايات المتحدة اتخذت منذ حوالي أربعة أشهر قرارا بسحب قواتها من المملكة السعودية، وهم يعرفون ان ذلك البلد يواجه أزمة وهم بالتالي لا يريدون الانخراط مباشرة في ما سيحدث... واعتقد انهم سيعملون على دعم تواجدهم في دول الخليج الصغيرة.
* هذه النظرة الامريكية تجاه هذا البلد هل تعتقدون أنها قد تتطور باتجاه قراراته او اجراءات امريكية قد تغير المعطيات السياسية هناك؟
هناك نقاش سياسي حول هذه المسألة بين البعض ممن يعتقدون بضرورة وضع حدّ للعلاقة الخاصة جدا التي تربط بين الرياض وواشنطن، والبعض يعتقد انه ينبغي الانخراط اكثر باتجاه تشجيع الملكية هناك على اتخاذ بعض الاصلاحات التي من شأنها ان توسع قاعدتها السياسية والاجتماعية، والبعض الآخر يعتقد انه من الصعب استمرار الوضع الحالي هناك... الحوار لا يزال مستمرا وهو يقوم خاصة على كيفية ايجاد أفضل الطرق للحفاظ على المصالح الامريكية... وفي حقيقة الأمر فان المهم هو ما يحدث داخل ذلك البلد، من اصلاحات، او من معارضات.
* وبالنسبة لسوريا وايران هل تتوقعون تنفيذ الامريكيين لتهديداتهم ازاء هذين البلدين، وان الامر قد يتطور الى الحرب أيضا.
الوضعان مختلفان تماما، لقد كنت في ايران مؤخرا ففي هذا البلد السياسة الامريكية كانت ترغب في الذهاب الى الامام حتى وان اقتضى الامر مواجهة قوية، ولا أتحدث هنا بالضرورة عن الحرب، الديبلوماسية الاوروبية (فرنسا المانيا وبريطانيا) تحرّكت بقوة من أجل ايجاد حل سياسي للمشكل المتعلق بالأسلحة النووية، وقد تم التوصل الى اتفاقات تقبل بمقتضاها ايران التوصل الى تفتيش منشآتها النووية بصفة مفاجئة، وبطبيعة الحال فان الازمة لم تحلّ بصفة جذرية. الحكومة الايرانية أوقفت نشاطها في تخصيب اليورانيوم، وهي عمليات ليست ممنوعة من قبل معاهدة عدم الانتشار النووي ولكل الدول الحق في القيام بهذا النشاط غير المحضور لانتاج الطاقة، وهذا الامر قد يفرز صعوبات في المستقبل، ولكن كل المسؤولين الايرانيين (وكما تعرفون فان هناك مراكز قوى عديدة في ايران) أجمعوا خلال هذه الأزمة على أنهم يواجهون تهديدا أمريكيا حقيقيا وملموسا، وهم يعتقدون بانهم مهددون بمواجهة قوية جدا، قد لا تأخذ شكل الحرب البرية، بل مثلا هجوم لتدمير المنشآت كما حدث للعراق سنة 81، اذن لقد كانوا مجمعين على انهم يواجهون خطرا حقيقيا، وقد اختاروا اتباع سياسة حذرة ودبلوماسية مرنة، ولا ندري كيف ستتطور الامور، بعد تقليص حدّة هذه الازمة، ومن جانب الامريكيين فاعتقد انهم يرون في ايران بلدا كبيرا جدا قويا اقتصاديا، ولا يمكن تجاهل امكانياته العسكرية، فهو ذو قوة سكانية هامة، تشقّها مشاعر قومية قوية جدا، ولها القدرة على الرد والاساءة في صورة تعرضها لهجوم، بالنظر الى التأثير في العراق او في آسيا الذي تمتلكه ايران الوسطى او في أفغانستان وفي العراق ومنطقة الخليج عموما.
أما بالنسبة لسوريا فان الامر يختلف فالحكومة السورية تعتقد وهي محقة في ذلك انه يوجد في الولايات المتحدة الامريكية، اختلافات في الموقف داخل الادارة الامريكية، بشأن الموقف الذي ينبغي اتخاذه ازاء سوريا، البعض يعتقد بانه ينبغي الاكتفاء بممارسة الضغوط الاقتصادية والديبلوماسية القوية، والبعض الآخر يعتقد انه ينبغي التصرف بحزم وقوة وعنف ازاء سوريا اذا توفرت الفرصة المناسبة لذلك بهدف ايجاد التغيير السياسي في دمشق، واعتقد ان هناك نقاشات جدية حول مختلف الخيارات.
* وبطبيعة الأمر فان اسرائيل هي المحرّض الأساسي وراء هذا الامر؟
لا يمكن ان تكون الحكومة الاسرائيلية بعيدة عما يحدث في المنطقة سواء بالنسبة لسوريا او العراق، او حتى بلدان أخرى، وطبعا كما هو معلوم هناك مشاورات مستمرة بين الحكومتين الامريكية والاسرائيلية.
* تحدثتم عن دور النخب العربية في هذه المرحلة باعتبار انه عليها ان تتعامل مع أوضاع صعبة جدا، والاحتفاظ في نفس الوقت على موقف عقلاني رصين، يمنعها من التحول نحو التطرف، هل تعتقدون والاوضاع العربية كما هي عليه بعد العدوان الامريكي، انه بالامكان النجاح في هذه المهمة؟
نعم النخب العربية، بما في ذلك الاطارات العليا والمسؤولون في المجالات المختلفة... وكذلك المثقفون تواجه امتحانا صعبا، ربما هو الأصعب الذي يواجه هذا الجيل، وهي مطالبة بمواجهة مطلبين متكاملين، أولا ان عليها الا تجد نفسها، بسبب كل ما ذكرت، تحت تأثير التيارات الظلامية السلفية العنيفة والمتطرفة والرجعية التي تظهر في المنطقة العربية الاسلامية عموما، لاسباب معروفة... انها في مواجهة مفتوحة مع الامريكيين، وعلينا ان نذكر ان عناصر عديدة فيها خدمت المصالح الامريكية (أفغانستان البوسنة... الشرق الأوسط). وهي ستؤدي بهذه الدول الى مأزق لان رفض الحداثة، يؤدي الى المأزق، الذي يؤدي بدوره الى الهزيمة...
في نفس الوقت انه من المستحيل عدم مقاومة الهيمنة المفروضة، دون العودة الى الذات، وهي وريثة قيم وماضي جميل وخاصة في مقاومة الاستعمار والهيمنة، انه من الصعب عدم التمثل في هذه التيارات المتطرفة، وعدم الخضوع للهيمنة الامبريالية القادمة من الخارج، انها وضعية صعبة جدا.
* اذا ما تابعتم ردود الفعل في أوساط هذه النخب التي تحدثتم عنها فربما ستلاحظون، وجود خطاب مختلف برر. مع وبعد العدوان على العراق، خطابا يرفض ا لتطرف الاقصى، ولكنه يعود الى مفاهيم وصيغ، تؤكد حصول قطيعة شديدة، مع مصادر هذا العدوان وربما سيعبّر هذا الخطاب عن نفسه بأكثر وضوح مع تقدم الأيام، والعدوان هناك صيغ ومواقف جديدة ربما تلتقي في بعض ملامحها مع الخطاب الذي تردّده النخب المعادية للعولمة في العالم مع خصوصية الوضع العربي، الذي يتعرض فيه العرب الى الاحتلال المباشر والعدوان، فما هو رأيكم؟
نعم، في الحياة نحاول دائما ان نبحث لانفسنا عن حلفاء، خلال الحروب فانه لا يكون بامكاننا ان نختار حلفاءنا، وربما نجد انفسنا نتقارب مع من يواجه جزء من مشاكلنا، ويتطلع الى نفس الاهداف، وخاصة اذا كانت تتعلق بمقاومة الهيمنة الامبريالية والاحتلال الأجنبي، والتي ترتبط مباشرة بالاستقلال الوطني للدول، لانه لا يمكن الحصول على انخراط شعب بأكمله، الا في هذا الاطار الوطني، واعتقد ان هذه القضية الوطنية هي اليوم الاكثر الحاحا على مستوى الدول العربية، مع الحرص على ان تكون للقائمين على هذه القضية مسافة معقولة بين مطالب «الحلفاء» وما يفترض على العرب القيام به في هذه المرحلة الحرجة من تاريخهم ان صراعهم هو جديد من أجل الحرية والانعتاق وان ذلك ينبغي ان يتم في اطار وطني وأعتقد انه على العرب، ان يركّزوا في هذه المرحلة على التحرير، كما فعلوا في السابق، وكما فعلنا نحن في فرنسا.
كما ان وجود قطب دولي وحيد يهيمن على كل العالم، هو قضية كل الشعوب، ويمكن الالتقاء معها على هذا المستوى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.