ثلاث مواقع هامة في الحياة السياسية في بلادنا و في صنع القرار و نحت الحاضر و المستقبل في وطنا العزيز تونس الحب و تونس الجمال و تونس 3000 سنة حضارة و لكن يبدو و أنّ هذه المواقع الثلاثة الهامّة أصبحت عبارة عن منصات لإطلاق صواريخ جو / جو و أرض / جو خاصة في هذه العشرية الأخيرة و حلبة لتأجيج الصراع و تكريس الانقسام و التفرقة حتّى بين الأجوار و للمفارقة يأتيها من فوضه الشعب ليقوده نحو برّ الأمان بعد 10 سنوات عجاف بلا ثمار و لا أفكار و لا استثمار باستثناء النّار الصديقة و تلويث المشوار و التشويش على الأفكار إلى درجة أصبح الشعب يتساءل عن سبب كلّ هذا " الخنار " الذي قد يجعلنا ضحكة بين الأمصار؟ هذه المواقع هي قرطاج و باردو مرورا بالقصبة و هي مواقع القرار التونسي و مثلث الحكم بتونس في ظل النظام السياسي الجديد و الهجين باعتباره لا نظام برلماني و لا نظام رئاسي و لا شبه رئاسي و لا شبه برلماني و هو في رأينا المتواضع نظام شبه منحرف هندسيا بل هو خليط من هذا و ذاك إلى درجة لا أحد قادر أنّ يحمّل المسؤولية إلى أي جهة من هذه المؤسسات الدستورية ومحاسبتها وهي رئاسة الجمهورية و الحكومة و البرلمان وذلك في ظل هذا النظام السياسي الذي كلّف البلاد و العباد الكثير ومازال سيكلّف أكثر إن لم يتم تعديله حسب ما تتطلبه مصلحة البلاد و العباد لأنّ النظام السياسي ليس غاية في حدّ ذاته بل وسيلة لتسيير الشأن العام من أجل النماء و البناء و رفاهية المواطن؟ وبالرجوع إلى الحرب الكلامية، التي تطلق صواريخها من هنا و هنالك و ما قد تتسبب فيه في مزيد تكريس الانقسامات و تعطيل دواليب الدولة بالرغم من تعثرها منذ حوالي عقد من الزمن، نطرح سؤالا مركزيا مفاده لماذا يحدث كلّ هذا في بلد يمرّ بضائقة مالية و اقتصادية و اجتماعية محليا و يعيش في أجواء اقليمية مضطربة و وضع عالمي تنهش فيه " الكورونا " الأرواح البشرية بلا حسيب و لا رقيب؟ فعندما نقف عند ما صرّح به رئيس الجمهورية أخيرا بمناسبة أداء أعضاء الحكومة الجدد القسم على غرار " سأكشف الإندساسات و الارتماء في أحضان و الاستعمار " و أيضا " احترمت النظام و المقامات و المؤسسات رغم أنّ البعض لا يستحق هذا الاحترام بل لا يستحق سوى الاحتقار " و " لن أتسامح مع كذب و افترى و فتح دارا للفتوى ليفتي بالدستور " و " خيّرت المشاورات الكتابية لكي تكون حجّة على احترف الكذب " و أيضا " البعض يدّعي في العلم معرفة و هو لو عاد للسنة الأولى من الصف الابتدائي لطرد شرّ طردة " و أخيرا " من يعتقد أنّه فوق القانون فهو واهم و من يعتقد أنّه قادر على شراء الذمم فهو واهم " هذا فضلا عن الصواريخ الكلامية الأخرى التي أطلقها بعض النواب و لعلّ أبرزها ما أتى على لسان أحد النواب المنتمين لحركة النهضة السيد الفرجاني في اتجاه شخص رئيس الجمهورية أو ما تضمنه تصريح نبيل القروي الذي أشار إلى امكانية تغيير بعض الوزراء في الحكومة الجديدة ؟ وبناء على مثل هذه التصريحات الخطيرة و المثيرة للجدل هل يلزمنا " عزّام" و قارئ كف لنقف على حقيقة مضامينها و فكّ شفراتها و طلاسمها المبهمة ؟ خاصة تلك التي أتت على لسان رئيس الجمهورية خاصة المتعلقة " بالاندساسات و الارتماء في أحضان الصهيونية و الاستعمار " فهل نحن فعلا في وضع تشوبه كل الشوائب و الشعب لا يعي درجة هذه الخطورة لما يجري في الدهاليز المظلمة؟ انطلاقا من هذا الوضع و بعد أنّ جربنا منذ عقد من الزمن كلّ أنواع الفصائل سواء من السياسيين المتمرسين أو الجدد منهم - و ها نحن أمام حصاد عملهم و أمام نتائجهم الكارثية طيلة هذه العشرية الأخيرة، و هي نتائج غير خافية على أحد- فهل علينا القطع جذريا مع هذا النوع من السياسيين الذين مازالت تكبلهم صراعاتهم الإيديولوجية أو انتماءاتهم الحزبية القديمة و تجاربهم السياسية و بالتالي علينا بجيل جديد غير مرتبط بهذا الإرث السياسي و الإيديولوجي و لا يحمل هذا الارث السياسي القديم حتى نؤمّن استقرار البلاد و العباد و ننطلق في البناء و التشييد بعقلية جديدة بعيدة عن عقلية العناد و التشفي و اختلاق الحروب الكلامية و تفضيل المصلحة الحزبية الضيقة على مصالح الوطن العليا و مستقبل الشعب التونسي الذي عانى الأمرين من هذه الطبقات السياسية القديمة و المهترئة و التي يبدو و أنّها لم تعد صالحة لمثل هذا الزمن، لأنّ ما نعيشه اليوم من قبلهم ليس في نظرنا إلاّ بداية لمعركة حقيقية بين قرطاج و باردو بدأت تظهر بوادرها في سماء هذين الموقعين و هذا ما سيزيد في تعقيد وضع البلاد و العباد الذي يشكو من كلّ الأمراض . فهل مردّ ذلك إلى عدم النضج السياسي الذي لم يصله هؤلاء الفرقاء في كيفية بناء الدولة و ما تقتضيه اللحظة من وعي بتحديات الوضع ؟ و هل من عقلاء و حكماء في هذا الوطن حتّى يعملون على تهدئة الوضع خاصة بين الأضلاع الثلاثة الهامة في تسيير الشأن العام و هي رئاسة الجمهورية و البرلمان و رئاسة الحكومة و التي يجب أن يسود بينها الانسجام و لو لفترة من أجل استقرار الأوضاع حتى نتجاوز الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية المتردية أم نترك التجاذبات السياسية تقضي على أي بصيص من الأمل لإنقاذ مل يمكن انقاذه باعتباره ذلك من الأوليات المطلقة و العاجلة؟ لنختم هذه الورقة بنشر بعض الأمل على أساس ثقتنا بهذه الحكومة الجديدة و التي على رأسها السيد المشيشي الذي نراه رئيس حكومة بالفعل ، لا كما يدعيه البعض بأنّه رئيس وزراء و ما تحمله هذه الصفة من معاني عدم الاستقلالية و الخضوع كما ذهب إلى ذلك الكثير من نوابنا الأشاوس، لنقول له ألاّ يخضع إلى ابتزاز هذه الأحزاب وألاّ يكون له أي التزام معها وليبدأ في اصلاح ما أفسدته هذه العشرية الأخيرة و ليكون الله في عونك و الشعب التونسي في مساندتك و لا تأبه بهذه الحروب الكلامية التي لا تشبع من جوع بل أمامك مسؤولية كبرى أمام الله و أمام الشعب لتكون المنقذ والمصلح لما جنته الطبقة السياسية الحالية التي جرّبت و لم تفلح إلاّ في الفساد و الفكر الغنائمي و تمضية عقد من الزمن في تقعيد العود؟