بعيدا عن التهريج وبعيدا عن الايحاءات المبتذلة وبعيدا أيضا عن السفسطة و الحشو الممل و الذي لا فائدة من ورائه، تابعت بمعية حضور جمهور محترم أغلبه من شريحة الشباب، عرض مسرحية " و يحدث أنّ " تأليف "لانطوان تشيخوف " و اقتباس وإخراج أوس ابراهيم و تمثيل كلّ من حامد سعيد و آمال علويني و أسامة الشيخاوي و مروان المرنيصي و صادق الطرابلسي و جلال مصدق ( كتقني صوت و موسيقى ) و خالد الهذلي ( كتقني إضاءة ) و صراحة لم أندم أنّي تابعت هذا العرض الذي احترم جمهوره و عمل على تقديم عملا مسرحيا بأتّم معنى الكلمة و متكاملا، نصّا و إخراجا و تمثيلا لعبت فيه أيضا المتممات المسرحية دورا هاما في نجاحه بدون أن ننسى الصور و الحركات الإبداعية على مستوى الكوريغرافيا التي ميّزت هذا العرض المسرحي. وبالرجوع إلى مضمون المسرحية، وكقراءة أوّلى و مبسطة، تروي المسرحية قصة امرأة توفي زوجها و ترك لها منزلا فحاول أخوها اقناعها ببيع بيتها بعد هذه الحادثة الأليمة و لكنّها تمسكت ببيتها و قرّرت عدم التفريط فيه مهما كان الثمن باعتبار ما يمثله هذا البيت و ما يحمله في ذاكرتها من ذكريات عاشتها مع زوجها بالرغم من ابتعادها عن هذا البيت ممّا جعل بعض المتصعلكين استعماله كوكر للفساد بل خوّلت نفس أحد هؤلاء الصعايك التقّرب من الزوجة و طلب الزواج منها.. و من هنا تنطلق الأحداث و الصراعات بين شخوص المسرحية التي تناولت فلسفيا قيمة العلم و المعرفة أمام ما يجنيه الفاسدون و السرّاق و المجرمون و المدمنون في عملية واحدة من عملياتهم القذرة ممّا دفع أحد المثقفين و المتعلمين إلى أخذ قرار بحرق كل الكتب التي طالعها عن كبار الأدباء مقارنة مع وضعه المادي و وضع الذين انتهجوا طريق التحيّل و الاجرام و تبييض الأموال و لكن يجد التصدّي من المرأة الأرملة لإقناعه بعكس ذلك. و من هنا ينطلق صراع مرير بين الفكرتين أي " العلم و المعرفة " أو الثّراء السريع بالطرق اللاّ أخلاقية و اللاّ مشروعة. ليحتدم الصراع مجددا بين كلّ شخوص المسرحية لتجد المرأة نفسها في مواجهة و صراع مع كلّ هذه الأفكار و التيارات... البعد الثاني للمسرحية مثّله ذاك التمسك بالبيت و التمسك بالذكريات و التاريخ المشترك و ما يعنيه طلك من التمسك بالهوية أمام موجة العولمة التي تجتاح العالم و تقضي على كل ما هو محلي و خاص و تعير قيمة لسيادة الدول أمام تحقيق المصالح و لو أدّى ذلك إلى تفكيك هذه الدول الممانعة و الحريصة على حماية هويتها و تاريخها و تراثها من الذوبان على نار العولمة المتأججة حيث حاولت المسرحية ابراز هذا التوجه العالمي المهيمن و ذلك عبر كثرة عدد الشخوص الفاسدة في المسرحية رغم صمود المرأة و التي تمثّل في النهاية الوطن و السقف الطي يحمي كل ما مشترك بين الشعب الواحد. لنخلص لإبلا شيء هام في المسرحية و هو الجانب الكوريغرافي في هذا العرض و الذي أبدع فيه كلّ الممثل أسامة الشيخاوي و الممثلة آمال علوان اللذان قدما لوحات جميلة زادت العرض بهاء على بهاء و بدون اسقاط ذلك على المسرحية بالإضافة إلى الاختيار الموفق لبعض أغاني المطربة الأصيلة صليحة خدمة و ابرازا إلى حسم هذا الصراع لصالح الهوية و الوطن السيادي و هو ما ميّز هذا الحسم بذكاء لهذا الصراع بين التيارات المتصارعة من أجل البقاء أو الاندثار.. لنختم بهمس كلمة شكر للأستاذ أوس ابراهيم الذي آمن بالمسرح على قواعده العلمية بعيدا عن " الهزان و النفضان " و شكرا لكل عناصر المجموعة المسرحية التّي أدت أدوارها فأقنعت و شكرا للأستاذ الفالحي الذي يعمل جاهدا على نشر الثقافة الحقيقية بعيدا عن ثقافة " الهش بشك "و ذلك بتبني قاعة العرض الخاصة الماجستيك لمثل هذه العروض الجادّة..