بعد فاجعة عمدون التي راح ضحيتها خيرة شباب تونس، قلنا أن الامر أحدث رجة في نفوس المسؤولين وأحيا ضمائرهم ولن تتكرر مثلها، ولكنها تكررت الحوادث و الخروقات و التجاوزات، ولم يحسم أمر الإخلالات، عندما ماتت رضيعة في شارل نيكول منذ شهور، و أخرجت لأهلها في كرذونة، قلنا أن الأمر فيه إهانة للذات البشرية وتحرك الرأي العام بالإدانة و ردّ الإهانة و لن تتكرر، و لكنها تكررت حوادث الموت الشنيع.. عندما إغتصبت عجوز في القيروان منذ شهر ونيف و هي في 89 من العمر، قلنا أنه لا بد من القصاص من هاته الشرذمة، ولكنها تكررت مع رحمة التي نُكّل بها بعدما أهدر المتهم شرفها وشرف نساء تونس، قلنا أن ما يحدث غريب عن ثقافتنا و سلوكنا و لابد أن يتوقف، بالقانون بالشرع بتحرك مسؤول و ناجع، ولكن لا شيء حدث، مازالت تتكرر الحوادث و في أبشع الصور.. منذ يومين و تونس تبحث عن طفلة سقطت في بالوعة، و ما أكثر الحفر و البالوعات في تونس، البلديات غير قادرة على إحصاء الحفر فما بالك بسدّها أو التحذير منها في انتظار إصلاحها أو التدخل فيها، مجرد حفرة تذهب بحياة طفلة لازالت كل الدنيا أمامها، مجرد حفرة كشفت عورة العمل البلدي وتقاعس المسؤولين، و إنشغالهم عن حاجات المواطنين.. قديما قال عمر لو عثرت بغلة في بغداد، لسألني الله تعالى عنها، لمَ تمهّد لها الطريق يا عمر... الفرق بيننا في الزمن 19 قرنا تقريبا، و لكن مع ذلك حادثة البغلة هي ترجمة لثقافة المسؤولية الكاملة على الرعية ، و ميزان المواطنة، و في تونس بعد كل هذا الزمن الممتد، لازالت بوصلة المسؤولين بعيدة عن شواغل المواطن البسيطة، يحتاجون المواطن في أمرين فقط، الانتخاب و دفع الضرائب، لا غير، هذه مجرد حفرة و ستُسألون عن روح أزهقت فيها بسبب إهمالكم و جشعكم و قلة تدبيركم.. هذه الحوادث الغريبة لن تتوقف لا في حجمها و لا في منسوبها، طالما هناك إهمال و إخلال و قلة متابعة و إفلات من العقاب، هذه النقاط السوداء التي لم يتغير للأسف لونها أبدا ستظل سوداء في تاريخ المسؤولين عنها، ففي تونس لا نستبق الأمور أبدا و لا نبادر، بل نتحرك فقط بعد حدوث الكارثة لفترة وجيزة ثم تعود حليمة.. هذه ثقافة جديدة قديمة في تونس.