هل ساند الإعلام التونسي الثورة ؟ وهل لعبت المؤسسات الإعلامية دورا ايجابيا في حمايتها وتحصينها من كل المخاطر التي ترصدت بها ؟ وهل كان للإعلاميين دور في انجاح مسارها ومساندة مرحلة انتقالها الديمقراطي الذي عرفته بعد سقوط منظومة الحكم القديمة ؟ وهل صحيح أن الكثير من المؤسسات الاعلامية بقيت وفية للمنظومة القديمة التي ثار عليه الشعب وفي خدمتها؟ وكيف لعب جانب كبير من الاعلاميين دورا حاسما في تشويه الثورة وترذيلها وتوجيهها الوجهة الخاطئة من وراء استراتيجية إعلامية وخطاب إعلامي مزيف روج لكل الصور السلبية والعثرات التي حصلت للثورة وحول وجهتها ؟ وهل يتحمل الإعلام والكثير من المؤسسات الاعلامية وجانب من الاعلاميين ما يحصل للثورة اليوم من تحقير وإهانة والمسؤولية في ما يروج من معلومات خاطئة عن الثورة وبث كمية كبيرة من المعطيات الخاطئة لا تعكس حقيقة ما قام به الشعب وتصب في اتجاه تشويه الثورة وتلميع صورة النظام القديم وخدمته ودفع الناس إلى الحنين إلى زمن الاستبداد والديكتاتورية ؟ هذه كلها أسئلة مشروعة بدأت تتأكد من يوم إلى آخر ونحن نراقب الأداء الإعلامي الحالي والطريقة التي تتعامل بها المؤسسات الإعلامية مع تداعيات الثورة والمسار الذي عرفته وهي انطباعات جعلت القناعة بأن الكثير من المؤسسات الاعلامية وجانب من الاعلاميين هم اليوم ضد الثورة وفي خدمة المنظومة القديمة وجانب آخر حاقد عليها لحسابات ايديولوجية وحزبية ضيقة بعد أن فشل في قيادتها وتوجيهها وفق قناعته وهذا كله أداء إعلامي مهزوز ينتهي إلى خذلان الثورة وتشويهها بإتباع أساليب كثيرة منها ترويج الشائعات والتركيز على القضايا الجزئية وتغييب القضايا الكبرى والأساسية ومنها إلهاء الجمهور بمواضيع غير مؤثرة في حياته وتلهيته بمسائل ثانوية لا تعنيه ولا يحتاجها ومنها حصره في زوايا اهتمام مختارة بغاية صناعة رأي عام موجه لصالح جهات معينة تحتاج إليه في وقت الانتخابات بعد هرسلته إعلاميا والتأثير عليه وتخديره وهي كلها سياسة إعلامية تدخل فيما تحدث عنه المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي في كتابه " أسلحة صامتة لحروب هادئة " حول السيطرة على الرأي العام والتحكم في توجهاته من أجل صناعة عقل يمكن التحكم فيه ومن هذه الصناعة التي قام و يقوم بها جانب من الاعلام التونسي محاولاته المتواصلة لإقناع الشعب بأن كل ما قام به و حصل بداية من 17 ديسمبر 2010 وما سبقها من أحداث و احتجاجات على الوضع السياسي وما تلاها في بداية 2011 من إرغام بن علي وإجباره على التنحي عن الحكم بعد أن خرج الشعب يطالبه بالرحيل ليس بثورة وإنما هو مجرد مؤامرة خارجية دبرتها قوى أجنبية وأنه قد وقع ضحية جهات مؤثرة تلاعبت به وأوهمته بأنه قام بثورة، وأن الثورة التونسية التي غيرت وجه العالم ما هي إلا ترتيب من جهات أجنبية وهؤلاء الاعلاميون يتعمدون عن قصد الاستدلال على صحة ما يروجونه كذبا عن الثورة التونسية بما جاء في مذكرات هيلاري كلينتون التي شغلت منصب وزيرة للخارجية في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما وحديثها عن ثورات الربيع العربي والغريب المريب أن إعلاميين ومؤسسات إعلامية وصحف معروفة لا زالت إلى اليوم تتحدث على أن الثورة التونسية هي مؤامرة حاكتها الخارجية الأمريكية وجهاز المخابرات الأمريكي ضد الرئيس بن علي للإطاحة بحكمه وبأن الثورة التونسية ما هي إلا مجرد عمل استخباراتي قامت به الاجهزة الامريكية وينقلون فقرات تزعم أن هيلاري كلينتون قد كشفت في مذكراتها التي تم نشرها عن حقيقة ثورة 2011 التي كانت مهمتها حسب زعمهم القضاء على بن علي بعد أن قرر البيت الابيض التخلص منه حينما أصبح عبءا عليهم و غير صالح ولا مفيد لهم وأنها قد اعترفت في مذكراتها بأنها قد لعبت دورا في الاطاحة بالرئيس بن علي وبأن وانشطن كان لها دور في تعديل الثورة التونسية وتوجيهها الوجهة التي أرادت وأن الأوامر قد صدرت للسفارة الامريكيةبتونس بإغلاق المجال الجوي التونسي مساء 14 جانفي 2011 وإشراك الفرقة البحرية المتمركزة في قاعدة صقلية الموجودة بالقرب من الساحل التونسي بالتدخل في حال امتنع بن علي عن المغادرة والتنازل عن السلطة سلميا مع طمأنة المتعاونين معها في تونس بأنه لن يتم استهدافهم ولكن عليهم تقديم ما حصل على أنه ثورة شعب. هذه عينة من الاقتباسات التي نجدها بكثافة في مقالات كثيرة تنشر في صحافتنا وتتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي وتروج لها الكثير من المواقع الاخبارية عن قصد وعن حسن نية ولكن الملفت أنه بالرجوع إلى النص الأصلي باللغة الانقليزية لكتاب هيلاري كلينتون وما كتبته على بريدها الالكتروني في الفترة التي كانت متواجدة فيها في الحكم لا نجد البتة ما يروج ويشاع عن كل الكلام الذي نسب لها بل لا نجد اطلاقا هذا التفسير التآمري الذي فسر به بعض الاعلاميين التونسيين أحداث الثورة التونسية بل نجد في مذكراتها ورسائل بريدها الالكتروني الذي كشف عنه مؤخرا عكس ذلك ونجد حديثا عن تفاجئها بسير الاحداث مثلما تفاجأت فرنسا التي كانت مورطة في مساعدة بن علي وتقديم المساندة له إلى آخر يوم من حكمه. اليوم بعد العودة إلى النص الأصلي لمذكرات هيلاري كلينتون وبعد الاطلاع على رسائلها في بريدها الإلكتروني في الفترة التي تزامنت مع قيام الثورة التونسية وبعدها نقف على حقيقة جزء من الاعلام التونسي الذي حاول بكل الطرق ترذيل الثورة و استنقاص جهد الشعب التونسي في التوق للحرية والتوق إلى العيش في دولة لا تدين بالولاء للإفساد والاستبداد .. لقد انكشفت اليوم حقيقة الدور الكبير الذي لعبته الكثير من المؤسسات الاعلامية التي عملت على افشال الثورة بكل الطرق وإظهارها مجرد مؤامرة خارجية في تجاهل صارخ لكل الجهد الذي بذلته أجيال كثيرة من التونسيين الذين ضحوا بحياتهم في مقاومة الديكتاتورية وافتكاك الحرية .. لقد خاب اليوم مسعى هؤلاء في تحقير الثورة التونسية وتحقير من قام بها وتأكد رغم قوة إعلام الثورة المضادة وكل من كان في خدمة المنظومة القديمة من مؤسسات اعلامية وغيرها أنها ثورة من أجل الحرية والكرامة و ثورة شعب تاق للحرية رغم كل ما فعله جزء من الإعلام .. لقد انكشف زيفكم ولم يعد أحد يصدقكم ... إنها ثورة شعب دخلت التاريخ.