الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
الإعلان
التونسية
الجريدة التونسية
الحوار نت
الخبير
الزمن التونسي
السياسية
الشاهد
الشروق
الشعب
الصباح
الصباح نيوز
الصريح
الفجر نيوز
المراسل
المصدر
الوسط التونسية
أخبار تونس
أنفو بليس
أوتار
باب نات
تونس الرقمية
تونسكوب
حقائق أون لاين
ديما أونلاين
صحفيو صفاقس
كلمة تونس
كوورة
وات
وكالة بناء للأنباء
موضوع
كاتب
منطقة
Turess
اتصالات تونس: بنية أساسية جاهزة لذكاء اصطناعي مستدام وموثوق
بمناسبة اليوم العالمي دون شراء: المنظمة التونسية لترشيد المستهلك تدعو الى كبح دوامة الاستهلاك المفرط
مونديال السيدات لكرة اليد: المنتخب التونسي يشدّ الرحال إلى هولندا بقائمة من 18 لاعبة
الليلة: من الشمال للعاصمة حالة غير مستقرّة تستحق الحذر
4 خرافات متداولة عن جرثومة المعدة.. علاش تتكرر الإصابة؟
مرضت بالقريب.. شنوا الماكلة اللي تبعد عليها؟
غريب: بعد شهر واحد من الزواج رجل يخسر فلوسو الكل
فيزا فرنسا 2025: مشاكل، احتيال، وما يجب على كل تونسي معرفته
عاجل: هذا هو برنامج كأس العرب 2025: كل المباريات والأوقات
سنويّا: تسجيل 3000 إصابة بسرطان الرئة في تونس
اسبانيا : مبابي يعادل رقم رونالدو وبوشكاش ودي ستيفانو مع ريال مدريد
أبطال إفريقيا: الكشف عن هوية حكم بيترو أتلتيكو الأنغولي والترجي الرياضي
من بين المرشحين جعفر القاسمي.. صناع الأمل 2026: دعوة لأبطال الإنسانية في الوطن العربي
عاجل: وزارة الصحة تنبهك ...أعراض التسمم من الغاز القاتل شوف العلامات قبل ما يفوت الفوت
عاجل: وزيرة العدل تُفرج عن سنية الدهماني
ندوة اقليمية حول آفاق تصدير زيت الزيتون الاقليم الثالث يوم 3 ديسمبر 2025 بسوسة
ولاية سوسة: نحوإعادة تشغيل الخط الحديدي القلعة الصغرى – القيروان
عاجل : الكشف عن هوية هجوم واشنطن
شوف أعلى الكميات متع الأمطار
وزارة النقل: اقرار خطة تشاركية تمكن من الانطلاق الفعلي في مزيد تنشيط المطارات الداخلية
وزارة البيئة: تركيز 850 نقطة اضاءة مقتصدة للطاقة بمدينة القيروان
عاجل: البنك الدولي يتوقع انتعاش الاقتصاد التونسي و هذه التفاصيل
المرصد الوطني لسلامة المرور يدعو مستعملي الطريق الى التقيد بجملة من الاجراءات في ظل التقلبات الجوية
تونس تعزّز تشخيص سرطان الثدي بتقنيات التلّسَنولوجيا والذكاء الاصطناعي...شنوّا الحكاية وكيفاش؟
القضاء البنغالي يصدر حكما جديدا بحق الشيخة حسينة
الحماية المدنية : 501 تدخلات خلال 24 ساعة الماضية
سريلانكا.. مصرع 20 شخصا وفقدان 14 بسبب الأمطار الغزيرة
عاجل/ 16 قرار غلق لهذه المراكز..
24 سنة سجناً مع النفاذ العاجل للمدير العام السابق لشركة الحلفاء و6 سنوات للكاتب العام الجهوي السابق لاتحاد الشغل بالقصرين
عاجل: معهد الرصد الجوي يعلن اليقظة الصفراء في عدة الولايات
حظر للتجول واقتحامات.. الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في طوباس
الجمهور يتأثر: الإعلامية المصرية هبة الزياد رحلت عن عالمنا
البنك المركزي التونسي يعزّز شراكته مع البنك الإفريقي للتصدير والتوريد من أجل فتح آفاق تعاون أوسع داخل إفريقيا
عاجل : لسعد الدريدي مدربًا جديدًا للملعب التونسي
أرسنال يهزم بايرن ميونيخ وينتزع صدارة رابطة أبطال أوروبا
الاولمبي الباجي - نصف شهر راحة للمدافع الغيني شريف كامارا بعد تدخل جراحي على مستوى اليد
تهديد إعلامية مصرية قبل وفاتها.. تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياتها
محرز الغنوشي يُبشر: ''ثلوج ممكنة بالمرتفعات والاجواء باردة''
زلزال بقوة 6.6 درجة يهز جزيرة سومطرة الإندونيسية
حريق هونغ كونغ.. 44 قتيلا واكثر من 200 مفقود
بين الرّموز والواجهات الافتراضية ..الحبّ تحت طبقات من الضجيج الرقمي
البنك الدولي يتوقع انتعاش الاقتصاد التونسي في 2025 بنسبة 2.6%
أرق
من قتل النقد الأدبي؟
انهزامك مستحيل
عاجل/ وفاة مسترابة لمحامية داخل منزلها: تطورات جديدة في القضية..
وزارة الداخلية تنتدب حفّاظ أمن: شروط وآليات الترشّح
غرفة مصعني المرطبات تنبه
طقس الليلة.. بارد مع امطار غزيرة بهذه المناطق
علاش بكات إلهام شاهين في مهرجان شرم الشيخ
ارتفاع عدد وفيات فيروس ماربورغ في إثيوبيا
طقس اليوم: أمطار غزيرة والحرارة في انخفاض
اليونسكو تطلق مشروعا جديدا لدعم دور الثقافة في التنمية المستدامة في تونس بقيمة 1.5 مليون دولار
"سينيماد" تظاهرة جديدة في تونس تقدم لعشاق السينما أحدث الأفلام العالمية
عاجل: هذا موعد ميلاد هلال شهر رجب وأول أيامه فلكياً
جائزة عربية مرموقة للفاضل الجعايبي في 2025
في ندوة «الشروق الفكرية» «الفتوى في التاريخ الإسلامي بين الاجتهاد والتأويل»
اليوم السبت فاتح الشهر الهجري الجديد
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
"عادت الخَطِيئة إلى مطبخي" لِأمِير عدنان مصطفى (*) : هل بِالإمكان كِتابَة السَرْد الرِوائيّ بِالشِعْر؟
مصطفى الكيلاني
نشر في
الصريح
يوم 20 - 10 - 2020
- 1 –
ازدِواجٌ أُسلوبِيّ في أداء لُعْبة السَرْد انتهجَ سَبِيلَه أمير عدنان مصطفى ضِمْن رِوايته "عادت الخَطِيئة إلى مَطبخي" هُو كِتابَة المجاز المُوغِل في مجازه: "أخْلعُ نهرا جافًّا... أمتلك عينيّ بِعَصَا أخرس"..، والسرْد المُعْتاد بِالمُطابقة: "عليَّ نزْع ضمّادات قَدِيمة، نورٌ وهي تُداعب شعري، لم تأكل مُنذ الصَباح، الدخان لا يكفي للسيْطَرة على مزاجك" (ص7).
وَبِهَذا المزْج الأُسْلوبِيّ السَرْدِيّ تَحَدّد نوْع الكِتابَة، فلا هِي سَرْد محض ولا هِي شِعْر خالص، كَأن ينفتح جنس الرِوايَة على لُغة الشِعْر واستِعارَاته وكِناياته، وعلى أساليب أَدَبِيّة أُخرى وفَنِّيّة، نِسْبَةً إلى مُختلِف الفُنون، باسترسال الحِوار الشَبِيه بِالحِوار المسرحيّ، وتَوْصِيف أوْضاع وحالات بِمَا يُقارب المشهديّة السِنمائيّة أَيْضًا...
- 2 –
"عَصْر البرزخ المبدئيّ" وَحُبْسة الكاتب و"بَيّاع الشُهداء" و"إزرا باوند أَيْضًا" هِي فُصول أربعة مُتفاوتة الأحجام، كأن يتّسع مَجال السَرْد في الفَصل الرابع بِمَا يُقارب في الحَجْم، تقريبا، مجمل الفُصول الثلاثة الأُخرى (الأوّل والثاني والثالث).
فَيَزدحم "عصر البرزخ المبدئيّ" بِالأحداث، بِالذكريات، بِالمَواقف، بِالأَمْكنة، بِالوُجوه، بِالكِتابة الشذريّة الّتِي جُملها السَرْدِيّة مُجتزَأة مُوغلة في الحَنِين إلى زَمَن مضى وانقضى، حَتَّى لَكأنَّ الابتِداء في تشكيل النَصّ حالُ مخاض عَسِير، وللشهوة أفعالها المُتَقطّعة. وَكُلّما ابتدأ حَدَثٌ انقطعَ بِآخر نتيجةَ حيْرة الكِتابَة بَيْن وَصْف الأحداث (السرْد) ووصف الحالات (الشِعْر)، ولا حسم في الأثناء. وإذَا الجَسَد لحظةَ الكِتابَة مُسْتَنْفَر بِشَتّى الأَحاسِيس والرَغبات: "فَوْضى، جَسَدِي يشهق" (ص7).
فيَرزحُ المَسْرُود نتيجةَ حال التَهَيُّج بِالذكريات والأحاسِيس تحت ثِقَل فوْضَى تعوق خُيوط سدى المحكِيّ عن التَناظُم، إذْ لا تَمَدُّد ولا تَوالُد ولا رتْق، ذلكَ أَنَّ حال الكِتابَة عالية التَوَتُّر. ولكنْ، كيْف أمْكن للذات الكاتِبة، وهي في بَدْء النَصّ، أن تُخَفّف مِن حال الارْتِباك والتَهَيُّج: هل بِالبَحْث عن طريق أُخرى إلى السَرْد بِفائض الشِعْر أمْ بِالمُختلِف عنه أُسْلوبًا؟
- 3 –
يُواصل الرِوائيّ الشاعر أو الشاعر الرِوائيّ كِتابة المنقطِع المُتَشظِّي اللَّا- مُتناظِم السَرْدِيّ شِبه الهَذَيانِيّ: "هذه الهذيانات المسرحيّة العبثيّة لِعائلتي" (ص30) بِالحَرَكة الدَورانِيّة داخل فَضاء حِكائيّ مُنحبس. وفي زحمة الأحداث والحالات خيْطُ حِكاية ناحل يتشكّل أثناء الكِتابَة بِأَنا- السارد و"نُور" و"عُلا" و"رفاه" والأب السَلفِيّ والقهر والدِراسة الجامعيّة ووحَل السِياسَة والانتِماء الإيديولوجِيّ وذكريات السجن. فتَدّاخل الحِكايات، تتقاطع في مُشتَرَكٍ سَرْدِيّ غيْر مُتناسِق بِقَصْد الأدَاء العفوِيّ، وبِالإغماض المُتَعَمَّد، إذْ لا حاجة بَلاغِيّة إلى الكَشف والانكِشاف، ولا أمانَ بهما، كما لا إرضاء لِنَفس ولا إشباعَ لِأَيّ رغبة، بل كُلّ الرَغبات هِي، تقريبا، مُنقطعة مَبْتُورة، والظاهِرُ المَحْكِيّ مُعتم يُخفي وَقائع كارثيّة في حَياة الفرْد وَحياة المجمُوعة، على حَدّ سَواء.
وإنْ جرت عادَة السَرْد انتِهاج سَبِيل الوُثوق انتِقاءً لِأَحداث دُون أُخرى في نسيج المَحْكِيّ، فَالكِتابة السَرْدِيّة في الفصل الثاني، مُوَاصَلَةً في نهج الفصل الأَوّل ذاته الأُسلوبِيّ، هِي مُحاوَلَةٌ لِتَجْلِيَة البعض مِن العَتمة وأدَاء حِيلة الإخفاء بِمُمارَسة لُعْبة خاصّة مِن إنشاء اللُّغة السارِدَة الّتي تذهب إلى التَلْمِيح أكثر مِنه إلى التَصْرِيح، وإلى بعض مِن الهذي المُتَعَمَّد. فَتدّاخل دلالات الجِنس والسِياسَة والكُتب مِن تُراثِيّة وحَداثِيّة، وَأَسْماء الكُتّاب شَرْقًا وغرْبًا، والوحدة والحَنين إلى زَمَن الأُمّ واعتِياد السُجون، وأطياف أمْكنة مِن
دمشق
، وخَيْبة أَمَل جيل، وَمِن قبله أجيال...
وَخَيْط الحِكايَة الناحل هُو الناظم الأَوْحد لٍهذَا الشتات المُسْتَبِدّ: الاختلاء ب "عُلا"، وَظُهور أَخِيها وغَضَبه الشَدِيد، وما تَعَرَّض له أنا- السارد مِن تعنيف...
- 4 –
فهل تَزُول حُبْسة الكِتابَة بِالفَصْل الثالث: "بَيّاع الشُهداء" لِيتحوّل خَيْط المحكيّ الناحل في الفَصْلين الأوّل والثاني إلى ناظِم مَتِين؟
يُضحِي السارد مُعَرَّفًا بالاسم (فجر)، ويتحدّد الزَمان ب 2011. كما يَتَشكّل المحكيّ حِوارا يَدُور بَيْن "فجر" و"منار" الشاعرة والكاتِبة المسرحيّة الأَرْمل بَعْد استشهاد زَوْجها في الأحداث الّتِي اندلعت في سُوريا عامَ 2011.
ويتّضح المَكان بِدِمشق (باب شَرْقِي وَكَنِيسة الزَيْتُون وجَرَمانا والحارات القَدِيمة...)
يتشكّل المَسْرُود في الفَصْل الثالث باستئناف العَلاقة بَيْن "فجر" و"منار" الأَرْمل بَعْد شهريْن مِن الزَواج.
ويُوغل في تراجيديا الحال بِفَوْضى الأَحاسِيس والذكريات تَزامُنًا مع الوَقائع الجَدِيدة، بِما حَدَث لِسُوريا عامَ 2011. فَيُخْلد "فجر" إلى نفسه في حَدِيقة القشلة. يشرب العَرق ويتذكّر ما كان له مِن علاقة مع "عُلا" وما حَدَث له مع أخيها "مازن"، وَيُفكّر في الثوْرة الفرنسيّة...
إلَّا أنَّ المحكيّ في هذا الفصل الثالث يظلّ مُتَردّدا بَيْن التَمَدُّد والتناظُم وَبَيْن زحمة الحالات والذكريات، غيْر حاسم في أَحَدِ الاتِّجاهيْن، وإنْ نزع السَرْدُ إلى المُطابقة في وَصْف عَدَد مِن الأحداث أكثر مِن الإيحاء، رغم كثرة الأحداث والأَمْكنة والتفاصيل، تصل بَيْنها "حارات جَرَمانا"، وهي "مناطق مُتاخمة، مُفعمة بِالبارود والجُثَث..." (ص71).
فَتَدَّاخل المُوسِيقى والشِعر والنَبِيذ والطَعام وَعَدد مِن وُجوه وأسماء وشذرات أحداث واقعيّة وأُخرى أُسْطورِيّة...
- 5 –
فَيُواصل أمير عدنان مُصطفى أداء السَرْد بِأُسْلوب مُتَقطّع مُتَداخل شذريّ، وإنْ تَحَوَّلَ المَسْرُود في الفصل الثالث (بيّاع الشُهداء) قليلا مِن ازدِحام الحالات والأحداث نتيجَةَ حيْرة الكِتابَة بَيْن إنشاء السَرْد وتأثير أُسْلوب الشِعْر إلى مَوْصُوف الأحداث. ففي "أزْرا باوند" (الفصل الرابع) يذهب المسرُود إلى البعض مِن التَمَدُّد بِوَصْفٍ يسترسل في المُطابقة عِند أداء عَدَد مِن الأحداث اليَوْمِيّة: تركيب النَجّار للسرير والاستِعانة به على دفع "السيرف المُسْتخدَم لِوُلوج شبكة الإنترنيت، وكبْت الصدِيق "عيسى" الجنسيّ وملاقاته رفقة "روان"، "شاعرة مِن الطِراز الثَقِيل..." (ص84)، ثُمّ انصِرافها عاجِلًا وطلب "عِيسى" مِن "فجر" المُساعدة على إطلاق والده مِن السجن...
هُو مَحْكِيّ الخارج تنفتح عليْه جُوانيّة الداخل حيْث وقائع المَدِينة تبدُو مُتضاربة مُتَداخلة مُلْتبسة فَضائحيّة أحيانا، والرغبةُ هِي الأُخرى مُلْتبِسة: الرغبة في الحَياة، والرغبة في الكِتابَة بِذاكرة مُشَوَّشة ومخيّلة شَدِيدة الازدِحام بِكَثرة الصُوَر والوُجوه إذْ تلتقي "رفاه ونور وعُلا في مُخَيِّلة واحدة" (ص90)، وإليهنّ "مَنار" وذِكرى العشاء بَيْن المَطبخ والصالُون وخيال الدّم والخَراب المُتّسع وشَبَح المَوْت يتهدّد الجَميع، و"مساءات القِحاب والجِيل الجَدِيد مِن استِيراد الذُلّ" (ص93)، والشُهدَاء بِالآلاف، وأحدهم "رشاد"، وزوْج "منار" الّتِي ظلّت على عُذْرِيّتها بعْد شهرين على وفاته. فَمُختصر الحِكايَة، هُنا، هُو ك مُختصر حِكاية "منار": "منار قُبّعة مِن رِيح، تَعِيش على أنقاض مُتاخِمة لِقَصِيدة نثريّة تبدأ بِطُزّ" (ص94).
- 6 –
وإذَا "مَنار" تختصر واقع الكارثة. هِي الألم الجُوانِيّ، والأمل أَيْضًا، وإنْ ظَلّ هذا الأخير حَبِيس رغبة مُعَطّلة داخل فَضاء مُغلق، هُو المَدِينة وبيْتٌ داخل المَدِينة، بل مَطبخ هُناك داخل البَيْت. وكما الطَعام هُو مَزْج، بل أمْزاجُ مَوادّ غذائيّة فَالحياة مَطبَخ خاصّ حيْث أمْزاج أُخرى مِن ذِكريات وأحلام ورغبات ومحْظُورات واستِيهامات...
كذا مَدِينة الرِوايَة غارقةٌ في عَتمة حال غريبة، كَعتمة مسْرح كبير تتلبّسه ظلمة عَمِيمة وتُحرّكه في الداخل شهوة الدّم، وَمُمثّلوه هُم مُتَفرّجُوه..
وَلِأَنّ الحال السَارِدة والمَسْرُودة معا واضحة حِينًا مُلْتبسة أحيانا فقد اتَّخذ المَرْوِيّ له في جُلّ المواطِن صِفة التَداعيات تُؤدَّى بِشتات وَقائع، بعضُها حياتِيّ يَوْمِيّ وبعضُها الآخر سِياسِيّ كَيْنُونِيّ بِما يَرد مِن إلماحات إلى السجن والعُنف الدَمَوِيّ وعَدَد مِن فَضاءات الكُتّاب والفَنّانِين والإعلامِيّين...
إنّها حِكايَة فجر بن وائل الناصر: اسْمٌ مُسمّاه سَجين عالم مهزُوز. وداخل هذا العالم سجن، بل سُجون. وَبَيْن العالميْن الجُوانِيّ والخارجيّ مَتاهة كُبرى. وفي زحمة الأحداث والوُجوه صُورة الأَب تظهر ثُمّ تختفي بِمُجمل تَناقُضاتها: "رُسوماتٌ وصلواتٌ وفلسفة" (ص110).
وإلى صُورة الأَب و"نور" و"منار" و"عُلا" وعِيسى الصَدِيق وأشخاص آخرين يَرِد ذِكر سعد الله ونُّوس ومُظفّر النّواب وأُنسي الحاج، وأسماء مُسْتعارَة أُخرى، ك "منار" و"أَوْس" الشاعريْن...
- 7 –
كذا يزدحم فَضاء المَرْوِيّ بِوقائع مَدِينة، بل بعض مِن مَدِينة، كَالمُحَدَّد مكانا، حَسَب التقريب، بِما يَصِل بيْن "باب توما" و"جَرَمانا" ناقِلا إليْه في الأثناء الكثير مِن زحمة الصُوَر والوُجوه والوَقائع داخل عالم الراوي الجُوانِيّ الّذِي هُو سَجِين قلق، لا كَأَيّ قلق، يستدعي، بل يستلزم كِتابَةً، لا كَغَيْرها مِن الكِتابَات، لِحاجتها إلى السَرْد، كحاجتها إلى الشِعْر في سياق الكِتابَة ذاتها.
وإذَا "عادت الخَطِيئة إلى مَطبخي" لِ أمير عدنان مُصطفى، في المُحصّل الأخير، مشرُوع كِتابة رِوائيّة ابْتِداءً لا انتِهاءً، ولا إنْهاء: شتات أحداث، انقِطاعات سَرْد مُتَتالِية، دَوران أوْ ما يُشبه الدَوران في فراغ حال، وإن أُشِير إلى مَكان مُحَدَّد، بَيْن "باب توما" و"جَرَمانا" و"حَدِيقة القشلة" وَعَدَد مِن المَقاهِي والنوادي هُناك...
فَلا تَمَدُّد لِلْمَحكِيّ، رغم ابْتِداءاته المُتَقطِّعة، وإنّما حَرَكة المَوْصُوف السرْدِيّ هِي دَورانيّة دائريّة، بِتأثير مَوْصُوف الحال الشعريّة: أفعالُ استِدارة لا تُراوح مَكانها، تقريبا، بِزَمَنِيّة جُوانِيّة تستقدم إليْها زَمَنِيّة الخارج بِحَرَكة جَذْب لا نَبْذ، والْتِفاف لا تَمَدُّد. فلا سَدَى لِمَرْوِيّ في الظاهر، وإنَّما المرْوِيّ هوُ نُثار أحداث، تِكرار في أحيان كَثيرة لِأَحداث- حالات استلزَمها نوْع الكِتابَة السَرْدِيّة المُتَشظّية وَمُقارَبة واقع المَتاهة واحتِجاب الأُفُق أخيرا... ولعلَّ مَقال "تحويل القَتَلة إلى فلاسفة" هُو مُختصر يَقِين السارد بِأَن لا يَقين تَزامُنا مع حَدَث زَواج "أوْس" الصَدِيق الشاعر ب "منار" الشاعِرة. وإلى إتمام المَقال وزواج الشاعرَيْن حَدَث صادم مُرْعب: "رجُل مُلثّم" مُسَلّح وأمْرٌ زاجر يَدْعُو إلى الاستظهار بِبطاقة الهُويّة وبنادق مُصَوَّبَة وصفعة أَحَدِهم، وَالجَسد في "ثقب البارُود"، ثُمّ فَراغ مَشهد...
وَبِهذا الحَدَث الأخير ينقضي المَسْرُود. فهل هُو علامة على إمكان أُفُق، أَمَل بَعْد أن بَلغ حال الكارثة المَوْصُوفة أقصاها أم هُو التَوَغُّل في لَيْل مَتاهَة أُخرى؟
لِرِوايَة أمير عدنان مُصطفى القادِمَة، رُبّما، إجابةٌ أُسْلوبِيّة ودَلالِيّة مُمْكنة على هذا السُؤال.
(*) أَمير عدنان مُصطفى، "عادت الخَطِيئة إلى مَطبخي"،
تونس
: دِيار للنشر والتوزيع، 2020.
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
مصطفى الكيلاني يكتب لكم: عذاب الكائن وقُبْح الكِيان في "حرقة إلى الطليان" لصالح الحاجّة
الحداثة والحداثة المزيفة في رواية «أبناء السحاب» (الجزء الاول)
مراوغة الأجناس في رواية «الشطّار» لمحمد شكري
بقلم: آمال البجاوي
"20 تمرة جريديّة" لِصالح الحاجّة : لَيْس لنا في الأخير إلَّا الذكريات، بِها نحْيا وَمِن دُونها نَمُوت
فضح المسكوت عنه واقتحام المناطق الملغّمة
محمد شكري: عبد الحفيظ المختومي (الكنعاني المغدور)
أبلغ عن إشهار غير لائق