الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
الإعلان
التونسية
الجريدة التونسية
الحوار نت
الخبير
الزمن التونسي
السياسية
الشاهد
الشروق
الشعب
الصباح
الصباح نيوز
الصريح
الفجر نيوز
المراسل
المصدر
الوسط التونسية
أخبار تونس
أنفو بليس
أوتار
باب نات
تونس الرقمية
تونسكوب
حقائق أون لاين
ديما أونلاين
صحفيو صفاقس
كلمة تونس
كوورة
وات
وكالة بناء للأنباء
موضوع
كاتب
منطقة
Turess
Titre
تونس تُسجل نموًا ملحوظًا في أعداد السياح الصينيين
تونس والجزائر تتفقان على أهمية التنسيق والتشاور على جميع المستويات
عاجل : ترامب يطلق ''برنامج خاص للإقامة في أمريكا''لهؤلاء...بهذا السعر
سوريا ضد المغرب في كأس العرب.. موعد المباراة والقنوات الناقلة
توزر: ضبط كافة المواعيد المتعلقة بإتمام إجراءات الحج لموسم 2026 (المدير الجهوي للشؤون الدينية)
قبل الصلاة: المسح على الجوارب في البرد الشديد...كل التفاصيل لي يلزمك تعرفها
عاجل: صيادلة تونس يطالبون رئيسة الحكومة بالتدخل الفوري
صدر بالمغرب وتضمن حضورا للشعراء التونسيين: "الانطلوجيا الدولية الكبرى لشعراء المحبة والسلام"
هل الحكومة تنجّم تفرض نفس نسبة الزيادة على القطاع الخاص؟ الإجابة تنجّم تفاجّئك!
شركة تونس للطرقات السيارة تواصل أشغال التشوير لضمان أعلى مستويات السلامة
فيروس "السيدا" يمكن ان يصبح بمثابة "مرض مزمن" في حال علاجه بطريقة صحيحة ودورية واضعاف حمولته الفيروسية
دعوى قضائية تتهم ChatGPT بالقتل
طبرقة وعين دراهم تولّي قبلة الجزائريين: أكثر من مليون زائر في 2025!
العثور على جُثّتي شابين توفيا في ظروف غامضة..#خبر_عاجل
عاجل/ قائمة المنتخب الوطني المدعوة لكان المغرب 2025..
زوجين طاحوا في فخ دار وهمية: و1500 دينار ضاعوا..شنيا الحكاية؟
اختراق هاتفك بات أسهل مما تتوقع.. خبراء يحذرون..#خبر_عاجل
عاجل - ترامب في تصريح صادم : يختار هؤلاء ويطرد ملايين من دول العالم الثالث
تأجيل محاكمة مراد الزغيدي وبرهان بسيس والنظر في مطالب الإفراج
تونس تسجل "الكحل العربي" على قائمة اليونسكو للتراث العالمي
عاجل/ اسرائيل تحسمها بخصوص سلاح "حماس"..
جريمة مروعة: ينهي حياة زوجته الحامل بعد 4 أشهر من الزواج..
حادث مرور قاتل بهذه المنطقة..
بنزرت : تنفيذ حوالي 6500 زيارة تفقد وتحرير ما يزيد عن 860 مخالفة اقتصادية خلال 70 يوما
في جرائم ديوانية وصرفية: 30 عاما ضد رجل الأعمال يوسف الميموني
خولة سليماني تكشف حقيقة طلاقها من عادل الشاذلي بهذه الرسالة المؤثرة
عاجل : عائلة عبد الحليم حافظ غاضبة و تدعو هؤلاء بالتدخل
نابل: تقدم أشغال تجهيز 5 آبار عميقة لتحسين التزود بالماء الصالح للشرب
النجم الساحلي: قائمة المدعوين للتربص
نشط ضمن تنظيم انصار الشريعة وكان الناطق الرسمي باسم السلفية. الجهادية : 55 سنة سجنا في حق بلال الشواشي
تطور جديد في أزمة صلاح مع سلوت.. جلسة تهدئة بلا اعتذار وتوتر يتصاعد داخل ليفربول
هام/ هذا موعد الانتهاء من أشغال المدخل الجنوبي للعاصمة..#خبر_عاجل
البُحيرة: السجن لحارس مأوى عنف سيدة بسبب معلوم ''Parking'' السيارة
بدأ العد التنازلي لرمضان: هذا موعد غرة شهر رجب فلكياً..#خبر_عاجل
الإتحاد المنستيري: مواجهتين وديتين في البرنامج.. ولاعب جديد يغادر المجموعة
بطولة كرة اليد: البرنامج الجديد لمواجهات الجولة السابعة إيابا
النوم الثقيل: حاجة باهية ولا خايبة؟
الدورة الخامسة لمعرض الكتاب العلمي والرقمي يومي 27 و28 ديسمبر 2025 بمدينة العلوم
جوائز جولدن جلوب تحتفي بالتونسية هند صبري
حذاري: 5 أدوية تستعملها يوميًا وتضر بالقلب
النجم الرياضي الساحلي يعلن الطاقم الفني: التفاصيل الكاملة
عاجل:تونس على موعد مع أمطار قوية..التفاصيل الكاملة..وين ووقتاش؟!
اليوم الوطني للأسرة: تونس تجدد دعمها لمكانة الأسرة في المجتمع
عاجل: شوف مواعيد السفر الصيفي على جنوة ومرسيليا 2026
عاجل: توقف حركة القطارات على خط أحواز الساحل
وزير التجهيز يطلع على تقدم الأشغال في القسطين 3 و4 من مشروع الطريق السيارة تونس- جلمة
رابطة أبطال أوروبا : فوز بنفيكا على نابولي 2-صفر
هام/ طريقة مبتكرة بالذكاء الاصطناعي تكشف المحفزات الخفية للسرطان..
طقس اليوم: ضباب كثيف صباحا والحرارة بين 14 و20 درجة
فتح الحسابات بالعملة الأجنبية: من له الحق؟.. توضيح رئيس لجنة المالية بمجلس النوّاب
هيئة أسطول الصمود التونسية لكسر الحصار عن القطاع تقدم تقريرها المالي حول حجم التبرعات وكيفية صرفها
مادورو.. مستعدون لكسر أنياب الإمبراطورية الأمريكية إذا لزم الأمر
محمد بوحوش يكتب ... سوسيولوجيا المسافات
يتواصل إلى نهاية الأسبوع...ملتقى تونس للرواية العربية
المهرجان الدولي للصحراء بدوز يعلن تفاصيل دورته السابعة والخمسين
عاجل: دولة عربية تعلن تقديم موعد صلاة الجمعة بداية من جانفي 2026
اكتشف معنى أسماء كواكب المجموعة الشمسية
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
"عادت الخَطِيئة إلى مطبخي" لِأمِير عدنان مصطفى (*) : هل بِالإمكان كِتابَة السَرْد الرِوائيّ بِالشِعْر؟
مصطفى الكيلاني
نشر في
الصريح
يوم 20 - 10 - 2020
- 1 –
ازدِواجٌ أُسلوبِيّ في أداء لُعْبة السَرْد انتهجَ سَبِيلَه أمير عدنان مصطفى ضِمْن رِوايته "عادت الخَطِيئة إلى مَطبخي" هُو كِتابَة المجاز المُوغِل في مجازه: "أخْلعُ نهرا جافًّا... أمتلك عينيّ بِعَصَا أخرس"..، والسرْد المُعْتاد بِالمُطابقة: "عليَّ نزْع ضمّادات قَدِيمة، نورٌ وهي تُداعب شعري، لم تأكل مُنذ الصَباح، الدخان لا يكفي للسيْطَرة على مزاجك" (ص7).
وَبِهَذا المزْج الأُسْلوبِيّ السَرْدِيّ تَحَدّد نوْع الكِتابَة، فلا هِي سَرْد محض ولا هِي شِعْر خالص، كَأن ينفتح جنس الرِوايَة على لُغة الشِعْر واستِعارَاته وكِناياته، وعلى أساليب أَدَبِيّة أُخرى وفَنِّيّة، نِسْبَةً إلى مُختلِف الفُنون، باسترسال الحِوار الشَبِيه بِالحِوار المسرحيّ، وتَوْصِيف أوْضاع وحالات بِمَا يُقارب المشهديّة السِنمائيّة أَيْضًا...
- 2 –
"عَصْر البرزخ المبدئيّ" وَحُبْسة الكاتب و"بَيّاع الشُهداء" و"إزرا باوند أَيْضًا" هِي فُصول أربعة مُتفاوتة الأحجام، كأن يتّسع مَجال السَرْد في الفَصل الرابع بِمَا يُقارب في الحَجْم، تقريبا، مجمل الفُصول الثلاثة الأُخرى (الأوّل والثاني والثالث).
فَيَزدحم "عصر البرزخ المبدئيّ" بِالأحداث، بِالذكريات، بِالمَواقف، بِالأَمْكنة، بِالوُجوه، بِالكِتابة الشذريّة الّتِي جُملها السَرْدِيّة مُجتزَأة مُوغلة في الحَنِين إلى زَمَن مضى وانقضى، حَتَّى لَكأنَّ الابتِداء في تشكيل النَصّ حالُ مخاض عَسِير، وللشهوة أفعالها المُتَقطّعة. وَكُلّما ابتدأ حَدَثٌ انقطعَ بِآخر نتيجةَ حيْرة الكِتابَة بَيْن وَصْف الأحداث (السرْد) ووصف الحالات (الشِعْر)، ولا حسم في الأثناء. وإذَا الجَسَد لحظةَ الكِتابَة مُسْتَنْفَر بِشَتّى الأَحاسِيس والرَغبات: "فَوْضى، جَسَدِي يشهق" (ص7).
فيَرزحُ المَسْرُود نتيجةَ حال التَهَيُّج بِالذكريات والأحاسِيس تحت ثِقَل فوْضَى تعوق خُيوط سدى المحكِيّ عن التَناظُم، إذْ لا تَمَدُّد ولا تَوالُد ولا رتْق، ذلكَ أَنَّ حال الكِتابَة عالية التَوَتُّر. ولكنْ، كيْف أمْكن للذات الكاتِبة، وهي في بَدْء النَصّ، أن تُخَفّف مِن حال الارْتِباك والتَهَيُّج: هل بِالبَحْث عن طريق أُخرى إلى السَرْد بِفائض الشِعْر أمْ بِالمُختلِف عنه أُسْلوبًا؟
- 3 –
يُواصل الرِوائيّ الشاعر أو الشاعر الرِوائيّ كِتابة المنقطِع المُتَشظِّي اللَّا- مُتناظِم السَرْدِيّ شِبه الهَذَيانِيّ: "هذه الهذيانات المسرحيّة العبثيّة لِعائلتي" (ص30) بِالحَرَكة الدَورانِيّة داخل فَضاء حِكائيّ مُنحبس. وفي زحمة الأحداث والحالات خيْطُ حِكاية ناحل يتشكّل أثناء الكِتابَة بِأَنا- السارد و"نُور" و"عُلا" و"رفاه" والأب السَلفِيّ والقهر والدِراسة الجامعيّة ووحَل السِياسَة والانتِماء الإيديولوجِيّ وذكريات السجن. فتَدّاخل الحِكايات، تتقاطع في مُشتَرَكٍ سَرْدِيّ غيْر مُتناسِق بِقَصْد الأدَاء العفوِيّ، وبِالإغماض المُتَعَمَّد، إذْ لا حاجة بَلاغِيّة إلى الكَشف والانكِشاف، ولا أمانَ بهما، كما لا إرضاء لِنَفس ولا إشباعَ لِأَيّ رغبة، بل كُلّ الرَغبات هِي، تقريبا، مُنقطعة مَبْتُورة، والظاهِرُ المَحْكِيّ مُعتم يُخفي وَقائع كارثيّة في حَياة الفرْد وَحياة المجمُوعة، على حَدّ سَواء.
وإنْ جرت عادَة السَرْد انتِهاج سَبِيل الوُثوق انتِقاءً لِأَحداث دُون أُخرى في نسيج المَحْكِيّ، فَالكِتابة السَرْدِيّة في الفصل الثاني، مُوَاصَلَةً في نهج الفصل الأَوّل ذاته الأُسلوبِيّ، هِي مُحاوَلَةٌ لِتَجْلِيَة البعض مِن العَتمة وأدَاء حِيلة الإخفاء بِمُمارَسة لُعْبة خاصّة مِن إنشاء اللُّغة السارِدَة الّتي تذهب إلى التَلْمِيح أكثر مِنه إلى التَصْرِيح، وإلى بعض مِن الهذي المُتَعَمَّد. فَتدّاخل دلالات الجِنس والسِياسَة والكُتب مِن تُراثِيّة وحَداثِيّة، وَأَسْماء الكُتّاب شَرْقًا وغرْبًا، والوحدة والحَنين إلى زَمَن الأُمّ واعتِياد السُجون، وأطياف أمْكنة مِن
دمشق
، وخَيْبة أَمَل جيل، وَمِن قبله أجيال...
وَخَيْط الحِكايَة الناحل هُو الناظم الأَوْحد لٍهذَا الشتات المُسْتَبِدّ: الاختلاء ب "عُلا"، وَظُهور أَخِيها وغَضَبه الشَدِيد، وما تَعَرَّض له أنا- السارد مِن تعنيف...
- 4 –
فهل تَزُول حُبْسة الكِتابَة بِالفَصْل الثالث: "بَيّاع الشُهداء" لِيتحوّل خَيْط المحكيّ الناحل في الفَصْلين الأوّل والثاني إلى ناظِم مَتِين؟
يُضحِي السارد مُعَرَّفًا بالاسم (فجر)، ويتحدّد الزَمان ب 2011. كما يَتَشكّل المحكيّ حِوارا يَدُور بَيْن "فجر" و"منار" الشاعرة والكاتِبة المسرحيّة الأَرْمل بَعْد استشهاد زَوْجها في الأحداث الّتِي اندلعت في سُوريا عامَ 2011.
ويتّضح المَكان بِدِمشق (باب شَرْقِي وَكَنِيسة الزَيْتُون وجَرَمانا والحارات القَدِيمة...)
يتشكّل المَسْرُود في الفَصْل الثالث باستئناف العَلاقة بَيْن "فجر" و"منار" الأَرْمل بَعْد شهريْن مِن الزَواج.
ويُوغل في تراجيديا الحال بِفَوْضى الأَحاسِيس والذكريات تَزامُنًا مع الوَقائع الجَدِيدة، بِما حَدَث لِسُوريا عامَ 2011. فَيُخْلد "فجر" إلى نفسه في حَدِيقة القشلة. يشرب العَرق ويتذكّر ما كان له مِن علاقة مع "عُلا" وما حَدَث له مع أخيها "مازن"، وَيُفكّر في الثوْرة الفرنسيّة...
إلَّا أنَّ المحكيّ في هذا الفصل الثالث يظلّ مُتَردّدا بَيْن التَمَدُّد والتناظُم وَبَيْن زحمة الحالات والذكريات، غيْر حاسم في أَحَدِ الاتِّجاهيْن، وإنْ نزع السَرْدُ إلى المُطابقة في وَصْف عَدَد مِن الأحداث أكثر مِن الإيحاء، رغم كثرة الأحداث والأَمْكنة والتفاصيل، تصل بَيْنها "حارات جَرَمانا"، وهي "مناطق مُتاخمة، مُفعمة بِالبارود والجُثَث..." (ص71).
فَتَدَّاخل المُوسِيقى والشِعر والنَبِيذ والطَعام وَعَدد مِن وُجوه وأسماء وشذرات أحداث واقعيّة وأُخرى أُسْطورِيّة...
- 5 –
فَيُواصل أمير عدنان مُصطفى أداء السَرْد بِأُسْلوب مُتَقطّع مُتَداخل شذريّ، وإنْ تَحَوَّلَ المَسْرُود في الفصل الثالث (بيّاع الشُهداء) قليلا مِن ازدِحام الحالات والأحداث نتيجَةَ حيْرة الكِتابَة بَيْن إنشاء السَرْد وتأثير أُسْلوب الشِعْر إلى مَوْصُوف الأحداث. ففي "أزْرا باوند" (الفصل الرابع) يذهب المسرُود إلى البعض مِن التَمَدُّد بِوَصْفٍ يسترسل في المُطابقة عِند أداء عَدَد مِن الأحداث اليَوْمِيّة: تركيب النَجّار للسرير والاستِعانة به على دفع "السيرف المُسْتخدَم لِوُلوج شبكة الإنترنيت، وكبْت الصدِيق "عيسى" الجنسيّ وملاقاته رفقة "روان"، "شاعرة مِن الطِراز الثَقِيل..." (ص84)، ثُمّ انصِرافها عاجِلًا وطلب "عِيسى" مِن "فجر" المُساعدة على إطلاق والده مِن السجن...
هُو مَحْكِيّ الخارج تنفتح عليْه جُوانيّة الداخل حيْث وقائع المَدِينة تبدُو مُتضاربة مُتَداخلة مُلْتبسة فَضائحيّة أحيانا، والرغبةُ هِي الأُخرى مُلْتبِسة: الرغبة في الحَياة، والرغبة في الكِتابَة بِذاكرة مُشَوَّشة ومخيّلة شَدِيدة الازدِحام بِكَثرة الصُوَر والوُجوه إذْ تلتقي "رفاه ونور وعُلا في مُخَيِّلة واحدة" (ص90)، وإليهنّ "مَنار" وذِكرى العشاء بَيْن المَطبخ والصالُون وخيال الدّم والخَراب المُتّسع وشَبَح المَوْت يتهدّد الجَميع، و"مساءات القِحاب والجِيل الجَدِيد مِن استِيراد الذُلّ" (ص93)، والشُهدَاء بِالآلاف، وأحدهم "رشاد"، وزوْج "منار" الّتِي ظلّت على عُذْرِيّتها بعْد شهرين على وفاته. فَمُختصر الحِكايَة، هُنا، هُو ك مُختصر حِكاية "منار": "منار قُبّعة مِن رِيح، تَعِيش على أنقاض مُتاخِمة لِقَصِيدة نثريّة تبدأ بِطُزّ" (ص94).
- 6 –
وإذَا "مَنار" تختصر واقع الكارثة. هِي الألم الجُوانِيّ، والأمل أَيْضًا، وإنْ ظَلّ هذا الأخير حَبِيس رغبة مُعَطّلة داخل فَضاء مُغلق، هُو المَدِينة وبيْتٌ داخل المَدِينة، بل مَطبخ هُناك داخل البَيْت. وكما الطَعام هُو مَزْج، بل أمْزاجُ مَوادّ غذائيّة فَالحياة مَطبَخ خاصّ حيْث أمْزاج أُخرى مِن ذِكريات وأحلام ورغبات ومحْظُورات واستِيهامات...
كذا مَدِينة الرِوايَة غارقةٌ في عَتمة حال غريبة، كَعتمة مسْرح كبير تتلبّسه ظلمة عَمِيمة وتُحرّكه في الداخل شهوة الدّم، وَمُمثّلوه هُم مُتَفرّجُوه..
وَلِأَنّ الحال السَارِدة والمَسْرُودة معا واضحة حِينًا مُلْتبسة أحيانا فقد اتَّخذ المَرْوِيّ له في جُلّ المواطِن صِفة التَداعيات تُؤدَّى بِشتات وَقائع، بعضُها حياتِيّ يَوْمِيّ وبعضُها الآخر سِياسِيّ كَيْنُونِيّ بِما يَرد مِن إلماحات إلى السجن والعُنف الدَمَوِيّ وعَدَد مِن فَضاءات الكُتّاب والفَنّانِين والإعلامِيّين...
إنّها حِكايَة فجر بن وائل الناصر: اسْمٌ مُسمّاه سَجين عالم مهزُوز. وداخل هذا العالم سجن، بل سُجون. وَبَيْن العالميْن الجُوانِيّ والخارجيّ مَتاهة كُبرى. وفي زحمة الأحداث والوُجوه صُورة الأَب تظهر ثُمّ تختفي بِمُجمل تَناقُضاتها: "رُسوماتٌ وصلواتٌ وفلسفة" (ص110).
وإلى صُورة الأَب و"نور" و"منار" و"عُلا" وعِيسى الصَدِيق وأشخاص آخرين يَرِد ذِكر سعد الله ونُّوس ومُظفّر النّواب وأُنسي الحاج، وأسماء مُسْتعارَة أُخرى، ك "منار" و"أَوْس" الشاعريْن...
- 7 –
كذا يزدحم فَضاء المَرْوِيّ بِوقائع مَدِينة، بل بعض مِن مَدِينة، كَالمُحَدَّد مكانا، حَسَب التقريب، بِما يَصِل بيْن "باب توما" و"جَرَمانا" ناقِلا إليْه في الأثناء الكثير مِن زحمة الصُوَر والوُجوه والوَقائع داخل عالم الراوي الجُوانِيّ الّذِي هُو سَجِين قلق، لا كَأَيّ قلق، يستدعي، بل يستلزم كِتابَةً، لا كَغَيْرها مِن الكِتابَات، لِحاجتها إلى السَرْد، كحاجتها إلى الشِعْر في سياق الكِتابَة ذاتها.
وإذَا "عادت الخَطِيئة إلى مَطبخي" لِ أمير عدنان مُصطفى، في المُحصّل الأخير، مشرُوع كِتابة رِوائيّة ابْتِداءً لا انتِهاءً، ولا إنْهاء: شتات أحداث، انقِطاعات سَرْد مُتَتالِية، دَوران أوْ ما يُشبه الدَوران في فراغ حال، وإن أُشِير إلى مَكان مُحَدَّد، بَيْن "باب توما" و"جَرَمانا" و"حَدِيقة القشلة" وَعَدَد مِن المَقاهِي والنوادي هُناك...
فَلا تَمَدُّد لِلْمَحكِيّ، رغم ابْتِداءاته المُتَقطِّعة، وإنّما حَرَكة المَوْصُوف السرْدِيّ هِي دَورانيّة دائريّة، بِتأثير مَوْصُوف الحال الشعريّة: أفعالُ استِدارة لا تُراوح مَكانها، تقريبا، بِزَمَنِيّة جُوانِيّة تستقدم إليْها زَمَنِيّة الخارج بِحَرَكة جَذْب لا نَبْذ، والْتِفاف لا تَمَدُّد. فلا سَدَى لِمَرْوِيّ في الظاهر، وإنَّما المرْوِيّ هوُ نُثار أحداث، تِكرار في أحيان كَثيرة لِأَحداث- حالات استلزَمها نوْع الكِتابَة السَرْدِيّة المُتَشظّية وَمُقارَبة واقع المَتاهة واحتِجاب الأُفُق أخيرا... ولعلَّ مَقال "تحويل القَتَلة إلى فلاسفة" هُو مُختصر يَقِين السارد بِأَن لا يَقين تَزامُنا مع حَدَث زَواج "أوْس" الصَدِيق الشاعر ب "منار" الشاعِرة. وإلى إتمام المَقال وزواج الشاعرَيْن حَدَث صادم مُرْعب: "رجُل مُلثّم" مُسَلّح وأمْرٌ زاجر يَدْعُو إلى الاستظهار بِبطاقة الهُويّة وبنادق مُصَوَّبَة وصفعة أَحَدِهم، وَالجَسد في "ثقب البارُود"، ثُمّ فَراغ مَشهد...
وَبِهذا الحَدَث الأخير ينقضي المَسْرُود. فهل هُو علامة على إمكان أُفُق، أَمَل بَعْد أن بَلغ حال الكارثة المَوْصُوفة أقصاها أم هُو التَوَغُّل في لَيْل مَتاهَة أُخرى؟
لِرِوايَة أمير عدنان مُصطفى القادِمَة، رُبّما، إجابةٌ أُسْلوبِيّة ودَلالِيّة مُمْكنة على هذا السُؤال.
(*) أَمير عدنان مُصطفى، "عادت الخَطِيئة إلى مَطبخي"،
تونس
: دِيار للنشر والتوزيع، 2020.
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
مصطفى الكيلاني يكتب لكم: عذاب الكائن وقُبْح الكِيان في "حرقة إلى الطليان" لصالح الحاجّة
الحداثة والحداثة المزيفة في رواية «أبناء السحاب» (الجزء الاول)
مراوغة الأجناس في رواية «الشطّار» لمحمد شكري
بقلم: آمال البجاوي
"20 تمرة جريديّة" لِصالح الحاجّة : لَيْس لنا في الأخير إلَّا الذكريات، بِها نحْيا وَمِن دُونها نَمُوت
فضح المسكوت عنه واقتحام المناطق الملغّمة
محمد شكري: عبد الحفيظ المختومي (الكنعاني المغدور)
أبلغ عن إشهار غير لائق