لا يختلف اثنان في وجود ترابط وثيق بين الحرّية و الكرامة، فلا يمكن للإنسان غير الحرّ أن يعيش بكرامة، و كلّ انسان يعيش دون كرامة فإنّه – حسب رأينا المتواضع – يعيش خارج نطاق الحرّية و بالتّالي هناك تلازم بين الحرّية و الكرامة. و من هذا المنطلق نرى و أنّ ما يعيشه مجتمعنا اليوم بعد 10 سنوات من حياة " الثورة " من ارهاصات و على كلّ الأصعدة ليس إلاّ تجسيدا لانقطاع هذا الترابط و هذا التلازم بين الحرّية والكرامة. ونجزم هنا أنّ كلّ التحركات التي يأتيها الشباب اليوم - مع رفضنا التّام و المبدئي لأي نوع من الفوضى الهدامة و الاعتداء على الأملاك العامة و الخاصّة – مأتاها الأساسي وسببها هو الإنخرام بين هذين الجانبين ( الحرّية و الكرامة ) و بالتالي نقول – بعيدا عن الحسابات السياسية الضيقة – و أنّ الفقر مدّمر لإنسانية الإنسان و سالب لحريته و عائق في سبيل تقدمه و من هنا يتّضح جليّا أهميّة المطالب التّي تبناها شباب الثورة و رفعها عاليا لوعيه و إدراكه بهذا الشعار الهام. المترابط و المتلازم بين عناصر الثلاثة " شغل، حرّية، كرامة وطنية " و بالتالي فلا كرامة دون شغل و حرّية في ظلّ الفقر و لا كرامة وطنية في ظل استبداد السلطة وتهميشها لشعبها. ومن هنا نستشف عمق هذا الشعار المرفوع حتّى لا نقول بأنّه عبارة على برنامج متكامل يحمل بين طياته معاني التنمية و الاستثمار و التشغيل و احترام المواطن و علوية القانون .و لكن للأسف لم يتم تبنيه لقاء الفكر الغنائمي الذي ساد. و الأنانية المفرطة لساسة هذا العصر.؟ ولكن للأسف الشديد أضاع أولي " الأمر " فينا قيمة هذا الشعار بل و ركلوه تحت أقدامهم على السجاد الأحمر و لم يعيرونه و لو قيمة ضئيلة و النتيجة كما نرى بعد عشر سنوات مرّت في " تقعيد العود " و للمفارقة بقدر ما زاد الشعب الكريم فقرا و تدحرجت أوضاعه نحو الأسفل بقدر ما غنم ، من ركب على ظهر الثورة و رفس هذا الشعار تحت قدميه، الجاه و المال و العزّة و العلاقات و تحقيق المصالح و الثراء السريع فضلا عن الفساد الذي عمّ و المحسوبية التي أصبحت تمشي بيننا جهارا بهارا و لكن في المقابل تاه البقية و خاصة من نزل و افتك حرّيتة من النظام السابق على أمل أن ينال الكرامة و الشغل و علوية القانون ممّن سيتداولون على الحكم من بعده ؟ و لكن لا يخفى على أحد مآلات من خرج و تصدى بصدر عار للموت فاستشهد من استشهد و جرح من جرح لتتم عملية سطو مفضوحة على تضحيات هؤلاء الشباب من قبل من اعتقد فيهم أنّهم سيواصلون المشوار و يكرّسون و يجسدون على أرضية الواقع مضامين شعار الثورة و لكن الواقع أسقط كلّ أقنعة هؤلاء و سقطت عن عورتهم ورقة التوت. و الغريب و أنّ هؤلاء لم يتعظوا و يقوموا بتصحيح مسار الثورة منذ سنواتها الأولى بل وصل الحدّ من أجل تقاسم السلطة إلى حدّ الاغتيالات السياسية و لم يكفهم ذلك واصل " الدنكيشوطيون " ترذيل العمل السياسي في المؤسسات الدستورية و تركوا جانبا المشاكل الحقيقية للبلاد و العباد و كلّما تمّ نقدهم عن المأساة التي تسببوا فيها للمجتمع بأسره إلاّ و تشدقوا بمكسب الحرّية و كأننا قبل ذلك كان المجتمع التونسي يعيش العبودية و يتسوّل قوته؟ أيّها السادة الكرام وتحديدا الساسة الأشاوس، الشعب يقول لكم – عبر هذه التحركات - لقد خنتم الأمانة التي لم توكل إليكم بل اغتصبتموها، فعلى الأقل كونوا في مستوى هذه الأمانة المغتصبة حتّى تحفظوا بعض ماء الوجه من اغتصابكم للثورة و اغتصابكم للأمانة .و بالتالي على الجميع أن يعي و أنّ الشعب التونسي " ما هوش سيدي تاتا " لأنّه على ما يبدو أنّه جاع حقيقة و يعيش التهميش في غياب أفق أو حتّى بصيص من الأمل و ما خروج الشباب – ورجاء نبتعد عن تهم التخوين و تهم التحريض المجاني – لأنّنا في ساعة مفصلية في حياة تونسنا الحبيبة و هي ساعة تقتضي منّا جميعا المصارحة و تسمية الأشياء بأسمائها بعيدا عن الخطب الخشبية، تونس التي ضحّى من أجلها أجدادنا و آباؤنا، فلنكن في مستوى اللحظة و ننقذ الوطن و الدولة ممّا تردّت فيه ؟ أنتم بشطحاتكم و غروركم و الفكر الغنائمي الذي تحملون ساهمتم بقدر كبير في هذا الوضع الذي تعيش البلاد و العباد اليوم؟ فكيف تفسرون و البلاد على وشك الافلاس و الشعب يعيش الضنك و الارهاب يتربص بنا و الشباب فقد الأمل في غد أفضل، كيف تفسرون هذا العبث السياسي اليوم من طرفكم ، فهذا يقرّر تعديل حكومي لإرضاء أطراف سياسية بعينها وأيضا كي يطيل أمد جلوسه على الكرسي؟ و مجلس نواب – ترك كلّ المشاكل الحقيقية للبلاد و العباد – و انغمس في مهاترات إلى درجة رذّلت العمل السياسي برمته بل وصل الأمر – بعد السباب و الشتائم بالمفضوح- إلى استعمال العنف المادي داخله و إسالة الدماء و تعطيل عمل المجلس و كلّ يعمل على تطويع هذا المجلس لصالحه و تحقيق غايات لا علاقة لها بالشعب. و الوطن..؟ هنا أسألكم يا أولي " الأمر " فينا بعد كلّ هذا التهميش و بعد كلّ العنف و الترذيل للعمل السياسي و بعد كلّ هذا الابتعاد عن المهام الحقيقية التي انتخبتم من أجلها و بعد هذا الوضع المتدني الذي أوصلتم الشعب إليه بل و حتّى الدولة أصبحت مهددة بتقويض أركانها، بعد كلّ هذا ماذا تنتظرون من الشباب العاطل عن العمل من دكاترة و مهندسين و خريجي الجامعات عموما فضلا عن بقية المنقطعين عن التعليم و كلّ المهمشين؟ هل تنظرون أن يصفقوا لكم لكلّ هذه الانجازات الكبيرة التي حققتموها؟ هل تنظروا أن يرفعوكم على الأعناق للنجاحات التي غيّرت وجهة البلاد و العباد ؟ ماذا حققتهم سوى تقسيم المجتمع و زرع الكراهية و الفتنة بين الشعب الواحد ؟ ماذا حققتم سوى التخبط و تهميش المواطن؟ ماذا حققتم سوى التحيّل على القانون لتبرير تحويل المال العام لغير أهدافه؟ فماذا تنظرون بعد كلّ هذه الانجازات؟ الشعب و الشباب تحديدا قال لكم لقد طفح الكأس؟ و انتهت اللعبة؟ أردمتم الحكم فكان بين يديكم، فماذا فعلتم به للعباد و البلاد؟ فيكفي التشدق بالحرّية فالحرية التي لا تكون متلازمة مع الكرامة لا قيمة لها خاصة إذا كانت البطون خاوية و الأمل في غد أفضل مفقودا.؟ فهل وصلت الرسالة و صححتم المسار قبل فوات الأوان...؟ فقط نختم بكلمة شكر لكلّ طواقمنا الأمنية و العسكرية و كلّ شرفاء هذا الوطن الذين يتصدون لكلّ أعمال السرقة و الاعتداء على الأملاك العامة و الخاصة و العمل على بسط الاستقرار و الهدوء لإيمانهم بقدسية هذا الوطن و الدفاع عليه داخليا و خارجيا " و يعملوها الساسة و يحول فيها الأمن و الجيش "