في ذكرى تأسيس اتحاد المغرب العربي (17 فيفري 1989 ) لا نجد من هذا الحلم إلاّ أضغاثه و سرابه ومزيدا من الابتعاد و مزيدا من التغريب و مزيدا من الغربة و مزيدا من انفراط حبات عقده، فتونس لم تعد تونس التي نعرفها و ليبيا أضحت لغة المدافع فيها هو أسلوب التحاور، رغم بعض الأمل في حلحلة الوضع بها، و موريطانيا تعاني فقرها و عزلتها و ضعفها كعادتها و لا من سائل عنها و المغرب للأسف ارتمت في حضن عدوها أمّا الجزائر – و هي أملنا جميعا - ، بحكم صلابة جيشها و إرادة شعبها وجرأة سياسييها، مازالت الأطماع خارجيا و داخليا تتربص بها وبقدراتها؟ وبالتالي ماذا بقي من حلم بناء المغرب العربي الذي مرّ على لبنة تأسيسه ما يزيد عن 3 عقود ( 17 فيفري 1989 ) و عاش على وقع تحقيقه كل شعوب الدول الخمسة ...؟ و هذا هو السؤال المركزي الذي لا بدّ من الخوض في تفاصيل أغماره حتّى نقف عند حقيقة ما يحول لبناء هذا الصّرح الكبير لدول المغرب العربي وهي تونس و الجزائر و موريطانيا و ليبيا و المغرب..؟ قدرات هامة و لكن : واستسمحكم قبل الإجابة على هذا السؤال أن نقدم بعض الأرقام حول دول المغرب العربي كما نرى دوله مجتمعة، فالمغرب على ثروات طبيعية هامة تشمل الموارد الفلاحية (خمس أراضيه خصبة و صالحة للزراعة ) و المعدنية ( خاصة من الفسفاط و يحتضن أكبر احتياطي في العالم من هذا المعدن ) و السمك ( و يعد المغرب من أهم الدول المنتجة للسمك و يملك 17 ميناء مخصصا لذلك و ينتج حوالي 600 ألف طن من الأسماك تجلب له حوالي 250 مليون دولار من الأرباح سنويا ). في حين يرتكز الاقتصاد الجزائري على الثروات النفطية و الطاقية بالأساس و تحتل الجزائر المرتبة 15 عالميا في احتياطي النفط و المرتبة 18 من حيث الانتاج و المرتبة 12 من جانب التصدير، إضافة إلى ذلك فهي تملك ثروات مهمة من الغاز و تحتل المرتبة 5 من حيث الانتاج و المرتبة 3 في التصدير نحو العالم بعائدات مالية هامّة فضلا عن أراضيها الخصبة و الكميات الهامة من المعادن كالحديد و الزنك و الرصاص و الرخام و الذهب و الماس و اليورانيوم. أمّا الشقيقة ليبيا فالنفط يشكل العماد الأساسي في اقتصادها حيث تتضمن على احتياط نفطي يقدّر ب 40.5 مليار برميل كما تملك ليبيا احتياطات مهمة من الغاز الطبيعي تقدر ب 52.7 تريليون قدم مكعب وتنتج حوالي 11 مليار متر مكعب يوميا من الغاز و لديها أيضا موارد بتروكيماوية و الحديد والأسمدة والأسمنت ومواد البناء. أما تونس، و ان كانت لا تمتلك ثروات بحجم الجزائر أو ليبيا فإنّها تملك ما يكفي لتلبية سكانها البالغ عددهم حوالي 12 مليون باعتبارها تنتج ما معدله 97 ألف برميل يوميا من النفط كما تتوفر لها أيضا ثروة مائية مهمّة و حوالي 18 بالمئة من مساحتها الجملية هي أراضي صالحة للزراعة فضلا عن اكتفائها الذاتي من الأسماك و مادة الفسفاط.. في حين تعتبر موريطانيا أفقر دول المغرب العربي الكبير إلاّ أنّها هي الأخرى لديها من الثروات البترولية والمعدنية و البحرية حيث يتوفر لديها احتياطات بترولية تقدر ب 600 مليون برميل و لكن لا تتمكن من استخراج منها إلاّ 8000 برميل في اليوم كما تنتج موريطانيا ما يناهز 1.1 مليون طن من الحديد سنويا وهي نسبة ضعيفة جدا مقارنة مع مخزونها من هذه المادة ( الحديد ) و تعتبر ثاني مصدر له على مستوى القارة الافريقية. هذا و إنّ قدرات اتحاد المغرب العربي الكبير لو تمّ تفعيله لكانت مساحته الجملية في حدود 5782141 كلم2 و يضم 98 مليون نسمة و أراضي زراعية تمتد على 1371565 كلم2 و احتياطي نفط بأكثر من 60 مليار برميل و من الغاز بأكثر من 6 تريليون متر مكعب و احتياطي من الذهب ب 250 مليار دولار باستثناء تونس و موريطانيا و أيضا عسكريا يعدّ حوالي 788 ألف عسكري و 2700 دبابة و 930 طائرة و مثلها من القطع بحرية فضلا عن القدرة التنافسية و الاستثمارية و التشغيلية لهذا البناء المغاربي و لكان منافسا شرسا اقتصاديا و احتل المكانة التي تليق به في الاقتصاد العالمي و لكانت كلمته مسموعة بل و يقرأ له ألف حساب...؟ وتاه الحلم بين غياب الإرادة و الثورات المشبوهة و و الهرولة نحو التطبيع: وبالعودة على السؤال الذي يقول ماذا بقي من حلم بناء المغرب العربي الذي مرّ على تأسيسه ما يزيد عن 3 عقود (17 فيفري 1989) نقول أنّه بالرغم من حتمية هذا البناء عاجلا أم آجلا فإنّ كلّ تأخير يشكل خسارة كبيرة لدول المغرب العربي الكبير باعتبار التحديات التي يمكن أن تعصف بها و هي فرادى و متفرقة خاصة و نحن نعيش عصر التكتلات ( الاتحاد الأوروبي و غيره ) و بالتالي بقراءة لمطبات هذا البناء نرى في مقدمتها معضلة الصحراء الغربية بين الجزائر و المغرب التي تعتبر حاجزا مهما لإنجاز هذا الفضاء المغاربي ولكن هل يمكن القول أيضا إضافة إلى هذا السبب البارز و أنّ ساستنا لا يريدون أيضا التفريط في السيادة التي اكتسبوها بعد نيل الاستقلال و بالتالي يختبؤون وراء معضلة الصحراء الغربية حتّى يحافظون على كياناتهم على حساب شعوبهم الذين ينتظرون في اطار هذا الفضاء المغاربي الحلول لكل مشاكلهم و خاصة على مستوى التشغيل و فرص الاستثمار و الرفاه الاجتماعي و الضغط على تكاليف الحياة باعتبار كل تلك القدرات التي عليها الفضاء المغاربي لو توحّدت دوله الخمسة ؟ و لكن أيضا هناك عوامل خارجية تتمثل في الضغوطات الخارجية على منطقة المغرب العربي الكبير و تتمثل خصوصا في تكالب القوى على هذه المنطقة و الأطماع على غرار قوى دولية قديمة مثل أمريكا و فرنسا و روسيا و قوى دولية جديدة كالصين و تركيا و الكيان الصهيوني فضلا عن ضغوطات أخرى تمارسها كلّ من السعودية و قطر و ايران. ويبدو أيضا و أنّ الثورات المشبوهة التي تمّ تحريك خيوطها من خارج الحدود من بين الأسباب لتأخير هذا البناء المغاربي حفاظا على مصالح هذه الأطراف الخارجية لا تسمح بالتقارب العربي / العربي لذلك تحاول بعض الدول الامبريالية الطامعة في مقدرات هذه الدول المغاربية دون هذا الانجاز . و هذا الزحف الثورجي التي داهم دولنا المغاربية – بدل أن يغيّر دول المغرب العربي نحو الأفضل – أتى على كلّ ما هو جميل بها و يكفي أن نرى ما حصل و يحصل في لبيبا من الدمار و اهدار قدرات البلاد و العداوة القائمة بين الإخوة الأعداء و الخراب التي خلفته المواجهات الدامية .و المغرب رغم أنّها لم يعش اضطرابات و تململات شعبية قاتلة إلاّ أنّه للأسف الشديد ارتمى نظامها في احضان الكيان الصهيوني و هرول نحو التطبيع مع هذا الكيان الغاصب و المحتل للأراضي الفلسطينية و السالب لهم لأبسط حقوقهم . أمّا الجزائر فقد عانت هي الأخرى من نيران وهج هذا الخريف العربي و كاد أن يعصف بأمنها و استقرارها لو لا حكمة رجالها و وعي شعبها و وطنية بعض أحزابها. أمّا تونس – قاطرة هذا الخريف العربي المشؤوم – ها هي مهددة على كلّ الجبهات، سياسيا ( و الوضع لا يخفى على أحد وصل إلى حدّ التصادم بين المؤسسات الدستورية فضلا عن التفاف الاسلام السياسي على كلّ دواليب الدولة ) واقتصاديا (البلد على وشك الإفلاس) اجتماعيا (التحركات تجتاح كل الولايات).. وبالتالي فإنّ المغرب العرب لو كان قائما في ظل هذه الحركة العالمية و موجة ما يسمى " بالربيع العربي " لكان قد صمد أمام كلّ الرياح العاتية و لكان تصدى لكلّ ما يحاك ضدّ من دسائس " فرّق تسدّ " بل لكان العالم بأسره يقرأ له ألف حساب باعتبار لقدراته الهائلة كما ذكرنا اقتصاديا و اجتماعيا و عسكريا و لكن أمام كلّ العراقيل التي تحول دون بناء صرح اتحاد المغرب العربي الكبير، هنا نحن يفتكّون بنا فرادى فالمغرب " طبّعوها " والجزائر " خذلوها " و تونس " أربكوها " و ليبيا " خرّبوها " و موريطانيا " فقّروها " و للأسف قادة العرب في مغربنا الكبير مازالوا يتمسكون بكراسيهم دون إعمال العقل و في غياب استراتيجيات و تنسيق بين دولهم رغم ما حباها الله بها من خيرات تحت الأرض و فوق الأرض و لكن في غياب الفكر الثاقب و انزواء أيضا النخبة الحيّة التي عليها أن تفكر و تخطط لمستقبل بلداننا المغاربية و في غياب توحيد الكلمة وخدمة الشعوب فها نحن على ما نحن عليه من ضعف و فقر و أميّة و تناحر وإهدار لكل قدرات دولنا ؟ فنحن - و بكل مرارة نقولها - ليس بيننا رجال دولة – خاصة في هذه الحقبة من تاريخنا – يفكرون بمنطق العقل و يسيرون دواليب الدولة من منطلق الوطنية و يفكرون في مستقبل شعوبهم لتوفير كل أسباب الرخاء و الرفاه الاجتماعي لهم. و المفروض أن يتعاملوا مع الآخر النّد للنّد و بكل ثقة و لكن و للأسف أيضا دولنا المغاربية و شعوبها ها هي تعاني الأمّرين ؟ و السؤال هنا لماذا وصلنا إلى هذا الوضع ؟ هل يرجع ذلك للفساد الذي استشرى في كل مفاصل دولنا؟ أم لأنّ من وليّناها أمرنا تنقصهم الإرادة؟ أم هناك أيادي خارجية تحول دون وحدتنا؟ أم الداء فينا و مرضنا عضال لا ينفع فيه إلاّ " كي النّار "..؟؟