- هذه الأرض الشاسعة الممتدة شمالي قارة إفريقيا من نواكشوط إلى طرابلس، والتي تحتضن خمس دول عربية: تونس وليبيا والجزائر والمغرب وموريتانيا، يسكنها ما يزيد على 90مليون مسلم، فوق أرض تنوعت تضاريسها وتكاثرت ثرواتها الباطنية والطبيعية على مساحة تفوق 6ملايين كم2. تعتبر فيها الجزائر من أكبر منتجي الغاز والنفط في العالم، وتحتل المرتبة الأولى عالميا في تصدير الغاز الطبيعي المسال، وحسب الدراسات الحديثة، لها من هذه الثروة احتياطي لمائة عام أو يزيد، ولها في باطن الأرض الحديد والفحم واليورانيوم والذهب والرصاص والنحاس والزنك والزئبق. ويملك المغرب 70بالمائة من احتياطات الفسفاط العالمي. وتحتل تونس المرتبة الثالثة عالميا بعد اسبانيا وايطاليا في تصدير زيت الزيتون. وتعتبر ليبيا من بين أكبر منتجي النفط بحيازتها المرتبة 18 عالميا. ولموريتانيا ثروة سمكية هائلة في أعماق الأطلسي، كما أنها صارت حديثا من مصدّري النفط والحديد... هذه الأرض وهذه الثروة تملكها شعوب متجانسة الهوية والانتماء، حيث الإسلام انتشر في المنطقة واستعرب أهلها منذ الزمن الأول للخلافة الراشدة. فأهل المغرب العربي مسلمون وعلى مذهب فقهي مالكي واحد، وتركيبة مجتمعاتهم نقية من الطوائف وتعدد الأعراق، وعوامل الوحدة عندهم تغلب عوامل الفرقة... فإلى أي مدى يمكن اعتبار الحكام المتعاقبين على رؤوس الدول المغاربية منذ فجر الإستقلال، مسؤولين مسؤولية مباشرة عن الخسائر الفادحة التي تلحق يوميا بشعوب المنطقة في تشتّتهم وعدم توحّدهم في كيان سياسي واقتصادي وعسكري يحمي مصالحهم، ويقوّي شوكتهم، ويستثمر ثروتهم لصالح التنمية الشاملة لكل قرى ومدن المغرب العربي الكبير..؟ لقد سبق لهذه المنطقة من الوطن العربي أن توحّدت أجزاء منها تحت راية المرابطين (القرن 11م-12م) الذين انطلقوا بحركتهم الإصلاحية والوحدوية من موريتانيا، لتصل ذروة ازدهارها ونفوذها مع يوسف بن تاشفين الذي قضى على الطوائف ووحّد الممالك تحت راية العروبة والإسلام... ثم جاء الموحّدون وهم من أصل أمازيغي بربري، بحركة إصلاحية شاملة بقيادة المهدي بن تومرت ثم عبد المؤمن بن علي، فشهد عام1200م تمام الازدهار والوحدة بين تونسوالجزائر وليبيا والمغرب وموريتانيا... لقد تمت تلك المشاريع الوحدوية تحت راية العروبة والإسلام، ويومها كانت دول الإسلام تمتد من وادي الذهب بالمغرب إلى مشارف الفيليبين، وكان المسلمون سادة العالم وقادة الحضارة الإنسانية. فيومها لم تكن هناك قوة نافذة في الأرض يمكن لها التحكم وبسط نفوذها على الشعوب الإسلامية غير قوة الإسلام وعقيدة التوحيد... ولمّا ضعفت الأمة وأصابها الوهن وحلت بها النوائب في دورة تاريخية ضاعت فيها الأندلس، تداعت الأممالغربية الصليبية على الشعوب الإسلامية وعلى ثرواتها، وتهالكت دول الإسلام وسقطت فلسطين بيد اليهود.. ولا زالت هذه الأمة ضعيفة اقتصاديا وعسكريا، وهيّنة أمام دول الغرب المتقدّم الماسك بهذه الدورة التاريخية والقائد للحضارة الإنسانية المعاصرة. ومن استراتجيات التحالف الغربي الإسرائيلي، أن تبقى دول الإسلام ضعيفة مشتتة وغير قادرة على امتلاك أسباب القوة والتفوق الحضاري، حتى لا تنهض من جديد وتعيد مجرى التاريخ إلى مساره الحضاري الإسلامي، وذاك ما يهدّد وجود الكيان الصهيوني ويهز قوة الغرب وحضارته وسيادته للعالم. فهذا التحالف يعمل دوما على إضعاف هذه الأمة اقتصاديا وعسكريا وسياسيا وجعل مصيرها مرتبطا بإرادة القوى النافذة في العالم... ومن هنا نفهم كيف نشأت دول المغرب العربي بعد الإستقلال على حدود افتعلها الاحتلال، تتناحر فيما بينها حول مسائل من شأنها أن توحّد لا أن تفرّق. فكانت قضايا حدودية بين تونس وليبيا حول الجرف والمياه الإقليمية، وبين تونسوالجزائر في تقسيم البرمة الصحراوية الغنية بالنفط. وكذا الأمر بين الجزائر والمغرب. والتنازع نفسه حول مناطق حدودية بين المغرب وموريتانيا. ثم كان الشعب الصحراوي وإرادة انفصاله عن المغرب، ورقة رابحة للحيلولة دون تفعيل الوحدة، وجرحا موجعا في خاصرة مشروع اتحاد المغرب العربي الكبير... وبعد الأرض والحدود، افتعلت قضية الهوية والانتماء كعامل فرقة لا وحدة. فقامت النعرة البربرية بتحريك من قوى التحالف الغربي الصهيوني، لتنادي بالفرقة والتميّز. فبعد الثورة التونسية شاهدنا جمعيات يقودها يهود بربر تشكك في انتماء تونس العربي والإسلامي. وفي الجزائر خلايا أمازيغية نائمة معروف ولاؤها الخارجي، تتربّص بأي مشروع إسلامي وحدوي. وفي المغرب ورغم اعتراف الدولة بالكينونة البربرية وإدماج اللغة الأمازيغية كلغة ثانية بعد العربية، فإن مطالبهم للفرقة لا تتوقف. وفي ليبيا بدأت تنشط بعد نجاح الثورة تنظيمات بربرية تريد التميّز والانشقاق. وفي موريتانيا لا ينفك نشاط اليهود مع قبائل التوارق من أجل الفرقة وزيادة إضعاف شعوب المنطقة... في حين كان زعماء البربر فيما مضى دعاة وحدة لا فرقة، ومجاهدين تحت راية العروبة والإسلام لا غير. فلقد وحّد الموحّدون المغرب العربي كله تحت راية الإسلام والعروبة وهم من سلالة بربرية. وكان عبد الكريم الخطابي مجاهدا وزعيما أمازيغيا، أوّل من أشاع استعمال مصطلح «المغرب العربي الكبير» بعد أن أسس سنة1947 لجنة لتحرير المغرب العربي تحت راية الإسلام والعروبة والاستقلال التام... اليوم وبعد نجاح الثورة التونسية ثم الليبية وما يلوح في الأفق من تنامي الحركات الإسلامية وإمكانية مسكها للسلطة، هل يجوز لنا التفاؤل بإمكانية تفعيل معاهدة إنشاء اتحاد المغرب العربي ؟... هذا الإتحاد تم الإعلان عنه في مراكش (فيفري1989) ثم انقطعت أخباره سنة1994.. لقد ولدت هذه المعاهدة مشلولة، بحكم شلل من أمضوها وعدم إيمانهم الصادق بضرورة الوحدة والتكامل الاقتصادي لصالح نماء شعوب المنطقة.. فها هي الحدود مغلقة بين الجزائر والمغرب. وها هي قضية الصحراء الغربية مسمار من المسامير في نعش الإتحاد. وها هي العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل في موريتانيا سوسة تنخر هذا التكتل الإقليمي. وها هو الكيان الصهيوني يبحث عن استثمار الثورة الليبية، وقد خطا خطوات في التفاوض لفتح سفارة لإسرائيل في طرابلس، مع استعداد الأمريكان لنشر 12000مارينز على أرض ليبيا... ومع اختلاف طبيعة الأنظمة القائمة، من ملوكية إلى قبلية إلى عسكرية إلى شبه جمهورية، وتباين مصالحها وعلاقاتها الخارجية، جاء مشروع (الإتحاد من أجل المتوسط) الذي كان بمبادرة من ساركوزي رئيس فرنسا (جويلية2008) وضم 43دولة من بينها دول الإتحاد المغاربي ما عدا ليبيا، ليعطي للكيان الصهيوني في إطار الاتفاقية حول المياه والطاقة والمحيط والطرق البحرية واستبعاد الصراع العربي-الإسرائيلي من المفاوضات، دور الشرطي والرقيب في المتوسط، والاندماج السياسي والاقتصادي، وهيمنة إسرائيلية بدون تطبيع معلن. مما يحبط أي تقارب مغاربي في ظل عدم التوافق بين الدول المغاربية في كيفية التعامل مع القضية الفلسطينية، خاصة أن الإسلاميين الرسميين المشاركين في الحكم قد غيّروا طبيعة الصراع العربي-الإسرائيلي إلى صراع فلسطيني-إسرائيلي وتلك رغبة التحالف الغربي الصهيوني... إن الثورات العربية التي أسقطت الاستبداد والتي هي بصدد إسقاطه، لا يمكن أن تنبثق عنها حكومات وطنية ذات سيادة كاملة وقرار مستقل تمام الإستقلال، ما لم تصحب هذه الثورات ثورة اقتصادية وعلمية، وتطوّر في القدرة العسكرية... فاقتصاد وطني قوي، يغني عن مدّ يد التسوّل للأجانب، ويحرّر القرار السياسي. والقدرة العسكرية المتطورة تحمي الديار والعرض والقرار والسيادة... ناشط سياسي مستقل