وكثف رجال الشرطة من تواجدهم أمام أكاديمية الشرطة، بالتنسيق مع القوات المسلحة، لتأمين مقر المحكمة والفصل بين أهالى الشهداء ومؤيدى الرئيس السابق الذين تجمعوا منذ الصباح الباكر. واستأنف المستشار مصطفى سليمان، ممثل النيابة مرافعته موضحا تفاصيل التهم وأدلة الإدانة التي تستند إليها النيابة في اتهام مبارك ونجليه. وقد وصل علاء وجمال، نجلا الرئيس السابق ، إلى قاعة المحكمة أولا ثم تبعهم مبارك الذي نقل جوا من المستشفى إلى قاعة المحكمة. وقال المستشار مصطفى سليمان خاطر المحامى العام الأول لنيابات استئناف القاهرة: «هذه هى المرة الأولى التى يحاكم فيها المصريون رئيسهم فى مشهد كبير لم يحدث من قبل وربما لن تتكرر قضية، فهى قضية تنعى لمصر ولمنطقة الشرق الأوسط سقوط حكم الفرد بلا عودة، ونهاية عقود طويلة من الحكم الاستبدادى الذى اعتبر الحاكم نفسه بديلا عن الشعب». وتابع: «قضيتنا تأخذ بالبلاد والمنطقة بأكملها إلى أفاق جديدة يتحول فيها الحاكم من فرعون مستبد غاشم إلى مجرد إنسان ينطبق عليه ما ينطبق على بقية شعبه، ومن ثم تتم محاكمته إذا أخطأ أو أفسد، قضيتنا ستفتح الباب على مصراعيه إلى دخول مصر إلى نادى البلاد المتقدمة، التى ينهض قوام حياته على حكم القانون، وليس على الغش والتدليس والنفاق والرياء، «.
وأضاف: «هذه القضية ليست كمثيلها من قضايا القتل فهى ليست قضية قتل نمطى لكنه قتل كان أطرافه ولأول مرة المتهمون فيها رأس النظام ووزير داخليته وكبار مساعديه، والمجنى عليهم نفر من الشعب وعدة فئات من المصريين من المصابين، والقتلى من خيرة أبناء الوطن تصدوا مع غيرهم من قطاع شجاع من الشعب الحر وقاموا بثورة شعبية بدأت أحداثها فى 25 جانفي الماضى للمطالبة بعهد جديد من الحرية والعدالة». وتابع: «أما المتهمون فيها فيأتى على رأسهم الرئيس السابق الذى شاءت له الأقدار تولى حكم مصر دون سعى منه إلا أنه رفض أن يترك الحكم بإرادته نزولا على إرادة شعبه، حتى نزع منه نزعا، رئيس وحاكم أقسم اليمين على رعاية مصالح الشعب فإذا به يحنث فى اليمين ويرعى مصالحه الشخصية، وأسرته لاسيما فى العقد الأخير من حكمه، والذى كرسه لارتكاب خطيئة لم يسبقه فيها أحد من رؤساء مصر السابقين، إلا وهى توريث الحكم، فأفسد الحياة السياسية وزور اختيار الشعب فى اختيار نوابه، وعصف بكل شخصية حصلت على بعض شعبية وأطاح بها من موقعها وترك منصب نائب الرئيس شاغرا طيلة فترة ولايته حتى تخلو الساحة لابنه المتهم الرابع ويتحقق مشروع التوريث». وقال: «ثلاثة عقود تزيد على فترة حكمى الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات استغرقت نصف عمر الشيوخ وأغلب عمر الكهول وكل عمر الشباب، كانت كافية وكفيلة بتحقيق النهضة لمصر بكل المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، فيما لو توفرت الكفاءة والنزاهة والتقوى، وبالتالى نقلت مصر إلى مصاف البلاد المتقدمة، لكنه خذل الشعب وأثر فى العقد الأخير من ولايته مصلحته الشخصية ومصلحة أسرته على مصالح الدولة». وواصل: «كان بوسعه أن يسلم زمام الأمور بعد فترة أو فترتين إلى من هو أصغر فى العطاء وأصغر فى العمر، ولم يأخذ العبرة من حادث اغتيال الرئيس السادات أمام عينه فى المنصة ويستجيب لإرادة الشعب ويريح نفسه من الأعباء الكثيرة ويقى الشعب شروره الجسيمة وخطاياه الرهيبة، وخضع لضغوط أسرته ليوافق على توريث الحكم وانصاع إلى إرادة قرينته التى أرادت أن تكون أمًا لرئيس بعد أن تكون زوجة لرئيس. لم يدرك أن مصر ليست عقارًا أو عزبة خاصة يمكن أن تورث ولم يقدر صبر الشعب المصرى على سنوات الظلم والاستبداد ولم يستمع إلى صوت الشارع الذى يطالب بالحرية، فبلغت الاستهانة بالشعب فى قمتها حينما قام نظامه بالتزوير المفضوح بانتخاب مجلس الأمة وتزوير إرادة الشعب لتمرير مشروع التوريث فحدث الانفجار المكبوت وصدق فيه قول الشاعر «زرعت ملكا فلم تحسن سياسته وكل مالا يسوس الملك يخلعه». ووصفه بالرئيس الذى أهان نفسه ولوث بعضا من ماضيه كان محل فخر وأهال التراب على فترة حكمه، التى كساها بظلمه والاستبداد، فاستحق انتهاء الانكسار والذلة من قصر الرئاسة إلى قفص الاتهام ثم إلى أشد العقاب، وصدق فيه قول الشاعر أيضا، «إذا اشتدت الذنوب وهالت فمن العدل أن يهول العذاب. وأضاف: «قام بتكريس الدولة وأجهزتها لتوريث الحكم لنجله بإحكام سيطرة الحزب الوطنى على مقدرات الشعب واحتكاره السلطة التشريعية سعيا لتنفيذ مشروع التوريث وأبقت السلطة التنفيذية مسئولين فى مواقعهم لفترات طويلة رغم فشلهم، مما أدى إلى تفشى الفساد وعدم محاكمة المسئولين واحتمائهم بالنظام والسلطة، فتبنى سياسات اقتصادية أدت إلى ارتفاع الأسعار وعدم تناسبها مع الأجور، وخدمت الأغنياء على حساب الطبقات المتوسطة والفقيرة، فازداد الأغنياء غناء والفقراء فقرًا، وازدادت الطبقات المعدمة فظهرت المشكلات العمالية واتسعت الهوة والفوارق وأصبحت سحيقة بين الطبقات». أما المتهم الخامس حبيب إبراهيم العادلى، أطول وزراء الداخلية عمرًا فى الوزارة، تولى مسئولية وزارة الداخلية لمدة تزيد على 13 عاما، وهى فترة غير مسبوقة أهله لها براعته فى إقامة نظام قمعى أمنى مستبد، وخروجه بدور جهاز الشرطة العظيم من خدمة الشعب وحمايته وتوفير الأمن له إلى خدمة النظام الحاكم، واستخدام كافة السبل القمعية فى وأد الفكر وقمع الحريات وحجب الرأى واتبع سياسات أمنية خاطئة حيث بسط سلطان الأمن على غالبية المرافق بالدولة، مما أدى إلى زواج الأمن بالحزب الوطنى وكرس كل أجهزة الشرطة للمتهمين وإنجاح مشروع التوريث كما لم يعبأ بالأرواح التى أزهقت والعاهات التى حدثت فى أبناء الشعب فى سبيل البقاء فى منصبه، وبقاء المتهم الأول فى سدة الحكم متشبثين بتلك السلطة بجعل عروشها قائمة ولو على جثث أبناء الوطن. وأضاف: «أبناء الوطن كل جريمتهم أن قلوبهم همت بحب بلادها حتى أنساها هذا الهيام كل شىء حولها رغم بطش الجناة الذين غابت عنهم الرحمة بأم قطع الحزن قلبها على ولدها وأب أدمته الوجيعة على ولده، الذى كان يجد فيه أملا فيما أعجزته الهموم عن تحقيقه». وتابع: «السيد الرئيس حضرات المستشارين الأجلاء، «لقد جئت اليوم إلى محراب العدل حاملا هموم شعب ووطن بجريمة هى الأبشع فى مصر فى تاريخنا المعاصر، جريمة قتل نفر من الشعب كل جريمته، هو الخروج بعد طول صبر يطالب أبسط حقوقه هى الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، جئناكم بأوجاع شعب يملؤه الحسرة والألم على الأرواح التى أزهقت على أمة فقدت جزءا من شبابها ونسائها وأطفالها، سقطوا بين قتيل وجريح، والألم من نظام قمعى مستبد تعامل مع متظاهرين سلميين أبرياء شرفاء بقلب ميت، نعم لقد قست قلوبهم فهى كالحجارة أو أشد قسوة، وصوب بنادقه إليهم بدلا من حمايتهم خوفا من أن يهتز عرشه أو يتأثر سلطانه، نحن الآن أمام الماضى والحاضر والمستقبل، فالماضى الذى عاشته الأمة فى ظل سياسة قمعية، والحاضر الذى نعيشه فى ظل آلامه ومخاوفه بسبب الفوضى والانفلات الأمنى والغياب الواضح للمؤسسة الشرطية، والمستقبل الذى يمثل الأمل للأمة لأنه بلاشك فإن هذه المحاكمة ستحدد مستقبل مصر فى السنوات القادمة وسيكون عنوانها منهاجًا فيه العظة والعبرة لمن يتولى الأمور بعد ذلك». وقال إن المرافعة تنقسم إلى شقين الأول قضية القتل والثانى قضايا إهدار المال العام وستقوم خطة المرافعة على أول وقائع الدعوى، ثم الحكمة من إحالتها إلى المحكمة، ثم الأدلة التى اعتمدت عليها النيابة فى إحالة المتهمين إلى ساحتكم وتنتهى بالخاتمة والطلبات. وقال إن وقائع الدعوى تتعلق بالاشتراك بالقتل والشروع فيه وتتلخص فى أن الجهات الأمنية رصدت من شهر أكتوبر 2010 وجود حالة رفض شديد لدى طوائف الشعب المختلفة، وأن هذه الحالة تصاعدت فى شهر نوفمبر، بعد الانتخابات التشريعية بسبب نتائجها ثم ازدادت بعد اندلاع الثورة فى تونس، كل هذه الحالة كانت سببًا فى سوء وتردى الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فتردى الأوضاع السياسية دون تكرار نتيجة تدهور النظام السياسى وتكريس الدولة لتوريث الحكم وتزوير الانتخابات التى أسفرت عن خسارة كل مرشحى التيارات المعارضة وسيطرة الحزب الوطنى على الغالب الاعم من مقاعد البرلمان، سعيا لتنفيذ مشروع التوريث، بالإضافة الى بقاء عدد من المسئولين فى مواقعهم لفترات طويلة رغم تفشى الفساد وعدم محاسبة المفسدين.