اخترت لكم هذا اليوم قصة الصكوك البنكية التي خلت من الرصيد وامتلأت بأصحابها السجون. لقد خص المشرع التونسي في المجلة التجارية بابا للأوراق التجارية من تنظيم الكمبيالة والسند للأمر والصك البنكي، وبين شروطها وحدد الآثار القانونية المترتبة عن الإخلال بها. فأما الكمبيالة والسند للأمر فهي معتبرة من وثائق الدين المؤجل الذي يستخلص في وقت معلوم، بخلاف الصك البنكي الذي سواه المشرع بأوراق العملة المتداولة وهو واجب الاداء بمجرد عرضه على البنوك. كل ذلك الإجراء وقع ابتداعه في بلاد الغرب تسهيلا للمعاملات وحفظا للأموال من السرقة والضياع. كانت الصكوك الراجعة بدون رصيد في تلك البلدان موجبة للسجن والخطية وتحجير استعمالها على المتحيلين. لكنها سويت اخيرا بالكمبيالة واعتبرت من الديون العاجلة التي يجب خلاصها في الحين، ويجبر مصدّريها على أدائها بالطرق المدنية ولا دخل للنيابة العمومية الا في حالة السرقة أو التزوير. كان ذلك بعد دخول المنظومة الإعلامية عندهم وتطوير القضاء وتخليص القضاة من التدخل في المعاملات الاختيارية بين العموم تطبقا لمبدأ الحياد الذي أوجبه عليهم القانون. أما نحن في تونس وبعدما اتبعنا تلك الدول في تعاملنا بالأوراق التجارية، فقد حافظنا على تجريم الصكوك البنكية الراجعة بدون خلاص لتعمد أصحابها استعمالها كضمان أو دين مؤجل وليس لهم ما يقابلها وقتها بالبنك من رصيد. بذلك امتلأت سجوننا بالمتعاملين بالصكوك الراجعة بدون رصيد وأصبح اصحابها يعتمدونها كوسيلة لدين مؤجل الأداء مثلما هو الحال للكمبيالة، وذلك اعتمادا على وقوف النيابة العمومية والقضاء لجانبهم والحكم على أصحابها بالسجن والخطية ووجوب خلاصها معجلا مهما كانت الظروف. والأكثر من هذا تحويلها الى وسيلة ابتزاز علنية بمشاركة القضاء الذي يعلم بحقيقتها ولكنه لم يتوصل الى دليل. لقد أصبحت عادة تشترط في المعاملات المؤجلة الدفع وتؤخذ الصكوك على سبيل الضمان في التجارة والإدارة وحتى ضمانا في الصفقات العمومية، وكلنا يعرف بأنها يوم امضائها لم يكن لها ما يقابلها من الرصيد. لذلك يجب الاعتراف بخروج ذلك الاجراء عن القانون واستبعاده جزائيا احتراما لدوره المقصود.