كثيرا ما أسأل نفسي حينما أقف على أداء الحكومة الحالية هل يفكر وزراؤها بطريقة صحيحة ؟ و كيف يفكر من يدير الشأن العام اليوم ؟ وأحيانا أسأل هل يقدرون على التفكير السليم ؟ ولماذا لا نلمس في أفكارهم شيئا من التجديد والإصلاح ؟ ولماذا نجدهم غالبا ما يعيدون نفس الأفكار القديمة التي حكم بها بن علي وثار عليها الناس ؟ ولماذا في عملهم الحكومي يلجؤون دوما إلى الحلول السهلة والأفكار التي ليس فيها مجهود و تعطي الانطباع بأن من يحكمنا لا يسير في الاتجاه الصحيح ؟ كانت هذه بعض الانطباعات التي تخامرني دوما بعد الثورة وخامرتني وفرضت نفسها علي بعد مصادقة مجلس نواب الشعب على قانون خطير هو القانون عدد 50 / 2016 المتعلق بالتخفيض في المعلوم الموظف على تصدير الفضلات من الحديد وبعملية تصدير ظرفية خلال سنة 2017 المعروف بقانون خردة الحديد. إننا نحسب أن ما قام به مجلس نواب الشعب منذ أيام قليلة من مصادقة على قانون يسمح بتصدير فضلات حديد الخردة هو عمل خطير لأسباب عدة أولها أنه تمت المصادقة عليه في ظرف والجميع منشغل بالتحركات الاجتماعية الواقعة في الجهات المطالبة بالشغل والتنمية ووفي وقت والكل متخوف من تداعيات هذه الاحتجاجات لو تواصلت أكثر بما يعني أن غالبية الشعب كانت أنظاره متجهة إلى جهاتنا الداخلية ومتخوفة من حصول منعرجات لا يحمد عقباها. والسبب الثاني أن المصادقة هذه المرة تتعلق بقانون يهم صناعتنا ويهم ثرواتنا ومؤسساتنا الوطنية ويتعلق بمواطن الشغل التي يطالب بها الشباب العاطل عن العمل فما هو مقلق ومخيف في هذا القانون أنه أقر التخفيض في سعر بيع الخردة من الحديد خارج حدود الوطن من 220 د للطن الواحد إلى 90 د للطن من فضلات الحديد وفتح الباب للخواص لتصدير هذه الحديد المستعمل في الوقت الذي نملك فيه مصنعا للفولاذ بمنزل بورقيبة شيد منذ ستينات من القرن الماضي وكان يشغل في يد عاملة لا بأس بها وتسترزق من ورائه عائلات كثيرة ويمثل أحد دعائم الاقتصاد وينتج منتوجا محليا بمواصفات وجودة عالية تحتاجه السوق الداخلية والخارجية ويوفر علينا توريد الحديد من الخارج ويربحنا كمية كبيرة من العملة الصعبة التي لا نهدرها في توريد مثل هذه المادة الحيوية . إن المحير في هذا الموضوع هو في التفسير المقدم لتبرير المصادقة على مثل هذا القانون الذي يتعلق بمادة مهمة توفر طاقة تشغيلية كبيرة حيث جاء في تفسير تقديم هذا القانون بأن الوضعية المالية الحرجة التي تمر بها الشركة التونسية لصناعة الحديد والفولاذ وعجزها عن استيعاب الفضلات من الحديد المجمعة محليا واعتبارا لضرورة ايجاد حل للعاملين في مجال تجميع الخردة الذين يبلغ عددهم بالآلاف والذين لا يجدون من يأخذ منهم هذه الخردة المجمعة ويدفع لهم مقابلها بعد غلق المصنع فإن الحاجة تدعو إلى فتح الباب أمام التصدير مع التخفيض في سعره. بكل هذه البساطة وبكل هذه السهولة تمت معالجة قطاع حيوي مثل قطاع الحديد وبكل هذه البرودة نتخلص من شركة وطنية تمر بصعوبات مالية وبمثل هذه البساطة نفتح الباب للتصدير في مادة كان بإمكاننا ان نستفيد منها ونعيد صناعتها من جديد في مصنع تونسي يستطيع أن يقوم بالمهمة لو وقفنا معه وأعدنا له الحياة. إن القضية اليوم مع شركة الحديد والفولاذ وكل الشركات الوطنية التي تعيش صعوبات مالية هي أنها تخضع لإستراتيجية خطيرة ومكلفة وهي التفويت في كل ما هو عمومي وبيع كل ما هو قطاع عام لصالح رجال أعمال خواص وأجانب بعد إفلاسها وإضعافها من الداخل ألم يكن من الأجدى على الحكومة عوضا تقديم مشروع لبيع كميات كبيرة من فضلات الحديد قدرت بأكثر من 100 ألف طن تم تجميعها والتخفيض من سعر بيعها إلى أقل من النصف عند تصديرها أن تفكر في طريقة نحافظ بها على مؤسساتنا العمومية ونعيد لها توازنها المالي خاصة وأن هذا القطاع يشغل أكثر من 10 ألاف من اليد العاملة 9 ألاف منها موجودة في مجال التجميع أو ما يسمى " بالبرباشة " ويوفر حوالي 70 ألف موطن شغل مباشر وغير مباشر وعملية تأهيال هذا المصنع وتسديد ديونه المتخلدة لدى البنوك وإنقاذ الشركة يوفر علينا توريد الحديد من الخارج ويحافظ على مخزوننا من العملة الصعبة ويوفر لنا مواطن شغل نحتاجها ويمكن من تصدير الحديد بجودة عالية بعد إعادة رسكلته لكن المشكلة هي أن وراء هذا القرار الذي اتخذته الحكومة وصادق عليه البرلمان لوبيات تريدنا أن نتخلص من كل الشركات العمومية التي أضرها نظام بن علي ويعمل من هو في السلطة اليوم على إفلاسها وبيعها بأبخس الأثمان والسماح بتصدير ما لدينا من فضلات الحديد للخارج ليعاد صقله وإنتاجه من جديد ويعاد إلينا لنشتري حدينا بالعملة الصعبة من غير ضمان الجودة المطلوبة وفي عملية تدمير بلهاء لصناعتنا والتفريط الأعمى في صناعتنا وإهدار مالنا وثرواتنا نتيجته فقدان الكثير من المواطن الشغل والتخلي عن مؤسساتنا الوطنية التي نحتاجها. فاليوم نعيش مرحلة بيع كل المؤسسات الوطنية بطريقة خطيرة تهدد البناء الديمقراطي الجديد بداعي مرورها بصعوبات مالية وعدم قدرتها على البقاء.