كثيرا ما سمعنا الرئيس الباجي قائد السبسي يقول بعد صعود نجمه بعيد ثورة الربيع ويردد ويشهد من حين الى حين أمام التونسيين وخاصة منهم طبقة الساسيين انه تلميذ وصنيعة أستاذه وشيخه وقائده وملهمه بورقيبة وانه تعلم منه كل شاردة وواردة وكل قريبة وبعيدة وكل صغيرة وكل كبيرة.. ولذلك فقد دهش وعجب كثير من التونسيين العقلاء كيف صرح السبسي ذلك التصريح في خطابه يوم عيد المراة والذي نادى فيه بضرورة الاجتهاد للتسوية في الارث بين الرجال والنساء. فقد تساءل التونسيون العقلاء والعارفون هل نسي السبسي حقا رأي بورقيبة وموقفه التاريخي من هذه المسألة القديمة؟ أ ولم يقل بورقيبة في الرد على من سألوه في زمانه وعز حكمه وعنفوان سلطانه وصولجانه لماذا لا تسوي في الارث بين الرجال والنساء؟ .. انه لئن استطاع ان يمنع الرجل من تعدد الزوجات فانه لا ولن يستطيع أن يسوي بين الجنسين في قسمة المواريث وتوزيع التركات معللا ذلك بأن منع تعدد الزوجات استند فيه الى قوله تعالى(ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) فلما استحال العدل بين الزوجات وهو مطلب شرعي بلا جدال ولا تأويلات أمكنه بصفته صاحب السلطة أن يجتهد ويقيد المباحات بالمنع اعتبارا لهذه الأسباب وهذه الحيثيات أما مسالة قسمة التركات ففيها آيات محكمات مضبوطات لا يمكن تأويلها بأي وجه من الوجوه وبأي صفة من الصفات.. ولكن رغم هذا الكلام وهذا الشرح وهذا البيان البورقيبي العلمي المقنع الواضح فان السبسي قد قال ان آيات التوريث القرآنية يمكن فيها الاجتهاد مخالفا في ذلك استاذه وشيخه بورقيبة الذي يعتبر اول رئيس فتح بشجاعة وجرأة أبواب الاجتهاد التشريعي الديني في هذه البلاد التونسية.. فهل سيجد السبسي والمجتهدون معه مخرجا شرعيا علميا يمكنهم من تغيير أحكام الارث المضبوطة في القران والسنة النبوية التي رآها السبسي وجماعة معه انها لم تعد تتماىشى مع هذا العصر؟ ام سيتعسفون على وضوح النصوص الشرعية ويحدثون فوضى وضجيجا وجدالا بيزنطيا يزيد في جراح وآلام هذه البلاد التونسية وهم يتصورون انهم يبحثون لها عن النفع وعن الخير؟ بقي ان نذكر سي الباجي وجماعته انه لنفترض جدلا ان الشعب التونسي قد وافق فعلا على تغيير احكام المورايث والتركات اليس من حق الرجال ايضا ان يطالبوا تبعا لذلك بتغيير احكام النفقة بحكم تغييرالظروف والتشريعات فالرجال شرعا وقانونيا ملزمون بالنفقة على الزوجة والأبناء لما كان نصيبهم من ارث الآباء والأمهات ضعف نصيب النساء ولكن لما أراد السبسي تغيير الحال وارساء المساواة في هذا المجال فما عليه الا أن يجتهد ايضا ليجعل النفقة واجبة على الطرفين الذكر والأنثى الزوجة والزوج مثلا بمثل وسواء بسواء وعليه ان ينظر كيف سيجتهد ليجعل النساء ايضا مخاطبين كالرجال في هذه الآيات(لينفق ذو سعة من سعته) و(الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من اموالهم) (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) (اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) (واتوا النساء صدقاتهن نحلة)...الى غير ذلك من الآيات التي توجب النفقة على الرجال مقابل ما اخذوه من نصيب زائد على الأنثى من المواريث والتركات فبحيث ولعل ولاشك ان سي الباجي قد نسي ما تفطن اليه بورقيبة من ان التسوية بين الرجال والنساء في مسالة قسمة المواريث والتركات في هذه البلاد التونسية أمر بعيد وصعب المنال كبعد الأرض عن السماء وان حصل ووقع فستفتح بابا واسعا لمراجعة وربما اسقاط كثير من عناصروركائز منظومة الاحوال الشخصية المستندة الى شريعة الاسلام وقد تقع البلاد نتيجة لهذا السقوط لا قدر الله في كارثة تشريعية واجتماعية محمومة ليس فيها للتشريع الاسلامي اي ضلع واي حضور فيتعارض كل هذا مع ماجاء في الفصل الأول من الدستور (تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة الاسلام دينها...) فهل نسي السبسي موقف استاذه بورقيبة من المساواة في قسمة الميراث والتركات؟ وهل يشك سي الباجي اويشك احد ان بورقيبة من اذكى الأذكياء ومن اشجع الشجعان ومن اكثر الناس فهما للنصوص والآيات؟ وليتذكر السبسي ان بورقيبة لو وجد منفذا اومخرجا واحدا للتسوية في الارث بين الاناث والذكور ما تركه لغيره حتى يسبقه اليه بل لانقض عليه ولصعد اليه الجبال ولكسر من أجله الصخور اوليست هذه الصفة الأولى التي يجب ان يتصف بها من يستحق ان يخلد ذكره الزمان ومن يستحق ان تلهج باسمه العصور؟