أمس اطلعت على دراسة تقول إن 18 بالمائة من شباب بلد عربي نحبه ويحبنا يرغبون في الهجرة.. وقد استوقفني هذا الرقم طويلا ورحت أتأمل فيه وظننت أن هناك غلطة مطبعية تسببت في قلب الأرقام فصارت 81 بالمائة 18 بالمائة.. لقد شككت في الرقم فهو صغير ولا يعكس الحقيقة ولا يقدم صورة صحيحة عن الرغبة الكاسحة والضخمة في الهجرة بين الشبان سواء في ذلك البلد أو في معظم الأقطار العربية.. إن الشباب العربي مسكون بالهجرة وربما لا يفكر في أمر سواها.. وهو يسعى اليها بشتى الطرق بما في ذلك الطريقة غير الشرعية الشيء الذي جعل أحدهم في الجزائر يطالب بعدم تجريم الهجرة غير الشرعية وغض الطرف في المحاكم عن «الحرقان».. إنني مشغول البال بمسألة الهجرة.. و«الحرقان».. وأتابع تطوراتها.. وجديدها.. وتأثيراتها.. تماما مثلما أتابع أطوار أكبر قضايا الوطن والأمة وأظن أن الهجرة ليست بالأمر الهيّن أو البسيط الذي لا يستحق أن يشغل بالنا.. إنها أمر في منتهى الخطورة.. وعنوان ضخم وكبير من عناوين الهمّ العربي الذي يتجاوز الأفراد ليضرب في عمق الواقع العائلي والاجتماعي والحضاري العربي.. إنه أمر لا يتعلق بمجموعة من الشباب «الحارقين» المغامرين والحالمين الذين كثيرا ما ينقلب حلمهم إلى كابوس ولكنه يتعلق بعائلات..وأمهات وآباء.. وبمستقبل جيل كامل.. وربما بمستقبل وطن وأمة.. إن عدد العائلات العربية التي نكبت في أبنائها بسبب «الحرقان» لا يعلمه إلا الله.. حتى إنني لا أبالغ إذا وصفت الموضوع بالكارثة الكبرى والحقيقية.. ولكنها للأسف الشديد كارثة صامتة لا صوت لها.. ولا أثر لها.. ولا أحد يسمع أنين الآباء والأمهات الذين فقدوا فلذات أكبادهم.. تصوّر: شاب في مقتبل العمر صحّة.. وطموحا.. وأحلاما.. وشهادة.. وسنوات من تضحيات عائلته.. ثم فجأة وذات ليلة غامضة يبتلعه البحر.. وينتهي كل شيء.. ألا يبلغ الأمر في هذه الحالة مبلغ الكارثة والمأساة؟.. وما أكثر ما تكرر هذا السيناريو البشع! وما أكثر ما «احترقت» عائلات بعد أن خاب أولادهم في الحرقان..! إنني لا أتحدث عن أفلام سينمائية صنعتها شركات السينما الهوليودية وإنما أتحدث عن واقع ملموس محسوس.. إنني أتحدث عن موضوع حارق يجب أن يكون من أولويات المشاغل العامة التي لا تحتاج الى دراسات.. وندوات.. وملتقيات.. وإنما تحتاج الى حلول عملية وعاجلة وناجعة.. عناوين هذه مجموعة من العناوين التي تصدرت الصحف العربية والعالمية أمس: الوثائق السرية تُدخل الأنترنات في عصر جديد (جريدة بريطانية) قطر تسعى الى تعزيز أسطولها الاعلامي بملايين الدولارات (جريدة سعودية) بغداد بلا خمور للمرة الأولى (جريدة عراقية) أمريكا تروّج لتقسيم للسودان يتجاوز الجنوب (جريدة اماراتية) الأفغان يموتون جوعا رغم المساعدات الدولية الضخمة (جريدة انڤليزية)