وزير الدفاع يؤدّي زيارة إلى القاعدة العسكرية ببوفيشة    علماء.. مستوى سطح البحر سيرتفع حتى لو توقفت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون    تونس تروّج لمؤتمر 'الصحة الواحدة'وتدعو لدعم اتفاقية الوقاية من الجوائح    الصوناد: بعض مناطق ولاية منوبة تشهد الليلة اضطرابا في توزيع مياه الشرب    بيروني: الاتحاد الاوروبي يخطط لمنح تونس المزيد من التمويلات خلال الفترة الممتدة من 2025 -2027    منحوا الجنسية لعناصر إرهابية... 72 سنة سجنا لموظفين سابقين بقنصلية تونس في سوريا    رئيس جنوب أفريقيا لترامب: أنا آسف ليس لدي طائرة لأعطيها لك    بعد استهداف وفد أوروبي بالرّصاص الحي في جنين: إدانات أوروبية لممارسات جيش الاحتلال    أخبار الملعب التونسي ...جدل بسبب التحكيم ولا تفريط في العياري    كاس العالم للاندية 2025: فترة استثنائية لانتداب اللاعبين من 1 الى 10 جوان 2025    طعنها بسكين وتركها في حالة حرجة فكشفته أثناء إسعافها .. هكذا خطّط طبيب مشهور لقتل زوجته!    فيلم جديد للمخرج منذر بن إبراهيم...«سراب» يستعيد أحداث التجنيد القسري برجيم معتوق    محمد بوحوش يكتب:...عن أدب الرّسائل    جندوبة: استعدادا لموسم سياحي استثنائي...عاصمة المرجان جاهزة    وزير الاقتصاد والتخطيط ل"وات": لقاءاتنا مع شركاء تونس الماليين كانت واعدة    الاتحاد الأوروبي: مستعدّون لدعم جهود الإصلاح في تونس.. #خبر_عاجل    صفاقس مصحة إبن خلدون تُنظم يوما مفتوحا لتقصي مرض السكري وارتفاع ضغط الدم.    نيزك في سماء تونس: أستاذ بمدينة العلوم يكشف التفاصيل.. #خبر_عاجل    تكليف وزارة التجهيز بالتفاوض مع شركة تونسية-سعودية حول إنجاز مشروع تبرورة    قرمبالية: قتلى وجرحى في حادث مرور    جريمة صادمة في مصر: عامل ينهي حياة والدته بآلة حادة    لقاء سفير تونس لدى طرابلس برئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا يبحث "تطورات الأوضاع في ليبيا"    عاجل/ وزارة النقل تنفي أخبار فشل المفاوضات مع سواق التاكسي وتكشف..    صالون الصناعات التقليدية يعود في دورته ال41: ابتكار يُحافظ على الهوية ويُنعش الاقتصاد    دول أوروبية تستدعي سفراء إسرائيل بعد استهداف وفد دبلوماسي في جنين    شجرة الجاكرندا في تونس: ظل بنفسجي يُقاوم الغياب ويستحق الحماية    35 سنة سجنًا لامرأة خطّطت لهجمات إرهابية في تونس ودعت إلى ذبح الأمنيين    الترجي يطالب بتحكيم أجنبي لمباراته في نصف نهائي كأس تونس    عملة جميع فروع الملّاحات التّونسيّة في إضراب عن العمل بثلاثة أيّام.    وزارة الحجّ والعمرة تُحذّر من جفاف الجسم    النائبة فاطمة المسدي تتقدم بمقترح قانون لضبط ضمانات القروض البنكية وتكريس الشفافية    عاجل/ العثور على جثة فتاة مُلقاة بهذه الطريق    هام/ بداية من هذا التاريخ: انطلاق بيع الأضاحي بالميزان في هذه النقطة..    للتمتّع بأسعار معقولة في شراء أضحية العيد: توجّهوا إلى نقاط البيع المنظمة    النوم لأكثر من 9 ساعات قد يكون مؤشرًا لأمراض خطيرة.. تعرف على عدد الساعات المثالية للنوم    أربعينية الفنان انور الشعافي في 10 جوان    كاس افريقيا للاندية الفائزة بالكأس لكرة اليد (رجال وسيدات): برنامج الدور نصف النهائي    ب"طريقة خاصة".. مؤسس موقع "ويكيليكس" يتضامن مع أطفال غزة    إطلاق سراح الشاب ريان خلفي الموقوف بالسجن المدني ببنزرت    منتخب الأصاغر يواجه ودّيا نظيره الجزائري    نهائي كرة السلة: الإفريقي يستقبل الاتحاد المنستيري في ثالث مواجهات النهائي    أحمد السقا يعلن طلاقه من مها الصغير بعد 26 عامًا من الزواج    منع هيفاء وهبي من الغناء في مصر يصل القضاء    عاجل/ في العاصمة: طبيب يطعن زوجته بسكين..    بايدن ينفي علمه المسبق بإصابته بسرطان البروستاتا    سلسلة فيفا للشباب 2025 تحت 16 عاما - المنتخب التونسي يلاقي غدا الخميس نظيره السويسري من اجل المركز الثالث    مانشستر سيتي يصعد للمركز الثالث بفوزه 3-1 على بورنموث في اخر مباراة لدي بروين على ملعب الاتحاد    كيف سيكون الطقس الأيام القادمة: حرارة غير عادية أم هواء بارد وأمطار؟    تم التصويت عليه فجر اليوم: هذه فصول القانون المتعلق بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة    طقس اليوم: الحرارة في انخفاض طفيف    السعودية: غرامة مالية ضخمة ضد الحجاج المخالفين    وزارة الصناعة والمناجم والطاقة تلغي امتياز استغلال المحروقات "بيرصة"    السينما التونسية تحصد أربع جوائز في اختتام الدورة التاسعة لمهرجان العودة السينمائي الدولي    نابل تحتضن الدورة الثانية من الملتقى العربي للنص المعاصر تحت شعار " المجاز الأخير: الشعر تمرين على الوجود"    موعد رصد هلال ذي الحجة    هذا موعد رصد هلال شهر ذي الحجة..#خبر_عاجل    رصد هلال ذو الحجة 1446 ه: الرؤية ممكنة مساء هذا التاريخ    لا تُضحِّ بها! هذه العيوب تُبطل أضحيتك    









في ندوة محجوب بن ميلاد : هل نحتاج إلى مشروع جديد لتحريك السواكن
نشر في الصريح يوم 26 - 02 - 2018

ندوة منتدى الفكر التونسي التابع للمندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بأريانة لشهر فيفري تم تخصيصها للفيلسوف التونسي محجوب بن ميلاد (1916/2000) هذه الشخصية التي شغلت الناس في أربعينات وخمسينات وستينات من القرن الماضي بالقضايا الفكرية التي كانت تعالجها في أحاديثها الإذاعية التي تواصلت من سنة 1946 إلى سنة 1966 وهي قضايا كانت تخلف في كل مرة اختلافا وجدلا حولها ولا تلق الرضا والقبول عند الكثير من المتتبعين لهذه الأحاديث فعلى خلاف ما كان يقدمه الشيخ الطاهر بن عاشور في تلك الفترة من تاريخ تونس وتاريخ الاذاعة الوطنية من محاضرات وأحاديث وما تلقاه من رضا وقبول وتحقق قدرا كبيرا من الطمأنينة فإن أحاديث محجوب بن ميلاد الإذاعية كانت دوما تخلف الانقسام في صفوف السامعين من الشعب التونسي الذي كان في تلك الحقبة من التاريخ لا يقبل التشكيك في ثوابته الدينية وغير قابل بمزيد من الارتجاجات بعد أن اتسعت دائرة المراجعات الفكرية والمطالبة بتجاوز العادات والتقاليد وفتح باب الاجتهاد في الدين على مصراعيه.
في هذه الندوة التي تولى تأثيثها الكاتب والأديب عبد الواحد براهم تم تقديم مشروع محجوب بن ميلاد لإخراج البلاد من تخلفها ومن حالة التراجع الحضاري الذي تعيشه وتم الحديث عن فكر هذا العلم من أعلام تونس وإجاباته عن سؤال النهضة وسؤال كيف تلتحق تونس بركب الحضارة هذا المشروع الذي كان إجابة عن سؤال التخلف والتقدم وهو سؤال كان مطروحا في عصره سماه تحريك السواكن وجعل له ثلاثة مداخل من دونها فإن تونس لن تخرج حسب رأيه من حالة الوهن الذي يكبلها ووضع التخلف الذي يأسرها.
المدخل الأول هو الإصلاح التربوي الذي يقترحه وهو إجابة عن سؤال التربية والتعليم وسؤال أي تعليم نريد لتونس الجديدة وضرورة إصلاح المدرسة واعتبار أن النهضة لا تتحقق من دون مدرسة عصرية حيث انتقد التعليم الزيتوني القائم حصرا على تعليم اللغة والعلوم الشرعية التي أصبحت فيما بعد تسمى العلوم النقلية للدلالة على عدم استعمال العقل في فهمها وتدبرها وهو ما أنتج طلبة ليس لهم من ملكة العلم إلا حفظ المتون وترديد ما كتبه الأقدمون وهو تقييم يتفق فيه مع الطاهر بن عاشور وغيره.
وقضية الإصلاح التربوي هي قضية محورية لدى الكثير من رجال الاصلاح في بداية القرن الماضي وهاجس الكثير من المفكرين أبرزهم الشيخ الطاهر بن عاشر والجهد الكبير الذي بذله لإصلاح التعليم وتحديثه و مشروعه لإصلاح التعليم الزيتوني وجعله يواكب ما يجد من تطور في العلوم الحديثة وخاصة العلوم التي ينتجها العقل الغربي وكذلك الجهد الذي بذله الطاهر الحداد الذي تفطن هو الآخر إلى أن مكن الخلل وسبب التخلف الذي تعيشه البلاد هو تراجع التعليم وتخلف نضمونه غير أن مشروع محجوب بن ميلاد في مسألة التعليم يمتاز بكونه كان يقوم على ثنائية العقل والنقل والتركيز على ربط تدريس الفلسفة بتدريس العلوم الشرعية وفق نظرة معاصرة واعتباره أنه لا تقدم للبلاد من غير جيل متعلم وكم دون تعليم عصري وتدريس مواكب لما وصلت إليه المعارف في عصره من تقدم وأبرز ما دعا له في هذا الخصوص هو جعل تدريس الفلسفة أساس الإصلاح التربوي وتزويد الطلبة بحس نقدي ومنهجية عقلية محاورة من دون تجاوز التراث في مراحله وصفحاته النيرة فكان مشروعه التربوي يقوم على فكر فلسفي حداثي نقدي إلى جانب علوم دينية ومعارف شرعية مستنيرة من خلال التوفيق بين الفلسفي والديني لإصلاح المنظومة التربوية.
المدخل الثاني هو المدخل الفكري من خلال دعوته إلى إصلاح الفكر الديني ودعوته فتح باب الاجتهاد الذي أغلق وانتصاره إلى المنزع العقلاني في فهم النص الديني واعتماده المنهج العقلي في تأويل النصوص الدينية قرآنا وسنة ودعوته إلى العودة إلى روح القرآن وترك التقليد وانتصاره إلى مذهب المعتزلة الذي انبهر به ودافع عنه وتحمس لأصحابه واعتباره المذهب الأكثر قدرة على إخراج الفكر الإسلامي من ركوده وحالة الرتابة التي بات عليها وهو فكر قد تكلس وجمد ويحتاج حسب رأيه إلى يقظة كبيرة تعيد للدين وهجه فمحجوب بن ميلاد يعتبر أن الاصلاح الفكري يمر عبر الاصلاح الديني القائم على المطالبة بفتح باب الاجتهاد في الدين من خلال المنزع العقلي الطريق الوحيد نحو الحاثة واللحاق بركب الأمم الناهضة وفي هذا الإطار فإن محجوب بن ميلاد على خلاف الكثير من المفكرين على غرار المفكرين الطاهر لبيب وعبد الله العروي لا يعتبر التراب عبئا معطلا عن التقدم وإنما يرى فيه طاقة يوفرها لاستلهام عناصر قوة تمكننا من النهوض من جديد من أجل ذلك فإنه يقترح المزاوجة بين التراث والمعاصرة والملاءمة بين المناهج الحديثة وإحياء المنهج الاعتزالي والوقوف عند المحطات النيرة في التاريخ الإسلامي التي تميزت بوجود نخبة من علماء السلف تفردوا بنزعتهم العقلية ومنهجهم النقدي وتفكيرهم المستنير من أمثال ابن رشد وابن خلدون وغيرهما.
المدخل الثالث خصصه للإصلاح السياسي وركز فيه على فكرة الزعيم الملهم والقائد الفذ وتناول في هذا المبحث شخصية الرئيس الحبيب بورقيبة الذي قدمه على أنه زعيم غير عادي وقائد ملهم خلص البلاد من براثن الاستعمار واستطاع أن يخرج الشعب من جهله وفي هذا الإطار فإنه يعتبر أن الاجراءات التي اتخذها بورقيبة بعد الاستقلال ومست النص المقدس واقترابه من النص الديني والحديث في المسائل الشرعية هي أعمال تدخل في مجال الاجتهاد الديني وإعادة الفهم والتأويل فيما ساد من معنى فالنهضة والتقدم حسب محجوب بن ميلاد تحتاج في المجال السياسي إلى قائد ملهم وزعيم فذ والرئيس بورقيبة حسب رأيه هو من هذا القبيل من أجل ذلك نراه يطنب التمجيد والمديح فيه ويخصص له حيزا كبيرا في مشروع تحريك السواكن إلى درجة تقديسه واعتباره في مقام الأنبياء والصالحين وهي مسألة غريبة وعجيبة من رجل عقلاني ومتخصص في الفلسفة أن يصف رئيس دولة بصفات تقربه من الاله ولعل هذه المسألة هي نقطة ضعف مشروع تحريك السواكن لمحجوب بن ميلاد.
فما قاله في مجال الاصلاح التربوي هو تحريك ما كان راكدا وساكنا في مجال التعليم وخلخلة للثوابت في هذه القضية التي كانت تلقى الصد الكبير من المؤسسة الزيتونية ومن الكثير من المشايخ الرافضين لأي اصلاحي تربوي. وما قاله في المجال الفكري من تهجمه على الزيتونيين وما يدرسونه من علوم وما يعرفه الفكر الإسلامي من جمود وعدم قدرة على مواكبة قضايا العصر هو تحريك للساكن والراكد في هذا المجال. وما قاله في المجال السياسي ودعوته إلى ضرورة توفر قائد ملهم وزعيم فوق الطبيعة بمقدوره قيادة الأمة نحو التقدم واعتبار ما قام به بورقيبة من تأويل للنص الديني هو اجتهاد ضروري في الفكر الإسلامي هو تحريك للساكن والراكد في المجال السياسي فمشروع محجوب بن ميلاد هو ومشروع من أجل النهوض والخروج من التخلف من خلال خلخلة الثوابت وتحريك ما كان ساكنا وراكدا من معتقدات وأفكار ورؤى. فهل ما زال هذا المشروع قائما اليوم ؟ وهل نحتاج اليوم إلى تحريك للسواكن في ميادين أخرى وقضايا معاصرة حتى نحقق الاقلاع المرجو والنهضة المرتقبة ؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.