إن ما يحدث هذه الأيام في ما يسمى إصطلاحا ب :" مجلس نواب الشعب " فاق كل التصورات الكارثية وتجاوز جميع الخطوط الحمراء وجعل الشعب يتبرأ من صانعي تلك الفضائح والمهازل تحت قبة المجلس حتى كتب أحد المفكرين التونسيين ملتاعا : " هذا المجلس أصبح خطرا على البلاد وشعبها ". لقد أفقدتنا تلك الوقائع المخجلة " تونسيتنا"، تلك التي كنا نتباهى بتجذر مقوماتها ونبل خصوصياتها ، وأضاع عنا نموذجنا " الخصوصي" ذاك الذي زرع المصلحون بذوره الأولى وتعهده بناة الدولة الحديثة بالرعاية والإحاطة حتى إستكمل ملامحه الأساسية . لم تكن المصطلحات اللغوية الملوثة بالعنف المعنوي والمادي ، أو الكلمات الملطخة بدنس التشفي تجد مكانا لها في قاموسنا اللغوي المتداول ، ولم تكن آفة العشائرية والقبلية والجهويات المقيتة والصراعات الطبقية المشحونة بالخلفيات الدنيئة متفاقمة بهذا الشكل الدرامي المفزع ، كما لم تكن "النخب " أو من تطلق على نفسها هذه الصفة هي المغذية لهذا المد التدميري ولا المحرضة على الإندراج في مستنقعاته كما هو الحال الآن. لقد تغير كل شيء وخرجنا من جلودنا لنجد أنفسنا في معترك صراع متهور مع ذواتنا وقد تتالت الأحداث والوقائع التراجيدية بشكل خطير دون أن نكلف أنفسنا عناء البحث في أسبابها ومسبباتها ، وهي حالة خطيرة قد تمثل ، إذا ما استفحلت أكثر ، نقطة اللاعودة في علاقة السلطة الحاكمة بالشعب .