من أكثر الملفات اهتماما في الشارع التونسي اليوم ملف التعليم وما يشهده من عملية لي الذراع بين نقابة التعليم الثانوي ووزارة التربية وتأزم العلاقة بينهما على خلفية المطالب النقابية التي يطالب بها الأساتذة و تقول عنها الوزارة إنها مطالب لا يمكن بأي حال الاستجابة إليها لكلفتها المالية الباهظة . فبعد سلسلة التحركات التي قامت بها النقابة لتحقيق مطالبها والتي انطلقت منذ أواخر العام الماضي و لكنها لم تفض إلى أي نتيجة بعد تعثر كل جلسات الحوار والتفاوض التي حصلت قررت النقابة في عملية حجب أعداد الامتحانات عن الإدارة في خطوة تصعيدية لدفع الوزارة إلى التفاوض والتوصل إلى حل يرضي الطرفين ولكن هذا الشكل النضالي الجديد لم يقصم ظهر الحكومة ومن وراءها الوزارة إلى حد اليوم حيث شاهدنا شوطا من الصراع من أجل البقاء احتفظ فيه كل طرف بموقعه وتصاعد هذا الصراع بعد دخول النقابة في إضراب مفتوح إلى حين قبول الوزارة الجلوس على طاولة التفاوض من دون شروط مسبقة. ما يمكن ملاحظته هو لماذا سلكت الحكومة اليوم بخصوص المطالب النقابية للأساتذة هذا السلوك وتوخت التعنت ورفضت الاستجابة الى ما يطلبونه خاصة فيما يخص استثنائهم من إجراء الترفيع في سن التقاعد إلى 62 سنة رغم أنه مطلب يمكن التحاور بخصوصه واعتبار مهنتهم مهنة شاقة على غرار المعلمين في التعليم الابتدائي وأن تطبق عليهم نفس معيار الاستثناء الذي طبقته على المعلمين؟ ولماذا لم تسلك الوزارة المسلك الذي اتبعته مع الوزير السابق ناجي جلول الذي كان كثير الاستماع إلى النقابة وكثير الحوار معها فتقوم بعزله وتغييره كما كانت تفعل في السابق كلما جدت أزمة في قطاع التعليم ؟ لماذا أرادت الحكومة هذه المرة أن تكون هذه المعركة مع النقابة تحت شعار معركة كسر العظام والمعركة الأخيرة فإما أن تزيد النقابة استقواء وتواصل التدخل في الشأن السياسي وإما أن تتراجع إلى الوراء وتتقهقر ويقل تدخلها في الشأن العام وبذلك يتم إرجاعها إلى حجمها الحقيقي فالحكومة اليوم توفرت لها فرصة كبرى للتخلص من نفوذ النقابة وإصرارها عدم التنازل عن موقفها والقبول بالمطالب النقابية لا يمكن أن يفهم إلا في هذا الإطار من الاستراتيجية التي تتبعها الحكومة مع هذا الهيكل الذي بدأ يتعب ويقلق. المأزق اليوم الذي يعيشه قطاع التعليم بعد دخول الأساتذة في اضراب مفتوح يهدد المدرسة بسنة بيضاء وعدم وجود أرضية للحوار وحل الأزمة وتعنت كل طرف بموقفه ليس سبيه المطالب النقابية المجحفة كما تسوق له الحكومة وإن كان هذا هو الذي يفهم في الظاهر وإنما سبب تعمق الأزمة هو ملف آخر ليست له علاقة بالتعليم والمطالب النقابية للقطاع. هذا الملف هو ملف التفويت في المؤسسات العمومية وبيع القطاع العام والتسريع في وتيرة الخصخصة استجابة لتعهدات الحكومة مع صندوق النقد الدولي الذي اشترط حزمة من الإملاءات حتى يواصل دعمه المالي للحكومة من بينها التفويت في القطاع العام وخصخصة المؤسسات العمومية لصالح الاستثمار الخاص سواء كان محليا او أجنبا. فأصل المشكل ليس المطالب النقابية للأساتذة وإنما المشكل الحقيقي هو مطالبة الحكومة الاتحاد أن يرفع يده عن ملف المؤسسات العمومية وأن لا يرفع الفيتو في قرار التفويت في القطاع العام مقابل الاستجابة لمطالب نقابة التعليم الثانوي. فالمشكل الحقيقي هنا هو ملف خصخصة القطاع العام وطالما واصل الاتحاد الهام التونسي للشغل في موقفه اعتبار المؤسسات العمومية خطا أحمر فان الحكومة سوف تواصل في معركة لي الذراع وحرب كسر العظام التي تقوم بها اليوم مع الاتحاد من بوابة نقابة التعليم الثانوي وبلهجتنا التونسية التي يفهمها الجميع فإن الحكومة تقول للنقابة " سيبلي ملف القطاع العام نوافقلك على مطالب الأساتذة