لقد سبقني الشيخ صلاح الدين المستاوي بالكتابة عن جاره الشيخ محي الدين قادي حفظهما وحفظنا الله جميعا من كيد وشر وتجاهل الماكرين والحاسدين والحاقدين والأعادي ولكنني اظن ان هذا الشيخ يستحق اكثر من مقال واكثر من مجال للتعريف بشخصيته التي يجب ان تبقى معروفة منقوشة مذكورة محفوظة على مدى تعاقب السنين وتواتر الأجيال فهذا الرجل قد ساهم مساهمة جدية وفعالة في تعليم الكثير من التونسيين علوم الفقه والشريعة واصول الدين وانني اشهد والشهادة كما يقولون من الدين انني كنت والحمد لله من المحظوظين فقد استفدت من علم هذا الشيخ وتمتعت بطرافته لما كنت طالبا في كلية الشريعة واصول الدين...لقد كان ذلك منذ زمن بعيد وتحديدا في نهاية السبعينات اي منذ ما يقارب أربعين سنة من سالف السنوات لقد كنت في ذلك الوقت في سنتي الثانية الجامعية وكان الشيخ حفظه الله واناله ما يحبه ويرضاه يدرسنا مادة الفقه الشرعية ولعل ما كان يميزه عن بقية الأساتذة والدكاترة والشيوخ الآخرين الذين عرفتهم وتتلمذت على ايديهم منذ عهود وسنين انه كان يتميز بينهم بخفة الظل اوخفة الدم كما يقول اخواننا المصريون او بالطرافة كما يقول ويعبر عن ذلك أدباؤنا الراسخون ولعل ما زاد في تميزه عن بقية الشيوخ هي لهجته الجريدية الربانية الممتعة اللذيذة التي كانت وما تزال محبوبة في هذه البلاد التونسية وانني ما زالت اتذكر من طرافة ونوادر هذا الشيخ حديثه عن حكم جريمة الغصب في الشريعة الاسلامية اذ انه اضافة الى تعريفها علميا استشهد ببيت يشهد الله انني ما زلت احفظه الى اليوم في ذاكرتي الشخصية فقد قال وقد دخل في تخميرة عادية شبه حقيقية لذيذة جريدية(ونائمة قبلتها فقالت تعالوا اطلبوا اللص بالحد / قلت حماك الله انني غاصب وما حكموا على الغاصب بسوى الرد / خذيها وفكي عن اسير وثاقه وانت انت لم ترضي فالف على العد / قالت قصاص يشهد الله انه على كبد المرء ألذ من الشهد) ومما اذكره عن هذا الشيخ انه قال لنا ذات يوم وقد صدق بحق انه توجه الى دراسة وتدريس الفقه بدفع من شيخه الحبيب بالخوجة رحمه الله وغفر لنا واياه اذ قال له يوما من الأيام (سياتي يوم لا يعرف فيه الناس احكام الوضوء) وها قد عاش الشيخ محي الدين وعشنا معه الى هذه السنين وراينا راي العيون ان كثيرا منا يصلون منذ زمان ولكنهم يجهلون صفة اداء الوضوء بدقة واتقان كما كان الشيخ في كلية الشريعة واصول الدين يجلس في بعض الأحيان الى طلبته في فترة الراحة بين ساعتي الدرس على طاولة من الطاولات بتواضع ودون تصنع او تكلف او غيرهما من رديء الشكليات والبروتوكولات ويجذب معهم اطراف الحديث عن شؤون اليوم وشؤون الغد وشؤون الأمس وكانوا يستمعون اليه ويتلذذون حديثه ولهجته بكل انتباه وبكل حرص وقل ما رايتهم والحق يقال قد فعلوا مثل ذلك مع غيره من بقية الرجال اما عن معرفتي بالشيخ خارج الكلية فقد كنت شديد الحرص بل احرص الناس على حضور ومتابعة خطبه الجمعية التي يلقيها بانتظام بجامع المهراس والتي كان يكثر فيها من ذكر عبادة الزكاة حتى عرف واشتهر بذكرها وشرحها والتاكيد عليها بين جميع التونسيين والتونسيات كما كان يتميز في تلك الخطب الجمعية بغزارة العلم وحسن الخطابة وعميق التوضيح ودقة البيان وحذق مشهود لقواعد واصول اللغة العربية اضافة الى شدة الحماس وهي خصلة فيه غريزية ربانية يفتقدها كثيرمن الشيوخ الخطباء في هذه البلاد التونسية ولعل هذه الشروط التي ذكرتها والتي توفرت مجتمعة في الشيخ محي الدين هي اهم واعظم الشروط الأساسية التي تشترط في الخطيب ليتصدر للخطابة ويجلب اليه محبة وتقدير وحب الناس كما كنت اتابع حصصه التلفزية الجمعية والتي كانت مساهمته فيها نافعة مفيدة جدية ومازال تلاميذ وطلبة الشيخ يذكرونه الى الآن بصفة طبيعية تلقائية ولولا خوف وخشية الوقوع في ما لا يحمد من التطويل لأفضت في ذلك بمزيد الذكر وبمزيد البيان بالحجة وبالدليل ولكنه لا يسعني في الختام إلا ان ادعو للشيخ بطول العمر وبالصحة التامة وان يمن عليه وايانا بمزيد النعمة وبوافر الفضل وبحسن الخاتمة