على خطى ثورة الأحرار التونسية، خرج المصريون للشارع للتظاهر والمطالبة بخلع الرئيس "حسني مبارك" الذي حكم شعبه على مدى ثلاثة عقود بقبضة أمنية لا تقل دموية عن قبضة الجنرال المخلوع في تونس... ولكن الأوضاع في مصر تختلف في تفاصيلها عما حدث في تونس، فقد انطلقت عمليات النهب وتهريب المساجين في الأيام الأولى من الثورة المصرية، كما أن خروج الملايين للشارع في مصر يعني الفوضى الخلاقة حتى وإن تجند المواطنون للدفاع عن البيوت والأعراض بتشكيل لجان شعبية كما حدث في تونس بعد فرار الجنرال المخلوع... ولن نغفل طبعا عن ميليشيات النظام الحالي التي أدخلت "مصر" في حرب أهلية وهو ما لم يحدث في تونس إذ لم يتجرأ مناصرو النظام السابق إلا على الخروج ليلا بعد الخطاب الأخير للجنرال المخلوع للاحتفاء بحارس المعبد، أو متخفين في مسرحية الملثمين الذين يهددون أمن واستقرار البلد... تختلف العناوين الكبرى بين الثورتين التونسية والمصرية، ويبقى موقف الجيش التونسي مفخرة لهذا الوطن الحر فيما فضل الجيش في مصر التواطؤ مع النظام الحالي فارتفع عدد شهداء هذه الثورة التي نتمنى جميعا أن تصمد حتى النهاية وتذهب بعيدا في تحقيق المطالب الشعبية المصرية بوطن حر يقوم على مبادئ الديمقراطية والعدالة والمساواة والحرية... في خضم هذا الوضع المصري الحرج، بادرت كل الدول العربية والأجنبية بإجلاء مواطنيها بتوفير ومضاعفة عدد الرحلات والطائرات وتسهيل عمليات سفرهم... وقد ظهر السفير التونسي في مصر على مدى الأيام الفارطة على شاشات التلفزيون ليتحدث عن حرص السفارة التونسية على الاطمئنان على جاليتنا هناك والتي يتجاوز عددها ثلاثة آلاف تونسي والإحاطة بهم وتسهيل عمليات السفر لكل من يريد العودة إلى الوطن... أما الحقيقة فتكشفها لنا الممثلة "فريال قراجة" إحدى فناناتنا المقيمات في القاهرة في الورقة التالية: السفارة تتجاهل رعاياها... اختار عدد من التونسيين المقيمين في مصر الصبر على الأوضاع الحرجة هناك والمساهمة مع اللجان الشعبية في حماية المنازل والأحياء من الخارجين عن القانون وخاصة المساجين الذين تسربوا كالنمل من جحورهم... فيما فضل عدد آخر من التونسيين العودة إلى وطنهم الحر، وكان طبيعيا أن يبادروا بالاتصال بالسفارة التونسية هناك، لتسهيل عمليات عودتهم كما تؤكد ممثلتنا "فريال قراجة" التي أشارت أيضا إلى أن بقية الجاليات من دول عربية وأجنبية أخرى لم تجد أي صعوبة في العودة إلى أوطانها ما عدى الجالية التونسية التي أقفلت سفارتنا بابها في وجهها، ولا تجد من العاملين فيها سوى عبارات التملص من المسؤولية مثل "ما نعرفوش"، "ما فيبالناش"، "اتصرفوا وحدكم"... وقالت فريال إن كل من بحوزته تذكرة العودة من مواطنينا في مصر إلى تونس واتصل بالسفارة هناك لمساعدته على ضبط موعد قريب عليها يقابل بالرفض من السفارة أمام رد واحد "اشري تذكرة جديدة"... مع العلم أن الوضع الطارىء في مصر فرض إغلاق البنوك وهذا يعني أن جاليتنا هناك قد لا تكون بحوزتها ما يكفي من المال لشراء التذاكر... مظاهرات في المطار... في ظل هذه الوضعية وفي غياب أي دور للسفارة التونسية في مصر عدى خروج السفير وبعض الموظفين في وسائل الإعلام التونسية للحديث عن قرارات وإجراءات وهمية كما ورد على لسان محدثتنا فريال قراجة التي أكدت لنا بأنها تتحدث كمواطنة لها حقها في أن تحظى بحماية بلدها بصرف النظر عن وضعيتها كفنانة، تقول"ربما كان حالي أفضل من غيري ولكن تصوري من لا يملك ثمن تذكرة العودة إلى تونس ماذا يفعل؟" بادر بعض التونسيين بالسفر إلى مناطق أخرى ومن هناك شدوا الرحال إلى تونس كما فعلت الممثلة فريال قراجة التي استقلت الطائرة في اتجاه الأردن بداية الأسبوع ومن هناك عادت إلى تونس... وقالت "فريال" إن الضغط كبير جدا على مطار القاهرة وخاصة من قبل الجالية التونسية التي اكتفت السفارة هناك بنصحهم بضرورة الذهاب إلى المطار والانتظار والمبيت هناك إن لزم الأمر... وأكدت ممثلتنا أنها وهي تتأهب للسفر إلى الأردن التقت في المطار بالممثلة درة زروق والفنانة أماني السويسي وكانتا من بين المنتظرين... فيما اختار عدد من التونسيين ممن ملوا الانتظار التظاهر في المطار احتجاجا على الدور السلبي الذي لعبته السفارة التونسية هناك في إجلاء رعاياها... وأكدت أن سفيرنا هناك لم يبد أي جدية في التواصل مع الجالية ولا يعرف له موقف عدى الحرص على الاحتفاء بكل زائر تونسي من كبار المسؤولين أو الظهور داخل سياق الأحداث الكروية بين الأهلي المصري والترجي الرياضي التونسي رفقة حراس شخصيين لتسريح ابن سليم شيبوب الذي كان من بين الموقوفين في أحداث الشغب تلك... موقف السفارة التونسية في مصر ومحاولة التعتيم على وضعية جاليتنا التونسية هناك وانتحال بطولة وهمية يذكرنا بالعهد النوفمبري الذي لم يتعلم كيف يحترم المواطن التونسي، ويبدو أن سفارتنا هناك لم تتخلص بعد من الخلايا المريضة في جسدها لتسقط في أول امتحان لها في هذا الظرف الانتقالي...