بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين ل"الوطن": المشهد الإعلامي في تونس مازال نمطيّا ولا يعكس التنوّع الموجود في المجتمع حاوره: نور الدين المباركي تونس/الوطن بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يوافق يوم 3ماي، التقت"الوطن" رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين ناجي البغوري و أجرت معه الحديث التالي: من 3ماي2008 إلى 3ماي 2009 ، هل يمكن القول إن الحريات الإعلامية والصحفية في تونس قد شهدت تطورا؟ من وجهة نظرنا لم يحصل أيّ تطور، بالعكس فقد سجلنا مقارنة بالسنة الفارطة تزايدا في عدد الانتهاكات و الشكاوى الواردة علينا من الصحفيين للتضييق عليهم في ممارسة المهنة ،إلى جانب صعوبة الوصول الى المعلومة. ومن جهة أخرى ما لاحظناه أيضا أن الخطاب الرسمي زيادة على كونه اتسم ب"الصّرامة والتوتّر" فإنه لم يقدم إجابات مطمئنة للصحفي والإعلامي للقيام بدوره بشكل جيّد. ألا ترى أن هذا التقييم متشائم ولا يلتفت إلى بعض الجوانب المضيئة في المشهد الإعلامي؟ عندما نتحدّث عن وضع الصحافة في تونس ، لا ننظر إليه كأنه" لوحة سوداء" ...نعم هناك نقاط مضيئة ، وهناك محاولات جادّة ،لكن الإشكال أن هذه المحاولات انحصرت فقط في صحف المعارضة وعدد قليل من الصحف الخاصة، لكنها لم تمس الإعلام العمومي ، هذا الأخير نعتقد أنه لابد أن يقوم بدوره في توسيع هامش الحريات الإعلامية وذلك على الأقل للأسباب التالية: أولا: لديه الإمكانات المادية والبشرية ، وهي إمكانات متأتية أساسا من المال العمومي ونعتقد انه على الإعلام العمومي أن يُرجع الخدمة إلى أصحابها في إطار خدمة عمومية موضوعية. ثانيا: حق المواطن في الخبر دون تشويه أو توظيف وتوجيه على الإعلام العمومي أن يعكس كافة الآراء الموجودة في المجتمع وذلك في إطار احترام أخلاقيات المهنة والقوانين المنظمة لها. لكن هناك من يُحمّل الصحفيين مسؤولية ضعف الأداء الإعلامي عموما..وأقصد بالضبط موضوع الرقابة الذاتية؟ عادة ما يتم إرجاع ضعف أداء الإعلام إلى الصحفي لأنه يمارس الرقابة الذاتية لكن ما يجب أن نفهمه هو أن الرقابة الذاتية هي نتيجة وليست سببا ، فهي : أولا: نتيجة لرقابة حقيقية تُمارس على صاحب المؤسسة الإعلامية أو على القائمين عليها (المؤسسات الإعلامية العمومية) وعلى الصحفيين. ثانيا: من خلال اتساع قائمة المحظورات المطلوب من الصحفي عدم الكتابة فيها. ثالثا: لعدم تمكين الصحفي من حقه في الوصول إلى المعلومة (ومعلوم أنه بلا معلومة لا يمكن الحديث عن صحافة)، زيادة على أن القاصي والداني يعرف أن المؤسسات الإعلامية وخاصّة العمومية منها تخضع إلى منطق التعليمات. لو نطلب منكم تشخيص بعض مظاهر الخلل في المشهد الإعلامي والتي تقف أمام مزيد تقدّمه؟ رغم محاولات التنويع و السعي إلى الجودة في عدد من المؤسسات ، مازال المشهد الإعلامي في بلادنا نمطيا ولا يعكس التنوع الموجود في المجتمع، ثمّة عديد الأخبار والقضايا التي تهمّ الرأي العام ومع ذلك لا تقدم للرأي العام وإن قدّمت فبشكل منقوص وموجّه ، في اعتقادي أن الوعي باستقلالية الإعلام هي مسألة جوهرية حتى يتمكّن من القيام بدوره إلى جانب أن هناك ترسانة من القوانين الزجرية التي مازالت تكبّل الصحفي والمؤسسة الإعلامية وغياب القوانين التي تحمي الصحفي أثناء ممارسته لعمله وتؤكد على حق الصحفي للوصول إلى المعلومة. وفي الممارسة هناك إجراءات تضييقية مازالت تحول دون قيام الصحفي بدوره. برز خلال المدّة الأخيرة ملف علاقة المحامين بوسائل الإعلام، النقابة الوطنية للصحافيين أصدرت بيانا قال عدد من الصحفيين أنه غير دقيق في الموقف ممّا عبّر عنه المحامون؟ لنتفق من البداية أن هناك مناخا عاما يتميز بعدم انفتاحه على الصحافة وأن هناك ثقافة عامة ترفض النقد والرأي الآخر. وأعتقد أن المؤسسات والهيئات العمومية بقطع النظر عن صبغتها من خلال انفتاحها وتعاملها الإيجابي مع الإعلام تعطي بذلك المثل لبقية مكونات المجتمع بقبول الصحافة كما هي وباحترام دورها وأن كان لا يتماشى مع توجهاتها. وفي علاقة بالمحامين نعتبر أنه لا يوجد أي مبرّر لعد الانفتاح على الصحافيين والتعامل معهم مع تأكيد حقّ كافة المنظّمات والهيئات في الدفاع عن نفسها وعن أخلاقيات مهنتها. ظهرت خلال المدّة الأخيرة عدّة برامج تلفزية تتميز بمساحة من الجرأة كيف تنظر إلى هذه البرامج وهل يمكن القول أنها تشكّل إضافة نوعية للإعلام المرئي في تونس؟. اتفق معك أن هناك بعض البرامج استطاعت أن تدخل منطقة المحظور لكن ما يجب الانتباه إليه أن ذلك لم يتم من زاوية توسيع هامش الحرية بل جاء من زاوية رفع نسبة المشاهدة وبالتالي أهدافها تجارية بالأساس. لذلك أقول إن هذه البرامج بقيت حالات معزولة في ظلّ تواصل البرامج الإخبارية والملفات على حالها ولم يطلها هذا التغيير وظلّت تدور في طاحونة الشيء المعتاد. وأعتقد أنه إذا كان من الممكن فتح هامش الحريات الصحافية يجب أن يكون عاما وليس للأطراف دون غيرهم . كيف تنظرون إلى اقتناء 70 % من أسهم "دار الصباح" من قبل رجل الأعمال السيد محمد الماطري، خاصة أن هذا الموضوع كان موضوع جدل بين الصحافيين؟ كنقابة وطنية للصحافيين التونسيين ما يعنينا في هذه المسألة هو ضرورة احترام القانون بالنسبة لتشغيل الصحافيين والمحافظة على هامش الحرية الذي تمكنت دار الصباح من افتكاكه على خلاف بعض الصحف الأخرى. أين وصل ملف صحفيي مؤسستي الإذاعة والتلفزة خاصّة أن النقابة كانت دعّمت الحركة الاحتجاجية التي قاموا بها بداية السنة الجارية؟ هذا الملف تمّ طرحه في أكثر من مناسبة وعلى أكثر من مستوى وتوصلنا مع وزارة الإتصال إلى حلّ سنة 2008 لكن لم يتم الالتزام به لذلك دعمنا الحركة الاحتجاجية التي قام بها الزملاء واستبشرنا أيضا بقرار رئيس الدولة القاضي بحل هذا الملف على قسطين ( خلال شهري فيفري ومارس) لكن ما راعنا إلاّ أن إدارتي المؤسستين التفّتا على هذا القرار ولم يتم تطبيقه في آجاله كما أنه لم يتم تشريك النقابة في اللجنة التي تمّ تكوينها بل إن الإدارة طرحت مخططا آخر لحل الملف يكتنفه كثير من الغموض وأثار تخوفات الزملاء الصحافيين في المؤسستين وهذا التخوّف مصدره أن يتم التعامل بانتقائية خلال تسويات الملفات من المفروض أن تقدم النقابة يوم 3 ماي تقريرها السنوي للحريات الصحفية هل من الممكن تقديم الخطوط العريضة لمضمون التقرير؟ هذا غير ممكن باعتبار واجب التحفظ سنعقد يوم الاثنين 4 ماي ندوة صحفية لتقديم التقرير وتوزيعه. سؤالنا الأخير كيف هي علاقة النقابة الوطنية للصحافيين بسلطة الإشراف؟ منذ انطلاقتها عبّرت النقابة الوطنية للصحافيين على استعدادها للعمل ضمن منظومة الدولة وذلك وفق القوانين كما عبّرت على أن الحوار هو أفضل السبل لحل الملفات سواء كانت مهنية أو مادية أو اجتماعية أو لتطوير حرية الصحافة في البلاد.كما كان للنقابة جلسات تفاوضية ولقاءات حوار مع وزارة الاتصال لكن ولأن النقابة تمسّكت باستقلاليتها وبالدفاع عن ملفاتها فوجئت بالفتور في التعامل معها وعدم الرغبة الجديّة في حلّ أي ملف من الملفات. (المصدر: صحيفة " الوطن" لسان حال الاتحاد الديمقراطي الوحدوي ( أسبوعية- تونس ) العدد 83 بتاريخ 1 ماي 2009)