التونسية ( تونس) لم تستبعد مصادر مقربة من وزارة المالية في حديث لها مع « التونسية» أن تشمل سياسية التقشف التي ستعتمدها الحكومة خلال العام المقبل الانتدابات في الوظيفة العمومية وذلك بالنزول بعدد الانتدابات إلى نحو 10 آلاف انتداب حسب ما أفادت به مصادر «التونسية» سيخصص جزء كبير منها لقطاعات التعليم والصحة والأمن وهي القطاعات الثلاث الأكثر تشغيلية في القطاع العمومي . وتأتي نوايا التقليص في الانتدابات بالقطاع العمومي حسب نفس المصادر بعد الارتفاع غير المسبوق لكتلة الأجور خلال العامين الماضيين بسبب الانتدابات الهامة التي قامت بها الحكومة بعد الثورة والتي شملت تقريبا كل القطاعات وكل الأصناف إلى جانب الإنتدابات التي تمت في إطار قانون العفو التشريعي العام وانتدابات أفراد من عائلات شهداء وجرحى الثورة واستجابة حكومات ما بعد الثورة إلى جملة من الضغوطات والمطالب الاجتماعية وتسوية وضعيات عشرات ألاف العمال والأعوان في العديد من الاسلاك بما جعل كتلة الأجور في الوظيفة العمومية تبلغ في ميزانية سنة 2013 نحو 8500 مليون دينار وهي كتلة تفوق القدرة الحقيقية للبلاد. الخيار الصحيح ؟ لكن بقطع النظر عن صحة الخيار من عدمه (نظرا للدور الهام الذي تلعبه الوظيفة العمومية في دفع عجلة التشغيل ) فإن مهندسي ميزانية الدولة وقانون المالية يجدون أنفسهم خلال العام المقبل بين مطرقة المطالب الاجتماعية والارتفاع المتواصل للوافدين على سوق الشغل الذي ناهز ال700 ألف عاطل عن العمل وبين سندان محدودية موارد الدولة بعد أن بلغت نسبة عجز الميزانية 6,5 بالمائة والارتفاع المرتقب لميزانية الدعم إلى حدود 5 آلاف مليون دينار مع نهاية العام الجاري إلى جانب الخلل الكبير لميزان الطاقة نتيجة تقلص الإنتاج الوطني من النفط وخاصة تقلص أتاوة الغاز الطبيعي المتأتي من الجزائر نتيجة تراجع الطلب الايطالي بقرابة الثلث مما جعل تونس تتفادى هذا النقص من خلال اللجوء إلى توريد الفارق بالعملة الصعبة وهو ما أثر على ميزان الدفوعات ثم على الدعم إلى جانب انزلاق سعر صرف الدينار مقارنة بالاورو الذي سجل تراجعا تاريخيا بعد أن بلغ عتبة 2,250 دينار مقابل توقعات ب1.9 دينار في ميزانية العام . كل هذه المؤشرات تؤكد أن سيل الانتدابات الذي عرفته الوظيفة العمومية خلال 2012 و2013 والذي بلغ 50 ألف انتداب سيتوقف خلال العام المقبل وربما للسنوات الموالية باعتبار أن سنة واحدة من التقشف لن تكون كافية لإعادة العافية للاقتصاد الوطني المكبل بارتفاع مطّرد في نسبة الديون الخارجية التي بلغت 49 بالمائة من الناتج القومي وغياب تقديرات صحيحة لنسبة النمو التي اضطرت الحكومة إلى تخفيضها مرتين خلال العام الجاري بسبب الوضع الاقتصادي والاجتماعي والأمني الصعب وانخفاض معدل النمو العالمي لتنزل هذه النسبة من 4.5بالمائة إلى 4 بالمائة قبل أن تستقر أخيرا في حدود 3.6 بالمائة . التنمية هي الحل وبما أنه اتضح بالكاشف أن الأزمة الاقتصادية في تونس هي «سياسية بامتياز»، فإن الحكومة مطالبة بالجلوس على طاولة الحوار مع كل الأطراف وإيجاد الصيغ العملية للتشجيع على الاستثمار الذي سيكون القاطرة الوحيدة لدفع التنمية وخلق مواطن شغل باعتبار أن الزيادة بنقطة نمو قادرة على خلق ما بين 15 و17 ألف موطن شغل وذلك عبر تأمين كل مقومات الاستقرار السياسي من وضع خارطة طريق واضحة المعالم للمحطات الانتخابية المقبلة والبحث عن استثمارات منتجة من طرف الدولة تكون دافعا أساسيا للاستثمارات الخاصة في الجهات المحرومة هذا إلى جانب ضرورة إحداث مشاريع لإعادة هيكلة القطاعات المنتجة من أجل القضاء على البطالة واتباع سياسة مالية ونقدية رشيدة يمكن أن تساهم في التخفيض من نسبة التضخم العالية جدا والتي بلغت 6.2 ٪ رغم بوادر الانفراج بانخفاضها الطفيف منذ شهر أوت الماضي .