بدأت ملامح ميزانية الدولة لسنة 2014 تتوضح شيئا فشيئا وذلك على المستوى النظري على الأقل. نقول على المستوى النظري لأن العديد من نقاط الاستفهام لا تزال قائمة بشأن ميزانية سنة 2013 حيث جاءت النتائج مخالفة للتوقعات. وهناك احتمال كبير جدا أن تعرف ميزانية 2014 نفس هذا المصير. فإلى الآن لم تجب الجهات الرسمية عن الكيفية التي ستعالج بها العجز المسجل في ميزانية 2013 وخاصة الفجوة الكبيرة التي تعاني منها هذه الميزانية والتي يقدرها البعض بنحو خمسة مليارات من الدنانير . ولا أحد يعرف إلى حد الآن كيف سيقع تعبئة هذا المبلغ الضخم- بالنظر إلى إمكانيات بلادنا- في ظل تعليق مؤسسات مالية عالمية تسريح قروض حصلت عليها بلادنا، ما لم يقع تنفيذ بعض الإصلاحات ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي السياسي، والتي لم يتحقق منها أي شيء تقريبا إلى حد الآن، وفي ظل تواصل تدهور تصنيف تونس من حيث قدرتها على سداد ديونها من قبل كل الوكالات المختصة تقريبا، وهو ما سيجعلنا نقترض في المستقبل بكلفة مرتفعة جدا وبشروط مجحفة، وسيكون عبئا إضافيا على ميزانية 2014. لذلك يبدو أنه لم يقع استخلاص الدروس اللازمة من ميزانية 2013، وأن ما يجرى الآن هو بمثابة عملية هروب إلى الأمام ستكون لها عواقب وخيمة جدا على المستقبل الاقتصادي للبلاد. فمسلسل تفاقم العجز لا يمكن حله بالاعتماد أكثر فأكثر على الاقتراض والتداين، وعبر إثقال كاهل الطبقة الوسطى، التي تمثل العمود الفقري للاستهلاك الداخلي، من خلال الترفيع في الضرائب التي تخضع لها هذه الشريحة، ومن خلال إقرار أتاوات جديدة عليها. والحل لا يكمن كذلك في تفعيل إجراء قديم يقضي بإخضاع المؤسسات الأجنبية المنتصبة في بلادنا للأداء على أرباحها في ظرف يعزف فيه المستثمرون الأجانب عن بلادنا ويغادر بعضهم إلى وجهات منافسة لتونس. إن التخفيض في عجز الميزانية يمر أيضا عبر ترشيد نفقات مؤسسات الدولة والتزام الجميع بالعيش حسب إمكانيات البلاد... فالشعب قد يجد مبررا للرفع في مخصصات وزارتي الدفاع والداخلية في ميزانية 2014، بالنظر للتهديدات الإرهابية التي تمر بها البلاد، ولكنه لا يفهم سبب الرفع المتوقع في ميزانيات رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية والمجلس الوطني التأسيسي سنة 2014 ، خاصة وأن المسؤولين الحكوميين ما فتئوا يدعون هذا الشعب بمناسبة وبدونها إلى وجوب التقشف وشد الأحزمة. إن ما اتخذ إلى حد الآن من إجراءات ليست إلا حلولا ظرفية، قد يؤدي بعضها إلى بروز مشاكل اجتماعية إضافية، ويتسبب في نتائج عكسية على المستوى الاقتصادي، في حين أن بلادنا في حاجة أولا وقبل كل شيء لمناخ يساعد على خلق الثروة ، ويشجع الباعثين الوطنيين والأجانب على الاستثمار وتوسيع مشاريعهم وبالتالي توفير مواطن شغل جديدة يظل شبابنا في أشد الحاجة إليها ، ولن يكون ذلك ممكنا إلا من خلال الإسراع بتجاوز الأزمة السياسية الراهنة التي تعيشها البلاد، لأن كل يوم يمر في ظل تواصل التوتر والاحتقان وعدم وضوح «الأجندا» السياسية «يغرق» فيه اقتصادنا أكثر فأكثر وتزداد مصاعبه التي لن ينفع معها الحلول الظرفية و«الترقيعية» ولا سياسة الهروب إلى الأمام.