التونسية (تونس) قال «محمد جرّاية» الخبير والمحلل السياسي ورئيس مرصد الرقيّ بتونس ل«التونسية» ان موضوع «الأوقاف والحبس» موضوع قديم، وأشار إلى انه كان موجودا في ظل منظومة قضاء إسلامي وانه موروث من العهد العثماني وبعض التجارب الإسلامية،وأكدّ ان وضعنا الإقتصادي الحالي لا يسمح بالرجوع إلى مثل هذا النظام. وأضاف جراية أن الإقتصاد الحالي يرتكز على مبدإ التفويت ونقلة الملكية بالبيع والشراء، وأشار إلى أن الملكية في تونس يتحكم فيها قانون المجلة التجارية ومجلة الحقوق العينية ومجلة الشركات التجارية وبالتالي هناك منظومة متكاملة ترتكز على حرية البيع والشراء وحرية التملّك ونقل الملكية، بالإضافة الى المنظومة البنكية التي ترتكز على حرية البيع والشراء. وأكّد ان إحداث قانون «الأوقاف» بعد أن تخلت عنه تونس في 1957 على غرار عدة بلدان مثل مصر ولبنان وسوريا وتركيا سيرجعنا إلى الوراء ،وإعتبر ان هذا الأمر يعد ضربا لمنظومة الملكية والتجارة والإقتصاد. وأضاف محدثنا قائلا: «إنّنا نمرّ حاليا بظرف «استثنائي» ونُدرك جيّدا ان أجل الحكومة المؤقتة انتهى منذ فترة ومع ذلك وقع التمديد فيه لأسباب عديدة، ثم دخلنا في حوار وطني وكان الهدف الأساسي منه التسريع في إصدار قانون إنتخابي وتركيز الهيئة العليا للانتخابات اللذين يُعتبران مسألتين عاجلتين للوضعية الإقتصادية التي تمرّ بها البلاد» . وأكّد ان هذا الهدف أسمى وأرقى بكثير من قانون «الأوقاف». وأضاف: «كنا ننتظر أن يسرّع المجلس الوطني التأسيسي من نسق أعماله لتقديم هذه القوانين وليس لكي ننشأ قانون على «الحبس والأوقاف»». وأشار إلى انه لو طرح مثلا موضوع قانون الإستثمار الذي بقي لأكثر من سنة على مكتب المجلس التأسيسي لكان من الممكن التفهم لأنه كان سيعطي دفعا لعجلة الاقتصاد ولكن قانون الأوقاف ليس له اي معنى. وقال ان الإقتصاد في حاجة اليوم الى ديناميكية والى صدمة إيجابية تحرّك الدورة الإقتصادية وليس الى قانون «حبِس» يعطلّ ويجمّد العقارات. وأضاف ان المنظومة القضائية في مجال العقارات تتكون من المحكمة العقارية ودفتر خانة وديوان قيس الأراضي وبالتالي لا يمكن التعامل مع قضايا ومشاكل «الحبس». وإعتبر ان هذه الوضعية ستفرض إحداث هيئة موازية تهتم ب«الحبِس»، وهو ما يتطلب موظفين ومصاريف ونفقات إضافية، وقال إنّنا في وضعيتنا هذه نريد تقليص النفقات والأعباء لا تعميقها. وأضاف جرّاية ان هذا الأمر يتطلب منظومة عدلية، وبرنامجا كبيرا نحن في غنى عنه، وتساءل ما المغزى من هذا القانون في ظرف كهذا ؟ ثم ما هي الحاجة الملحّة لنمرّر قانون «الأوقاف» بطريقة قياسية وعاجلة. وحول تعليق الحوار الوطني قال جرّاية: «انه لا بد من وضع الأمور في إطارها» وأضاف ان «الترويكا» لم يكن ضمن برنامجها الذهاب الى حوار وطني وأكّد ان البرنامج كان يقضي بمواصلة الحكم بالاستناد إلى الشرعية بمفهومها الخاص الى حين الوصول إلى الانتخابات . وقال ان «الحوار الوطني» فرض نفسه بسبب الوضعية السياسية والأزمة الإقتصادية والأمنية ،فمن جهة الرباعي الراعي فرض الحوار وكذلك المعارضة طالبت بالحوار ،وبالتالي قبلت «الترويكا» بهذا الحوار عن مضض، ولكنها حاولت أيضا الإستفادة من هذا الحوار لربح الوقت وأنّ ذلك ظهر من خلال التجاذبات والمماطلات التي حدثت على رئيس الحكومة. وفي ما يتعلق بتصريحات «علي العريض» رئيس الحكومة والتي جاء فيها ان هناك أطرافا أخرى تعطل الحوار الوطني، قال انها مجرد رسائل سياسية المراد منها إرسال رسائل طمأنة ولكسب الرأي العام وأكّد ان السياسة تتطلب الكثير من الذكاء، وبالتالي لا يمكن السّباحة ضد التيار حتى تبدو الحكومة وكأنها تريد الحوار لكن بشروطها ... وحول السيناريوهات القادمة خاصة أنّه من المنتظر إستئناف الحوار الوطني بداية من هذا الأسبوع، قال جرّاية إنّ الاستئناف وارد لأن جميع الأطراف مقتنعة انه لا مناص منه، مشيرا إلى أنّ رفض الحوار يعني الصدام والصدام لن يخدم أي طرف حتى المعارضة. وتساءل جرّاية قائلا: «الحوار» خطوة لكن بأي نسق؟ وقال «عندما تحدثوا في البداية عن 4 أسابيع كشفنا كخبراء ان هذا الأمر مستحيل وهو ما حصل لاحقا». وأضاف محدّثنا ان التوافق على رئيس الحكومة القادم سيحصل لكن هذا الأمر لن يحدث بسرعة وأنّه حتى بعد ذلك سنضيّع الكثير من الوقت في إختيار أعضاء الحكومة ،وبالتالي قد تدوم المسألة إلى حدود نهاية السنة . وحول ما تردّد بأن الوضع الإقتصادي سيكون كارثيا خصوصا الشهر المقبل قال جرّاية ان الوضع «الكارثي» موجود منذ فترة ولكنه يتفاقم من يوم الى آخر . وأكدّ انه في شهر ديسمبر سيتم ختم السنة الحالية والإنطلاق في ميزانية جديدة وقال انه ستحلّ الآجال لخلاص بعض الديون الخارجية،وأمام نقص الموارد المالية وفي ظل تعطل الأعمال فإن السؤال الذي سيطرح هو كيف ستفي تونس بإلتزماتها؟ وقال انه لمعالجة هذا الأمر تم اللجوء الى حلول ترقيعية بالترفيع في المواد المدعمة وخلق موارد جبائية أخرى والسعي للحصول على قروض تكميلية أجنبية ولكن الحصول عليها صعب في ظل الترقيم والوضع الذي تمر به البلاد، وبالتالي ان لم تتضح الرؤية سيكون الوضع «حرجا» على حدّ تعبيره. وأكد انه للخروج من هذا المأزق فإن أول خطوة يجب القيام بها هي بعث رسائل طمأنة وإعلان الحكومة لإستقالتها وإحداث حكومة تصريف أعمال، وقال ان هذا الأمر سيكون له تأثيرات معنوية وسياسية كبيرة ملاحظا ان هذا الحل لن يأتي ،لأنّ الحكومة لن تقبل بالاستقالة.