بقلم: أبو غسان نسي التونسيون ذواتهم وأحلامهم الشخصية مع نهاية السنة المنقضية، وجاءت أمانيهم تنشد العافية للوطن أكثر من أي شيء آخر.. كان تمني الخير لتونس على كل لسان تقريبا... وهو ما يعكس حجم الكابوس الذي عاشته البلاد السنة الماضية. اغتيالات سياسية.. ألغام.. مجموعات مسلحة في الجبال تنصب الكمائن للجنود ولقوات الأمن وتمثل بأجسادهم.. شباب يفجّر نفسه بالأحزمة الناسفة.. أزمة اقتصادية خانقة زادت البؤس بؤسا عند أشد الشرائح فقرا وتهميشا وهشاشة..خلافات سياسية لا تنتهي قسّمت التونسيين وفرّقت بينهم.. وأعداد المصابين بالاكتئاب والأمراض النفسية فاقت كل الحدود. لقد عاشت البلاد سنة 2013 أحداثا مرعبة لم يتعود عليها التونسيون من قبل.. ورأوا أن بلادهم تتجه نحو منزلقات خطيرة جدا، وهو ما جعلهم ينسون أنفسهم ولا يطلبون غير الخير للبلاد، ولا يتمنون سوى أن تكون السنة الجديدة أفضل من سابقتها، رغم يقينهم أن سنة 2014 ستكون بدورها صعبة لأن بعض ما حصل لا يمكن معالجته في ظرف أشهر. ندخل السنة الجديدة و«كاسة» البلاد شبه فارغة تنتظر «رحمة» من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي علهما يتكرما ب«إطلاق سراح» ما تبقى من أقساط قروض حصل الاتفاق بشأنها سابقا.. ولا خيار أمامنا إلا مزيد الاقتراض، و«رهن» أجيال تونس القادمة إلى ما لا يعلمه إلا الله. ومع كل ذلك يمكن أن تكون تونس في هذه السنة الجديدة بحال أفضل.. تكون بحال أفضل حين نغلّب حقا مصلحتها عن أي مصلحة أخرى. وحين لا تكون الكراسي وحدها هي الغاية والمنتهى.. وحين يصارح المسؤولون الشعب بحقيقة الأوضاع، لا مواصلة سياسة الهروب إلى الأمام وتعليق مصير بلاد بأسرها على المجهول.. ستكون تونس أفضل حين نردّ الجميل لأصحابه، ونعتني أكثر بمن قاموا بالثورة في الجهات المعدمة التي يسمع أهاليها عن مشاريع التنمية والتشغيل في خطابات السياسيين المملة أكثر مما يشاهدونه على أرض الواقع ... ستكون أحوال التونسيين أفضل حين تنتفي الأسباب التي تجعلهم يشعرون بالخوف على مستقبل أبنائهم... وستكون تونس بحال أفضل حين يركز القائمون عليها على مشاكل الفقر والبؤس والتشغيل وغلاء الأسعار وتفشي مظاهر التطرف والعنف والانحراف، لا طرح قضايا هامشية لم تدر يوما في خلد أغلب التونسيين. صحيح أننا أنهينا سنة 2013 على شيء من التفاؤل بعد أن نزل منسوب التشنج والاحتقان في الساحة السياسية باختيار شخصية لترؤس الحكومة الجديدة. ولكن حل الأزمة السياسية حتى وإن كتب له أن يمضي إلى الآخر فلن يكون له مفعول سحري.... وبعض المظاهر التي أصبحنا نعيشها تتطلب بالتأكيد أكثر من مجرد الأماني لإصلاحها، والكثير من الجهد والوقت لمعالجتها.. سنكون بحاجة إلى العمل أولا وقبل كل شيء لأن الأماني لن تغير الشيء الكثير من واقع الحال. البلاد في حاجة إلى «صدمة» تعيد الرشد للأذهان لأننا أضعنا الكثير من الوقت ومن الفرص التي ضاعت معها إمكانية تقويم العديد من الأشياء ونرجو ألا يكون الوقت قد فات على ذلك.