هيئة الانتخابات:" التحديد الرسمي لموعد الانتخابات الرئاسية يكون بصدور امر لدعوة الناخبين"    التبادل التجاري بين أمريكا وتونس يحقق فائضا ب300 مليون دولار    المهدية: محامو الجهة ينفّذون وقفة احتجاجيّة وإضرابا حضوريا بيومين للمطالبة بإحداث محكمة استئناف بالجهة    طلاق بالتراضي بين النادي الصفاقسي واللاعب الايفواري ستيفان قانالي    السجن مدى الحياة لشخصين..فصلا رأس زميلهما عن جسده..    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب    هذه الشركة العالمية للأغذية مُتّهمة بتدمير صحة الأطفال في افريقيا وآسيا.. احذروا!    جربة: إحتراق ''حافلة'' تابعة لجمعية لينا بن مهنّى    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    فرنسا: غرق 5 مهاجرين...التفاصيل    صور : وزير الدفاع الايطالي يصل إلى تونس    الفيفا يكشف عن فرضيات تأهل الترجي الرياضي لكأس العالم للأندية    اقتطاعات بالجملة من جرايات المتقاعدين...ما القصة؟    يهم التونسيين : غدًا طقس شتوي 100% و هذه التفاصيل    تفكيك وفاق إجرامي من أجل ترويج المخدرات وحجز 08 صفائح و05 قطع من مخدر القنب الهندي..    جندوبة: الإحتفاظ بمروج مخدرات بمحيط إحدى المؤسسات التربوية    المرصد التونسي للمناخ يكشف تفاصيل التقلّبات الجوّية    جرايات في حدود 950 مليون دينار تُصرف شهريا.. مدير الضمان الإجتماعي يوضح    ر م ع الشركة الحديدية السريعة يكشف موعد إنطلاق استغلال الخطّ برشلونة-القبّاعة    وزير الدفاع الايطالي في تونس    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    نابل: الاحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه    إخماد حريق بشاحنة ثقيلة محملة ب7،6 طن من مواد التنظيف..    زلزال بقوة 6.2 درجات يضرب هذه المنطقة..    عمال بشركة منتصبة بصحراء تطاوين يحتجون ويطالبون بإلغاء المناولة    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الثلاثاء 23 أفريل 2024    بطولة إفريقيا للأندية للكرة الطائرة: مولودية بوسالم يواجه الأهلي المصري من الحفاظ أجل اللقب    محمد الكوكي: هدفنا هو التأهل للمشاركة إفريقيا مع نهاية الموسم الحالي (فيديو)    فظيع/ جريمة قتل تلميذ على يد زميله: تفاصيل ومعطيات صادمة..    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس..    لأول مرة: التكنولوجيا التونسية تفتتح جناحا بمعرض "هانوفر" الدولي بألمانيا    بطولة ايطاليا : بولونيا يفوز على روما 3-1    الإطاحة ب 9 مروجين إثر مداهمات في سوسة    مدنين: حجز 4700 حبة دواء مخدر وسط الكثبان الرملية    رغم منعه من السفر : مبروك كرشيد يغادر تونس!    جمعية منتجي بيض الاستهلاك تحذّر من بيض مهرّب قد يحمل انفلونزا الطيور    عاجل : وفيات في سقوط طائرتي هليكوبتر للبحرية الماليزية    حادثة سقوط السور في القيروان: هذا ما قرره القضاء في حق المقاول والمهندس    الجزائر.. القضاء على إره.ابي واسترجاع سلاح من نوع "كلاشنكوف"    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    مذكّرات سياسي في «الشروق» (1)...وزير الخارجية الأسبق الحبيب بن يحيى... يتكلّم .. الخارجية التونسية... لا شرقية ولا غربية    استلام مشروع تركيز شبكة السوائل الطبية لوحدة العناية المركزة بقسم الأمراض الصدرية بالمستشفى الجامعي الهادي شاكر    تونس: وفاة 4 أطفال بسبب عدم توفّر الحليب الخاص بهم    بن عروس: توجيه 6 تنابيه لمخابز بسبب اخلالات تتعلق بشروط حفظ الصحة    باجة: انطلاق الاستعدادات لموسم الحصاد وسط توقعات بإنتاج متوسط نتيجة تضرّر 35 بالمائة من مساحات الحبوب بالجهة    بعد ترشّحها لانتخابات جامعة كرة القدم: انهاء مهام رئيسة الرابطة النسائية لكرة اليد    تقرير: شروط المؤسسات المالية الدولية تقوض أنظمة الأمان الاجتماعي    الكاف: تقدم مشروع بناء سد ملاق العلوي بنسبة 84 بالمائة    تكريم هند صبري في مهرجان أسوان الدولي لسينما المرأة    صادم: كلغ لحم "العلوش" يصل الى 58 دينارا..!!    بطولة الرابطة المحترفة الاولى (مرحلة التتويج): برنامج مباريات الجولة الخامسة    وزارة الدفاع الوطني تعرض أحدث إصداراتها في مجال التراث العسكري بمعرض تونس الدولي للكتاب    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس    هاليب تنسحب من بطولة مدريد المفتوحة للتنس    لأقصى استفادة.. أفضل وقت لتناول الفيتامينات خلال اليوم    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المعارضة محنة ... والحكم أمانة
الأستاذ نور الدين البحيري وزير العدل «للشعب»:
نشر في الشعب يوم 11 - 08 - 2012

بكل المقاييس والدلالات، تعتبر جملة مواقف الاستاذ نور الدين البحيري وتصريحاته، عاكسة لتوجهات الحكومة من ناحية ولتصورات حركة النهضة حول الملفات والقضايا المهمة والحارقة من جهة ثانية. فالرجل لا يتحمل مسؤولية وزارة سيادية كوزارة العدل فقط، بل ايضا يضطلع بدور قيادي في حركة النهضة، فضلا عن كونه منتخبا بالمجلس الوطني التأسيسي. ورغم ان عديد المحللين ومتابعين للشأن السياسي الوطني يعتبرون السيد نور الدين البحيري من الشخصيات الاكثر اعتدالا وتوازنا، فان الحقيقة أبعد من ذلك بكثير، فهو متواضع جدا واجتماعي الى أبعد الحدود ومحاور لبق، فأسلوبه المميز وطريقة أدائه اللافتة يتمحوران حول مقولة كلاسيكية «السهل الممتنع». فهذه الخصائص الفكرية والسلوكية عادة ما تقترن بالشخصيات ذات الوزن الثقيل والدور الفاعل في مجال نشاطها اليومي.
حول اغلب القضايا المطروحة على الساحة السياسية وحول ما يعتمل داخلها من حراك وتفاعلات، دخلنا مكتب السيد وزير العدل حاملين في مخيالنا مقالاته وتحاليله خلال عقد الثمانيات في كل من جريدتي «الرأي» الاسبوعية و «الشعب» اليومية والتي لم تعمر طويلا بفعل العلاقة التي حكمت في تلك الحقبة الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة زمن بورقيبة. فهل ان التاريخ يعيد نفسه وهل ان البارحة تشبه اليوم؟ لنطالع هذا الحوار بروية وتمحيص عسى ان نعثر على تمفصلات مهمة وخفايا تساعد على عمق التحليل والمقاربة.
 مواقع متعددة وأدوار متداخلة بين المحاماة والسياسة فالوزارة أين يمكن ان نعثر على نور الدين الانسان تحت عباءة المحاماة أم تحت جبة السياسة أم عندما يعود مساء مرهقا الى ابنائه؟
نور الدين البحيري ككل بشر، مواطن تونسي من جيل آمن بالتغيير وأحبه وتربى في أوضاع اتسمت رغم تسلط الحزب الحاكم بحراك فكري وسياسي وتعدد وتنافس وظل حد الصراع، ومن جيل عاش أحلى ايام الشباب التونسي في الجامعة يوم لم يحدّ القمع والاستبداد من مشهد سياسي وفكري وثقافي متطور ومسؤول، ويبقى كل بشر مرتبط بالحلم الذي تربى عليه واصبح جزءًا من ذاته وكيانه بصرف النظر عن موقعه ومسؤولياته، تتغير الاوضاع والصفات سياسيا واجتماعيا وتتعداها احيانا بحكم ما تفرضه الاوضاع الجديدة من مسؤوليات اضافية يبقى الثابت في شخصية كل انسان وهو ما يعتمل في قلبه وعقله وما يطمح اليه والذي بدونه، يفتقد المرء حضوره وشخصيته المتميزة. ولذلك يبقى الطموح والحلم، الحاضر الدائم في الحياة سواء تحقق جزء منه أو لم يتحقق لتجدني في سعي دائم ومحموم احيانا من اجله على كل ما يقتضيه من تضحيات وتقصير احيانا اخرى في حق النفس وفي حق الغير.
 خلافات مع القضاة حول اكثر من ملف، تململات داخل السجون في المقابل تظل المحاماة مستقرة، هل يعود ذلك الى غلبة انتمائكم الى المحاماة أم الى وجود زوجتكم صلب الهيئة الوطنية؟
ما لا يجب ان ننساه ان مشاركة المحاماة في الثورة وقبلها في مقاومة الاستبداد كان نتيجة لوضوح الرؤية داخل هذا القطاع الذي كان وما زال منحازا للتغيير منخرطا في الفصل المعادي للاستبداد والفساد، حتى وان لم يخل من بعض المخادعين ومن مظاهر الانحراف التي يشهدها المجتمع، ولذلك من الطبيعي جدا ان تطغى على القطاع نزعة التجاوب الايجابي مع حكومة الثورة، وخياراتها سواء قبل انتخابات 23 اكتوبر او بعدها. في حين ان القضاء وسلك اعوان السجون واطاراته وبحكم ماعانيناه من قيود وما فرض عليهما من تحفظ رغم ما يزخران به من كفاءات وطنية رافضة للخنوع وطامحة للتغيير فرض نوعا من التعدد في وجهات النظر وفي الموقف من طريقة معالجة بعض المسائل المهمة، في نفس الوقت الذي سجلت فيه شخصيا طموحا جماعيا نحو التغيير والاصلاح الشامل على كل المستويات، وقد ساعدت مبادرات الحكومة الايجابية من اصدار لقوانين طال انتظارها ورفع المظالم سلطت على الكثيرين وسعيا لتطوير الاوضاع المادية والمعنوية والقوانين والظروف التي يعمل فيها هؤلاء واشاعة روح الثقة والتعاون والتمسك بالخيار التشاركي لتوسيع دائرة الحوار ورفض الانفراد بالرأي والتعامل بأريحية وبسعة صدر مع كل الانتقادات حتى وان كانت غير موضوعية وجارحة كل هذا حوّل ما يحصل من خلافات الى نقاط قوة ورحمة وساهم في تعميق الحوار حول الكثيرين من المسائل المهمة وأعطى دفعا لخيار الاصلاح والتغيير، ولذلك لا غرابة ان ينتهي كل خلاف بلقاء يحصل خلاله توافق حول القضايا المطروحة وهكذا دواليك تدافع وتنافس من اجل مصلحة العامة ومن اجل تغيير واصلاح مرفقي العدالة واوضاع السجون وتحقيق اهداف الثورة بكل ما تعنيه من كلمة.
 المعروف عن الاستاذ نور الدين البحيري تواضعه وعمقه الاجتماعي وخاصة نزعته نحو الاعتدال أبدا، كيف تنسجم هذه الشخصية مع وزارة سيادية؟
ما كان الاعتدال في شيء الا زانته الوسطية، وهي عنوان التشبع بقيم الحق والايمان بالرأي المخالف وبأن التنوع والتعدد ليس ضرورة من باب التّرف، بل لانه سر استمرار الحياة وسر الارتقاء الى مستويات أعلى كلما احترم التعدد كلما تطورت الاوضاع نحو الافضل ونحو الامثل، والرأي الواحد عنوان الركود والجمود والخسران المبين، وطبيعي جدا كما جاء في جوابي على أول سؤال ان يستمر ابناء الجيل الذي تربى في قلب الاختلاف والتعدد حتى وان احتد الى حد الصراع والخصومة والتنازع المادي ان يتربى على احترام هذا الحق وتقديسه لانه عرف حقيقته واستوعب اهميته حاضرا ومستقبلا والخطر في من يتربى على الانغلاق والانطواء يحاكي نفسه ويتوهم ان هذا الكون لم يخلق الا له والحال ان الخالق اكد للبشر كافة انه خلقهم شعوبا وقبائل ومن ذكر وانثى ليتعارفوا ويتدافعوا حتى تستمر الحياة.
 حقوق الانسان عنصر رئيس صلب منظومة العدالة، يكف يمكن تعزيز هذه الحقوق في اطار مشروع اصلاح العدالة الذي قد يطول أو يقصر؟
حقوق الانسان هي هدف كل الجهد الذي نبذله، وهي غاية كل التضحيات التي بذلت ومازالت تبذل وطبيعي جدا ان تكون حماية الحريات وضمان المساواة وعلوية القانون كتجسيد للعقد الرابط بين ابناء الوطن الواحد وحماية الارواح والاملاك والاعراض والمساواة بين الجميع بترك التشفي عن اللون والجنس واللغة والدين هو جوهر كل عملية تغييرية وجوهر كل مسعى لبناء سلطة قضائية مستقلة بدونها يستحيل تحقيق اصلاح في اي مجال من المجالات وفي غيابها تتحول البلاد الى غابة يأكل فيها القوي الضعيف ولذلك كان من الضروري ان يحتل اصلاح مرفق العدالة والقضاء موقعا متميزا في هذه المرحلة من تاريخ بلادنا. وعلينا ان لا ننسى ان بلادنا فقَدت رهان التحديث وتحقيق الديمقراطية والحكم الرشيد من اكثر من 50 سنة لما خسرت رهان بناء سلطة قضائية مستقلة عادلة ومنصفة ونتمنى ألا نقع في ما وقع فيه اسلافنا والا نفوّت الفرصة التي وهبتها لنا الثورة.
 لئن توفقت حركة النهضة في الوصول الى الحكم من خلال الشرعتين الديمقراطية والشعبية، الا انها عجزت عن تحقيق توافقات أوسع من الائتلاف الثلاثي، كيف تفسرون هذه المفارقة؟
بكل تواضع، اعتقد ان التوافق الثلاثي حدث مهمّ في حد ذاته ومكسب لتونس لانه ليس من السهل في ظل بلد عانى من الديكتاتورية وتربى على الرأي الواحد واللون الواحد والزعيم الملهم ان يقبل الفائز فيه في انتخابات حرة ونزيهة تقاسم السلطة مع غيره وهذا لا يعني ان التوافق المذكور يتصف بالكمال، لان طبيعة المرحلة الانتقالية التي تعيش بلادنا والتي جاءت اثر ثورة نجحت بوحدة صف التضحيات وحجم الدمار والخراب على كل المستويات التي خلفها نظام الاستبداد وتعقد الملفات التي يجب ان تعالج وخطورة تحديات التي تواجه مشروع تحقيق اهداف الثورة والقطيعة مع سياسات العهد البائد التي اختارها ابناء شعبنا، تتطلب توسيع دائرة التوافق، ثم بتوسيع دائرة المشاركين في الحكم بشكل مباشر أو غير مباشر وتوسيع دائرة نقاط الالتقاء ومواطن الجمع والتوحيد في المسائل التي تشق المجتمع لتحظى بدعم اوسع طائفة ممكنة من التونسيين وهذا يفرض على الاحزاب المشاركة في الحكم سواء في الحكومة او في المجلس الوطني التأسيسي ألا تنسى في تحقيق الانتقال الديمقراطي (بما هو نقلة نوعية تاريخية في حياة المجتمع) لن يتحقق دون بذل الجهد من اجل توافقات جامعة شاملة تطمئن الجميع على حاضر البلاد ومستقبلها وتعمق الارتباط الكلي ونضالهم من تحقيق هذا المشروع. بلادنا ليست في حاجة الى تكرار تجارب فاشلة عاشتها بعد الاعلان عن الاستقلال الداخلي أو 7 نوفمبر بل هي في حاجة الى ان يستفيد الطرف الحاكم مما هو متوفر لديه من عناصر قوة لتوسيع دائرة الحوار وتعزيز التوافقات وتشريك اكبر عدد ممكن في تحمل امانة انجاز اهداف الثورة وتحقيقها.
 في المرحلة الانتقالية الحالية الموسومة بالتوتر الاجتماعي والتدني الاقتصادي والصراع السياسي، الى اي مدى يمكن تحقيق المشروع اصلاحي بالنسبة الى هذه الملفات الكبرى التي ظلت تراوح مكانها؟
من الطبيعي ان تشهد اي مرحلة انتقالية ببلد من بلدان العالم صعوبات وخلافات والحمد لله ان بلادنا لم تعش ما عاشته بلدان اخرى عاشت تجربة الانتقال الديمقراطي او تعيشها الآن وبلادنا ان اخذنا بعين الاعتبار ان المطلوب من كل قيادة سياسية في مثل هذه المراحل الوصول الى بناء مؤسسات شرعية دائمة وفي اسرع وقت وبأقل التكاليف تعد التجربة التونسية من انجح التجارب ولكن هذا لا يعني ان نرضى ما هو موجود ونفتقد الطموح نحو الافضل، بل المطلوب الاستفادة من ذلك لربح الوقت وتحقيق الاقصى الممكن في اسرع الاوقات، ومن حق شعبنا ان يطمح الى العيش الكريم والحرية والكرامة ومن واجبنا ان نختزل الزمن ونعمل بأقصى الجهد الممكن بشريا لتحقيق ذلك الطموح الذي لن يكون مستحيلا متى توفرت العزيمة والارادة الصادقة
 فيضانات وثلوج في الشتاء أوبئة وحرائق في الصيف، فهل الطبيعة ذاتها غاضبة من حركة النهضة؟
الحمد & على نعمة الثورة التي انعم بها علينا بعد ان كاد بعضنا ييأس من امكانية التغيير حتى ساد الخنوع ودب اليأس في نفوس النساء والرجال وفقد الكثيرون الامل في امكانية التخلص من الجلاد، ومثل هذه الظواهر الطبيعية ظواهر كونية لا يخلو منها بلد من بلدان العالم وهي عنوان الحياة اصلا والعبرة بأن نعزز قدرتنا على الاحتياط والوقاية خير من العلاج وعلى معالجتها ان حصلت وتضييق دائرة الخسائر والحمد & ان الخسائر من جراء ما حصل كانت محدودة ولم تمس خاصة الارواح، البشر أعز ما في هذه البلاد الطيبة وندعو ا& ان يحفظ بلطفه بلادنا وان يحميها من كل مكروه كما ندعو كل التونسيين الى مزيد التآزر والتعالي على الخلافات في مثل هذه الحوادث والنوادر لان مثل التونسيين في توادهم وتراحمهم رغم اختلافاتهم وصراعاتهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضوا تداعى سائر الاعضاء بالسهر والحمى.
 توترات مع سلك القضاء واخرى مع السجون وثالثة مع اطراف نقابية، ألا يؤثر كل ذلك على الجهد الاصلاحي في وزارتكم ان وجد مشروع الاصلاح اصلا؟
تقديرا ما يحصل هو عنوان تعدد في الاراء وحرية في التعبير دون خوف من عقاب أو تجريم وتحقيق لارادة تحدو الجميع من اجل واقع افضل والوزارة تنظر بعين ايجابية لهذا التعدد والاختلاف وتحاول الاستفادة منه اقصى ما يمكن من اجل هدف الاصلاح، فهؤلاء الاخوة وغيرهم هم المرآة التي نرى فيها انفسنا وخياراتنا وبدون نقدهم وانتقادهم لا يمكن ان نتخطى مواقع النقص والخلل والخيار التشاركي الذي آمنا به واعتمدناه يستوعب ما يحصل اكثر منه، ولذلك مثلما ترون لم تتحول بعض الخلافات حول بعض القضايا مع كل هذه الفئات القطاعات الى خلافات مزمنة أو شخصية، بل توجت باتفاقات لمصلحة الجميع من بينها القانون الاساسي لكتبة اعوان المحاكم والقانون المنظم بضباط واعوان السجون والكثير من المكاسب المادية والمعنوية لهؤلاء.
 كيف ستعالج وزارة العدل موضوع النقابيين في صفاقس؟
بصفتي مواطن تونسي قبل أن أكون وزيرا للعدل لا يمكنني الا ان أعبر عن ألمي لما حصل من تصعيد غير مبرر للأوضاع في صفاقس وللمنحى الذي اتخذته لاعتبارات غابت فيها أحيانا الموضوعية وما أؤكده ان وزارة العدل كانت في هذه القضية مثلما كانت في غيرها ملتزمة الحياد التام والحرص على احترام استقلالية القضاء والتنبيه لضرورة تطبيق القانون ولا شيء غير القانون والتعامل مع جميع الاطراف على قدم المساواة والتحرر من كل ما يمكتن ان يؤثر على القرار القضائي أو يمس من مصداقيته ونزاهته وشرعيته كما ان الوزارة نبّهت كم من مرة ان القضاء العادل المستقل هو الضامن لحريات الناس وسلامتهم المعنوية والجسدية وانه من واجب الجميع حكام ومحكومين عدم الزج بالقضاء في ما تشهده البلاد من تجاذبات ويهمني بهذه المناسبة التي أتاحتها لي جريدة الشعب الغرّاء بعد التوجه بالتحية لكل الاخوة المناضلين في الاتحاد العام التونسي للشغل ولقياداته ان أؤكد انه لا علاقة لما آلت اليه قضية بعض السادة نقابيي صفاقس بالموقف من العمل النقابي ومن الاتحاد العام التونسي للشغل، فالحق في العمل النقابي والحق في الاضراب مضمونان وليس لأحد كائن من كان المسّ منهما وكذلك الشأن بالنسبة لحرية التفكير والتعبير والتنظيم.
وأن الاتحاد العام التونسي للشغل يحظى بالاحترام والتقدير وبالثقة في استمرار وفاء مناضليه وقياداته لتاريخ هذه المنظمة العريقة ولخطّها الوطني الأصيل الذي يشهد عليه شهدائها الأبرار وتضحيات بناتها وأبنائها منذ نشأتها الى اليوم كما ان الاتحاد الشريك في معركة التحرير من الاستعمار ومقاومة الاستبداد وشريك أصيل ايضا في انجاز الثورة وحمايتها وتحقيق أهدافها وشريك فاعل ورئيسي في صياغة حاضر تونس ومستقبلها ومشروع الاصلاح الشامل الذي توافق التونسيين على انجازه من اجل بناء دولة مدنية يتعايش فيها كل ابنائها على أساس المواطنة في ظل نظام جمهوري يضمن كل الحقوق والحريات والمساواجة والتداول السلمي على السلطة ويحمي التنوع والتعدد ويحتضنه وحكومة الثورة الوفية مثلها مثل الاتحاد للثورة ومطالبها لم تكن ولن تكون في خصومة مع الاتحاد وما حصل في صفاقس لا يجب ان يأخذ اكثر من حجمه ولا أبعادا غير واقعية وغير موضوعية وحتى ان أثر سلبا على العلاقة بين الطرفين وعلى المناخ العام بالجهة والبلاد ومع تفهمي شخصيا لموقف الاخوة في قيادة الاتحاد وطنيا وجهويا فاني على يقين انما حصل لن يكون اكثر من سحابة عابرة كما اني على يقين ان قضاءنا المستقل سيعطي لكل ذي حق حقه وان الحكومة وقيادة الاتحاد وكل مكونات المشهد السياسي والمدني ستنجح في احتواء هذه الازمة وتجاوز تداعياتها لما فيه خير تونس ومصلحة التونسيين.
 وزارتان واحدة للعدل وثانية لحقوق الإنسان والعدالة الانتقالية أين تلتقي المؤسستان وأين تبتعدان؟
نحن نلتقي في تحقيق أهداف الثورة وإعادة بناء تونس على أسس جديدة تصنع كرامة البشر وصيانة حقوقه وحرمته الجسدية والمعنوية محورية العملية التغييرية ساعين إلى تحقيق ذلك من زوايا متعدّدة، وتعدّد صلاحياتنا واختصاصاتنا بآليات متنوّعة كلّ من الموقع الذي يمارس فيه ماهو مؤتمن عليه.
نورالدين البحيري، الحقوقي والسياسي، ماهي طبيعة النظام السياسي الذي ترونه يتلاءم مع تصوّراتكم للمشروع السياسي في تونس ومسوّدة الدستور قد قطعت أشواطا مهمّة؟
تونس التي عانت أكثر من 50 سنة في تاريخها المعاصر من الاستبداد الذي كان سببا في تخلّفها وفقرها وعجزها عن مجاراة نسق التطوّر في المنطقة وفي العالم. لا يجب أن تنسى أنّ وراء مآسينا حكم فردي وثقافة متخلفة تؤله الواحد ولا تؤمن بالتنوّع وتعتقد أنّ الأفضل يحتاج إلى قائد ملهم وزعيم فذ وولي صالح لا ينافسه أحد ولا ينافسه أحد ولا يُرَدُّ له أمر أو طلب وإذا استوعبنا هذه الحقيقة الراسخة في تجربتنا الوطنية والحضارية بصفة أوسع تأكدنا من حاجة بلادنا في هذه المرحلة الانتقالية إلى مزيد القطع مع هذا الخيار وإغلاق كلّ الأبواب والمنافذ الموصلة إليه وسدّ كلّ الذرائع المبرّرة له سياسيا وثقافيا واجتماعيا وذلك من خلال اشاعة الأمان لأنّ الشعب كلّه هو الزّعيم وهو القائد وهو الفذ لأنّ الواحد غير اللّه سبحانه وتعالى يخطئ وأنّ الجماعة لا تجتمع على ضلال وأن رأيين خير من رأي واحد ولا خاب من استشار وأنّه ليس هناك فرد معصوم من الخطأ أو السهو أو النسيان وأنّ الطريق نحو تفادي المزالق والانحرافات هو توسيع دائرة الشورى وتقاسم المسؤوليات والابتعاد عن المركزية المفرطة، وبإيجاز خوض معركة ابراز أنّ الجماعة هي البديلة عن الفرد وأنّه ليس لأحد ما يؤهله مهما كانت امكانياته ليكون صاحب القرار والخيار والتوجه وأنّ بلادنا في حاجة إلى اصلاح جذري وعميق تجسّده رجالها ونساؤها وليست في حاجة إلى زعيم يحوّل كفاءاتها ومجاهديها إلى خدم طيّعين، اشاعة هذا مقابل ثقافة تأليه الأفراد وتمجيدها والتشريع لحكم الفرد الواحد. ومن الطبيعي جدّا أن تكون بلادنا اليوم حتى تضمن النجاح في تجاوز هذا المنعطف الخطير في تاريخها إلى توسيع دائرة المشاركة في الحكم مركزيا وجهويا ومحليا لما يحصل الجميع شركاء في الخيار والقرار وبما يقطع دابر كلّ ذي نزوع نحو الانفراد والاستبداد وهذا لا يكون إلاّ بنظام تكون السلطة المركزية فيه بيد برلمان متعدّد ومتنوّع وممثّل لأوسع طيف ممكن للمشهد السياسي والايديولوجي والفئوي مدعوم بمجالس جهوية ومحلية منتخبة ذات صلاحيات تتوفّر لها الامكانيات المالية لتحقيق طموحات أهلها في الجهات، كما أنّ طبيعة المرحلة الانتقالية تقتضي السعي إلى تجاوز مراحل الهشاشة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي وكذلك السياسي باستبعاد البدائل الهجينة التي تفتّت سلطات الدولة دون أن توزّعها وتصيب المؤسسات بالشلل بعد أن تدخلها في نزاعات مفتعلة، فلا هي تضمن قوّة المؤسسات وتماسكها ولا هي تضمن الديمقراطية وتوسيع دائرة الحوار والقرار، فتأخذ من النظامين الرئاسي والبرلماني أسوأ ما في كلّ واحد منهما بما يهدّد استقرارها واستقرار البلاد في ظرف البلاد أحوج ما تكون فيه إلى استقرار.
 من خلال متابعتي لأشغال مؤتمر حركة النهضة الأخير، رأيت أنّ القضايا الكبرى قد تمّ ترحيلها إلى سنة 2014، ألا ترون معي أنّ نتائج الانتخابات القادمة ستكون نقطة مفصلية في حياة الحركة المستقبلية؟
في الحقيقة قبل الانتخابات القادمة فإنّ المؤتمر نقطة مفصلية في تاريخ الحركة. وعدم طرح بعض القضايا الحزبية ليس بغاية ترحيلها أو هروبا من تبعاتها، بل لأنّ الحركة اختارت اعطاء الأولوية للقضايا الوطنية على القضايا الحزبية لأنّ حركة النهضة حزب في بلاده تونس حرّة مستقلّة لا تساوي الشيء الكثير ولأنّه من واجب كلّ حزب في هذه المرحلة أن يتعالى على الحسابات الخاصّة وينصهر في حسابات الوطن والشعب وكذلك كانت الأولوية في هذا المؤتمر لقضايا الدولة ، الثورة والمجتمع.
 لئن لم تقدر حركة النهضة على حسن استعمال مختلف الوسائط الاعلامية، فإنّها أيضا قد فشلت في التعاطي مع ملف الإعلام بعد الثورة ما رأيكم؟
شيء من هذا يعبّر عن حقيقة لا مجال لإنكارها، وهذا لا يمنعنا من القول إنّ الحركة ورغم كلّ ما حصل لم تفقد صوابها في التعاطي مع من ناصبها العداء أحيانا دون سبب أصلا والتزمت الاعتدال في تعاطيها مع المستجدّات واتّسمت بسعة صدر ونكران للذات غلبت فيها المصلحة الوطنية على مصلحتها الخاصة وأكّدت فيها أنّها لم تيأس من امكانية رجوع في تعاطيهم بعضهم للبعض للحق، أو الرجوع إلى الحق فضيلة وأنّ أمامها هو أن يتجاوز هذه المرحلة الحساسة نحو شيء من الاستقرار والاعتدال والقبول بالرأي الآخر والرضى بأحكام الصندوق.
 هناك من يؤكد على وجود دولة باتولوجية في جسد مجتمع جريح ونازف، فما هو ردّكم على هذا التوصيف؟
من باب الانصاف للحقيقة، الحقيقة انّ هذا الوصف لا علاقة له بالواقع وتعامل الذين حملوا أمانة الحكم مع أصدقائهم ومخالفيهم على حدّ سواء يدلّ دلالة قطعية على أنّ بلادنا تعيش لحظة تاريخية فارقة، هيمنت فيها روح الوفاء للدولة الجامعة وحتميتها ومبادئها واكراهاتها على خيارات وتصرّفات وأعمال الذين يحكمون، فلا انتقام ولا تشفٍّ ولا توظيف لأغراض شخصية أو حزبية يمكن القول إنّ هذه الظاهرة لم تتضّح بعد بحكم ما يلف الأوضاع من غموض وما يطعن عليها من تجاذبات ولكن المتعمّق في دراسة الواقع يراها واضحة المعالم وهي حالة على الجميع التقاطها والتعامل معها بروح ايجابية نحو تعزيزها ودعمها بما سيكون لها من تأثير ايجابي على شكل الدولة المستقبلية وتأسيسا على قيم المواطنة ومبادئها.
 مهما كانت الأسباب والدوافع الموضوعية، هل تعتقدون أنّ المواطن الذي أعطى ثقته في حركة النهضة يمكن أن يجدّدها في المحطّات القادمة وهو يعاني من أبسط مقوّمات الحياة الكريمة وأوكد الخدمات الاجتماعية الملحة؟
عند الامتحان يُكرم المرء أو يُهان، ومع تونس صدق العزيمة واعتماد الشفافية من حق أبناء شعبنا سواء ممّن انتخبونا أو انتخبوا غيرنا محاسبتنا والثابت عندنا أن رصيد هذه الحكومة رغم النقائص والسّلبيات إلى حدّ هذه الساعة ايجابي من ذلك أنّها وصلت نحو حدود 3 ٪ بعد أن كانت الاّ اثنين ووفّرت عشرات آلاف من مواطن الشغل وضمنت استمرار المرفق العام والنشاط الاقتصادي والاجتماعي الذي كان معطّلا وأعادت الحياة لقطاع السياحة. قطاعات اقتصادية أخرى كانت مهدّدة بالانهيار وعزّزت نسب الاستثمار الدّاخلي الخارجي وانطلقت في انجاز مشاريع تنموية كبرى بعد أن خصّصت في الميزانية التكميلية للجهات المحرومة والتشغيل ضِعْفَ ما كان مخصّصا في الميزانية السابقة في نفس الوقت الذي سرعت فيه اجراءات مقاومة الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة واستجلاب الفارين والتعويض للشهداء والجرحى ورد الاعتبار لكلّ ضحايا العهد البائد والترفيع في الأجور. حقّقت ثورتنا المجيدة الكثير من أهدافها وضمنت بناء مؤسسات شرعية منتخبة لأوّل مرّة في تونس وحرية رأي وتعبير وتكوين للجمعيات وللأحزاب واستقلالية اعلام وقضاء لم تشهد له تونس مثيلا في تاريخها الحديث ومازال أمام هذه الثورة الكثير ممّا عليها تحقيقه، وهو واجبنا وواجب كلّ الأوفياء لدماء الشهداء مهما كان موقعهم.
 قد يستشفّ السيد وزير العدل من جملة هذه الأسئلة روحا نقدية. فماذا تقولون للشعب التونسي الذي التمستم منه مدّة إمهال وصبر بستة أشهر بعد انقضاء هذا surcis؟
أقول لكل أهلي وأحبّتي أنتم المرآة التي نرى فيها أنفسنا فلا تحرمونا من النصيحة، فالنصيحة من الدين والايمان وحب الوطن ولن تجدوا منّا إلاّ حسن السماع والتجاوب والعرفان لكم بالجميل على تقديم النقد حتى وان كان قاسيا أو جارحا، فالحكمة ضالة المؤمن والنصيحة هي النور الذي يضيء لنا طريق العمل الصالح لخدمة بلادنا.
 أيّهما أيسر لحركة النهضة المعارضة أم الحكم؟
المعارضة أمانة وفي ظلّ أنظمة الاستبداد ومحنة والحكم كذلك أمانة وهي أرشد من المحنة لأنّها فتنة. وفي كلتا الحالتين لا عِصْمَةَ من الزلل والانحراف والخطأ إلاّ بالصبر والمصابرة والمرابطة والاعتصام بحبل الحق المتين والتمسّك بالشورى والتعاون والرأي الجماعي حتى نقلّل أكثر ما يمكن من الأخطاء ونكران الذات ومحاسبة النفس واستحضار أنّها أمانة، إنّها يوم القيامة تزرُ وزرها واستحضار دماء الشهداء التي سالت من أجل هذه اللحظة ودموع اليتامى والأرامل والثكالى وآهات ودعاء العجائز في الليل الدّامس واستحضار كلّ ذلك يساعد على نجاتنا من الفتنة بعد أن وفقنا اللّه وحمانا من شرور المحنة وآفاتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.