في إطار الجدل الذي أثاره تعيين الأستاذ حافظ بن صالح وزيرا للعدل، وافانا الأستاذ محمد رضا الأجهوري (الأستاذ بكلية الحقوق بتونس) بالنص التالي دفاعا بالعدل عن وزير العدل . الطريف أن الأستاذ الأجهوري كان كتب سلسلة مقالات بعنوان «لا أريدك وزيرا» ضد تعيين المرحوم محمد الشرفي وزيرا في بداية حكم بن علي وللأستاذ الأجهوري القريب من الفكر القومي العروبي عدة مؤلفات من أبرزها «الجريمة الشكلية وإختلاس أموال الشعب في دولة القانون» الذي صودر سنة 1991، وقريبا يصدر له كتاب «فصل الخطاب في منع النقاب». ويعتبر الأستاذ الأجهوري من أهم الأساتذة المهتمين بمبحث الأحوال الشخصية في تونس وصدر له في هذا الإطار كتاب «الخلفية الإسلامية لمجلة الأحوال الشخصية» وفي ما يلي نص الأستاذ الأجهوري... دفاعي بالعدل عن وزير العدل، في مواجهة حملة التشويه والتجني والتهجم المجاني غير المسبوقة وغير المنضبطة وغير المبررة، هو دفاع ينطلق من اضطلاعي بالواجب الوطني في التذكير بحقائق يراد لها أن تطمس في خضم الافتراءات والأباطيل وسيل الشتائم والسباب السافل. دفاعي بالعدل عن وزير العدل ليس فقط دفاعا عمن تصدى للقمع والقتل والاعتداء على حقوق الإنسان، حق الطالب كإنسان داخل الحرم الجامعي، وإنما هو أيضا دفاع عمن دافع عن مشروع التعريب والهوية العربية الإسلامية المتجذرة في الثقافة الوطنية والمتصالحة مع الحداثة واللغات الأجنبية. ودفاعي بالعدل عن وزير العدل ليس فقط دفاعا عمن دافع عن حقوق الإنسان، وليس فقط دفاعا عمن دافع عن الهوية العربية الإسلامية والثقافة الوطنية الحداثية، وإنما هو كذلك دفاع عمن يتحلى بالنزاهة والنظافة والكفاءة العلمية والمهنية ونزعة الاعتدال العقلانية الإصلاحية. لذلك وجب تأكيد وتثبيت أن ما دافع عنه الأستاذ العميد حافظ بن صالح وزير العدل الجديد من حقوق الطلبة في الحياة والكرامة والحرية والحرمة الجسدية والاعتزاز بالانتماء إلى الهوية العربية الإسلامية الحداثية في إطار توجه عقلاني معتدل يميز نزعته الوطنية الإصلاحية هو الذي جلب عليه اليوم هذه الحملة الهوجاء من التشويه والافتراء، وهي حملة تحاول التخفي وراء اتهامات واهية من أجل طمس الدوافع الحقيقية التي جعلت هذا الرهط أو ذاك يدخل في سباق محموم لممارسة التهجم المجاني الظالم في إطار ما ألفته ودأبت عليه هذه الرهوط باستمرار من توزيع وتبادل للأدوار، كلما تعلق الأمر بمحاولة الإجهاز على هذا الخصم أو ذاك، بعيدا عن الحقيقة والنزاهة والإنصاف. لأجل هذا كان لا بد من إحباط حملة التهجم الظالم على وزير العدل الجديد وذلك بكشف أباطيلها التزاما منا بالإنصاف وإظهار الحقيقة كأسلوب وحيد للدفاع بالعدل عن وزير العدل، وفي ما يلي نقاط خمس دفاعا عن زميل الأمس. أولا : ثمن الدفاع عن حرمة الجامعة وحق الحياة يأتي في مقدمة هذه الحقائق، التي أرادوا طمسها ولن تطمس، الدور الوطني المسؤول لعميد كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة تونس المنار المنتخب الذي أداه بكل التحدي والقناعة والاقتدار، في الدفاع عن حقوق الإنسان مجسدا بالخصوص في الدفاع عن حقوق الطلبة الطبيعية المشروعة في الحياة والكرامة والحرمة الجسدية وحق التعلم وحق التنظم وحرية التعبير وحرية التجمهر، تصديا واعيا منه، مطلع تسعينات القرن العشرين، لمحاولات دخول بل اقتحام الحرم الجامعي من طرف بوليس الوزير الفرنكفوني الماركسي للتعليم العالي (التربية والعلوم) المتحالف مع الطاغية رئيسه وقرة عينه بما بات يعرف في الأوساط الطلابية والجامعية بوليس الشرفي بن علي، وذلك لممارسة القمع والقتل اعتداء على الحق في الحياة والحق في الكرامة والحق في سلامة الحرمة الجسدية والحق في الحرية. أليس الدفاع عن هذه الحقوق والحريات التي تهم الطلبة جميع الطلبة دون تمييز أو استثناء أو إقصاء، من طرف عميد كلية حقوق منتخب تقديسا منه لحرمة الحرم الجامعي، حتى لا يقع انتهاك الحرمة وإهدار الحقوق والدوس عليها بوحشية وغطرسة من بوليس الشرفي بن علي؟ أليس هذا الدفاع عن حقوق وحريات الطلبة داخل الحرم الجامعي دفاعا عن حقوق الإنسان ؟ أليست حقوق وحريات الطلبة من صميم حقوق الإنسان التي يتشدق البعض باحتكارها وتوظيفها واستغلالها أصلا تجاريا سياسويا للمزايدة، والأخطر من ذلك للتكفير بالديمقراطية وحقوق الإنسان، بعد أن نصبوا أنفسهم إكليروس أوصياء أنقياء ناطقين حصريا باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان، تماما مثلما نصب غلاة السلفية الدينية أنفسهم افتراء وعدوانا مشيخة أوصياء أنقياء أيضا ناطقين حصريا باسم الاسلام لتكفير مخالفيهم في الرأي والاعتقاد، فهل هناك من فرق في ممارسة التكفير والإقصاء بين من يمارسونه باسم سلفية حقوق الإنسان الحاقدة من أجل اتهام خصومهم ومخالفيهم في الرأي بأنهم أعداء حقوق الإنسان، وبين من يمارسونه باسم سلفية دينية جاهلة لاتهام خصومهم ومخالفيهم في الرأي بأنهم أعداء الإسلام؟ كفى تكفيرا للمخالفين في الرأي سواء باسم سلفية التدين المدان أو باسم سلفية حقوق الإنسان ... كفى استبلاها للناس ... فللناس عقول واعية. عندما تصدى العميد المنتخب بشموخ وصلابة لمحاولات إجرام بوليس الشرفي بن علي اقتحام الحرم الجامعي بكلية الحقوق بجامعة تونس المنار، كان لحظتها يدافع عن الكرامة حتى لا تمتهن بأسلحة بوليس تحالف الشرفي بن علي، وكان يدافع عن الحرمة الجسدية حتى لا تنتهك بأسلحة بوليس التحالف، وكان يدافع عن الحق في الحياة حتى لا يهدر بأسلحة بوليس التحالف. وقد كان ما كان وحصل ما كان في الحسبان، لقد تحرك الوزير الفرنكوفوني الماركسي خادم نظام بن علي البوليسي الاستبدادي بقمع ممنهج وتنكيل مرتقب لمواجهة تمرد هذا العميد المنتخب، فيقرر هذا الوزير المنصب عزل ذاك العميد المنتخب، ويقرر في ذات الوقت عزل كل عميد منتخب قد يستجيب لنداء الواجب الذي يختلج في ضميره دفاعا عن حقوق الطلبة التي هي من صميم حقوق الإنسان فيرتكب بذلك خطيئة العصيان ويتمرد على أوامر الوزير خادم السلطان، فطال العزل كذلك العميد المنتخب لكلية العلوم الاقتصادية والتصرف بجامعة تونس المنار، كما طال العزل أيضا العميد المنتخب لكلية الطب بتونس. هذا نموذج من ديمقراطية من لا تزال أدمغتهم الفارغة محشوة بالمتعفن من بقايا خلايا سرطان دكتاتورية البروليتاريا، وذاك هو ثمن من يعصي أوامر الوزير الدكتاتور وسيده الطاغية، ذاك هو الثمن الباهض الذي دفعه عميد منتخب تصديا منه لامتهان الكرامة ولانتهاك الحرمة ولإهدار الحق في الحياة، ذاك هو ثمن من يدافع بحق عن حقوق الإنسان، عن حقوق الطلبة في الكرامة والحرمة الجسدية والحياة، وهي من صميم حقوق الإنسان. هل تحركت يومها رابطة أو إكليروس حقوق الإنسان لتندد بجرائم الاعتداء على حقوق الطلبة وعلى الحرية الأكاديمية وعلى حرمة الحرم الجامعي وهي جميعها من صميم حقوق الإنسان ؟ لقد كان ما كان وحصل ما في الحسبان، فإن ما حاول العميد المنتخب اجتنابه من عدوان على حقوق الإنسان من طرف بوليس تحالف الوزير والسلطان قد حصل في ذاك الزمان زمان التشدق بالدفاع عن حقوق الإنسان من وزير كان رئيسا لرابطة حقوق الإنسان، امتهن الكرامة وانتهك الحرمة وأهدر الحق في الحياة عندما تعرض الطلبة للمطاردة داخل الحرم الجامعي من طرف بوليس تحالف الشرفي بن علي مثلما تطارد وحوش ضارية غنائم مستباحة في محارم الجامعة، فكان الضرب والتنكيل والقتل. ألم يسقط الطالب شهيدا داخل الحرم الجامعي بأسلحة تحالف الشرفي بن علي؟ هل تكلم أحد ؟ هل ندد أحد ؟ هل تكلمت الرابطة ؟ هل نددت الرابطة ؟ هل ترحمت على روح الشهيد ؟ هل تقدمت بالتعزية لعائلة الشهيد ؟ التاريخ يشهد أن الرابطة لم تجرؤ على الكلام ولم تجرؤ حتى على القيام بواجب العزاء. هكذا دفع العميد المنتخب بالأمس وزير العدل الجديد اليوم ثمن وقوفه مع حقوق الطلبة دفاعا عن حرمة الجامعة وحرمة الجسد والحق في الكرامة والحق في الحياة، هذه حقائق لن تطمس ولن تقبل المزايدة، كفى افتراء وتشهيرا وتخفيا وراء الأباطيل وتزييف حقائق التاريخ .. ثانيا : ثمن الدفاع عن التعريب والهوية يحتاج بعض ذوي الذاكرة الضعيفة والنظرة القصيرة إلى التذكير حتى لا يقعوا بوعي أو لا وعي في متاهة التشهير، والتذكير هنا هو تذكير بمعركة التعريب في كلية الحقوق والعلوم السياسية والاقتصادية مطلع ثمانينات القرن العشرين. كانت هناك معركة مع كتلة الأقلية الفرنكوفونية الرافضة لمشروع التعريب في حده الأدنى وهو تدريس بعض مواد القانون باللغة الوطنية إنهاء لوضعية الهيمنة الفرنكوفونية على كلية الحقوق التونسية، ولم تكن هناك بالمرة مطالبة من أي كان بتعريب شامل ولا بإقصاء اللغة الفرنسية، ولا يمكن لأحد يملك ذرة من استنارة عقل أن يصدق بأن يكون هناك في كلية الحقوق من الأساتذة والطلبة من يدعو إلى تعريب شامل لكل المواد الدراسية أو يدعو إلى تقوقع وانغلاق وانطواء على الذات اللغوية، هذا أمر غير معقول وغير مقبول، وإنما كانت هناك مطالبة بإنهاء الهيمنة الفرنكوفونية للغة الفرنسية في كلية حقوق تونسية ينص الفصل الأول من دستور بلادها على الاستقلال والتحرر اللغوي من الامبريالية اللغوية الفرنسية، كما ينص على تأكيد أهمية حضور اللغة الوطنية كلغة رسمية للبلاد في كل مجالات التعليم والإدارة والحياة العامة. كان لهذه المعركة مع كتلة الأقلية الفرنكوفونية في البلاد وفي الكلية عدة واجهات، واجهة إعلامية للتحسيس والتعبئة وقد كان لي شرف المساهمة بقسط فيها، ثم واجهة طلابية ميدانية كان للجنة الطلابية الدائمة للتعريب الدور الحاسم في التعبئة والضغط وإضعاف وعزل الكتلة الفركوفونية الرافضة للتعريب، وكان لها كذلك الدور الحاسم في إنجاز وإنجاح مشروع التعريب بالكلية، وواجهة ثالثة واجهة الأساتذة المدرسين بكلية الحقوق والعلوم السياسية والاقتصادية آنذاك. وقد كان للأستاذ العميد حافظ بن صالح دور مهم في هذه الواجهة وذلك بالدفاع الواعي عن مشروع التعريب العقلاني التدريجي المنفتح على اللغات الأجنبية دون ارتهان وتبعية للغة الفرنسية، كان له دور في دعم اتجاه التعريب المنفتح، وكان له صوت في هزيمة كتلة الأقلية الفرنكوفونية، وكان له إسهام إيجابي في إنجاح مشروع تعريب بعض المواد القانونية الأساسية، وقد اضطلع في هذا الإطار بتدريس مادة القانون الإداري بكفاءة عالية علمية وبيداغوجية. وقد كلفه الانخراط في مشروع تعريب بعض المواد القانونية في إطار دفاعه عن الهوية والثقافة الوطنية والانفتاح على اللغات الأجنبية ثمنا خاصا بمجرد تنصيب الوزير الفرنكوفوني الماركسي المتحالف مع نظام بن علي، الذي لم يتردد في استغلال فرصة اعتراض العميد المنتخب الأستاذ حافظ بن صالح على اقتحام بوليس التحالف لحرم الجامعة اعتراضا منه على مطاردة الطلبة والاعتداء عليهم، حتى بادر الوزير المنصّب بعزل العميد المنتخب قبل انتهاء مدة عهدته، فالتقى بذلك سببان كافيان لهذا العزل، سبب قديم ظل حاضرا في نفسية من هرب مهزوما من معركة التعريب في كلية الحقوق وقد كان للأستاذ حافظ بن صالح دور إيجابي وحاسم في إحداث هذه الهزيمة، وسبب جديد هو التصدي لأوامر الوزير العتيد خادم الحاكم بقفاز الحديد. هذه الحقيقة، يحاول من يشهّرون اليوم بوزير العدل الجديد طمسها لمجرد ممارسة التهريج والتنديد، ومن الطبيعي أن يتصدى بعض رموز بقايا الفرنكوفونية لوزير العدل الجديد، تماما مثلما اعتبر أحدهم يوم المصادقة على الفصل 38 والذي أصبح الفصل 39 من الدستور الذي يؤكد تأصيل الناشئة في لغتها العربية وثقافتها الوطنية وانفتاحها على اللغات الأجنبية بأنه يوم حزين في تونس، والحقيقة غير ذلك فهو يوم فرح كبير ودائم في تونس، ولكنه يبقى يوم حزن خاص لمن أراد أن يكون له هذا اليوم يوما حزينا وهو يوم طويل مديد سيستمر ما استمر هذا الدستور الجديد، الذي نراه دستور جماهير الشعب ويراه أعداء الشعب الدستور اللعين. لذلك فإنه لا يمكن أن تتوقف كتلة الأقلية الفركوفونية في هذه البلاد عن تهجمها على وزير العدل الجديد والتشهير به، غير أنه في مواجهة هذا التهجم المجاني لا بد أن يتحرك أنصار التعريب والهوية والثقافة الوطنية من أجل التصدي لهذه الهجمة وابتكار آليات جديدة أكثر فعالية ونجاعة في الدفاع عن المشروع الوطني للتحرر الثقافي من التبعية لهيمنة الامبريالية الفرنكوفونية اللغوية والثقافية، ويمكن في هذا السياق التفكير في بعث جمعيات على طول البلاد وعرضها تنطلق من الفصل 39 من الدستور، كما يمكن إحياء اللجنة الطلابية الدائمة للتعريب، وكذلك بعث اللجنة الوطنية الدائمة للتعريب، حتى لا يخلو الجو لبقايا الفرنكوفونية التي عجزت عن أن تفرض إرادة كتلة الأقلية على الأغلبية الساحقة من الجماهير الشعبية.